حي الطريف التاريخي.. مركز ثقافي سياحي

يعد التراث واجهة ثقافية وثروة تتكون من العادات والتقاليد والقيم التي يتسم بها المجتمع، وهو ما خلفه الأجداد، ويعد بمنزلة الجذور التي نصل من خلالها إلى منبع الحضارة، وتمثل الثقافة في حاضرنا. قد نجد التراث في صور عديدة، ومنها المواقع الأثرية، ولأهمية تلك المواقع أطلقت منظمة اليونسكو برنامجا لحماية التراث، والذي يفرز أهم المناطق التي تعد ذات أهمية خاصة بإدراجها في قائمة التراث العالمي. تملك المملكة العربية السعودية العديد من المواقع المسجلة في قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو، بمختلف مواقعها في المملكة ومضمونها وأهميتها التاريخية التي ينعكس تأثيرها في المملكة أو المنطقة بشكل أوسع.

الدرعية جوهرة المملكة

محافظة الدرعية إحدى المحافظات التابعة لمدينة الرياض، وأكثرها أهمية في المملكة العربية السعودية، فقد شكلت الدرعية منعطفا تاريخيا لشبه الجزيرة العربية، وتمثل الدرعية نقطة الانطلاق، فمنها أُسست الدولة السعودية الأولى، وكانت مركز السلطة. وتملك محافظة الدرعية منذ قديم الزمان وإلى يومنا الحاضر أهمية كبيرة، فكانت الدرعية مقصداً للتجارة والثقافة والمعرفة والتبادل الاقتصادي، كما كانت مركزا لطرق الحج، ورابطا حيويا بين قارتي آسيا وأوروبا، وتلعب دورا سياسيا مهما في المنطقة، وذلك نظرا لموقعها الجغرافي الذي يتوسط شبه الجزيرة العربية. وعلى الرغم من البيئة الصحراوية الصعبة أصبحت الدرعية واحة للمجتمع النموذجي، ومن أهم المدن في المنطقة العربية. وتكمن أهمية الدرعية بكونها عاصمة الدولة السعودية الأولى، ونقطة انطلاقة الدولة ومقر الحكم، وتضم أحد أهم الأحياء المدرجة اليوم في قائمة التراث العالمي، وهو حي الطريف التاريخي.

حي الطريف

لكل قصة بداية، ولكل نجاح منبع، ولكل تطور حضاري رؤية ثقافية تسرد عمق التاريخ، كان حي الطريف أحد أشهر الأحياء في شبه الجزيرة العربية، ويعد من أقوى المدن العربية. في مدينة الدرعية الواقعة في قلب شبه الجزيرة يلتف سور ضخم حول حي الطريف الذي كان من أكبر وأشهر الأسوار في شبه الجزيرة العربية، كان حي الطريف مكانا لإقامة أمراء الدولة ومركزا قويا يعكس الدولة السعودية الأولى، ولعب حي الطريف دورا سياسيا وعسكريا كبيرا في تاريخ المنطقة، فشهد الحي تكوين أساس الدولة السعودية الأولى، والعديد من الأحداث التاريخية التي شكلت المنطقة، فله أهمية كبيرة، لكونه بيت الحكم في وقتها. يضم حي الطريف مجموعة من القصور الكبيرة، منها قصر سلوى، وقصر ثنيان بن سعود، وقصر تركي بن سعود، وكان يضم بعض المساجد، مثل مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومسجد الطريف، والبيوت الطينية المجاورة مثل بيت المال، ودار الضيافة، وبيت كبير البنائين، ومجموعة من المزارع المجاورة والأسواق، لكونه يقع على أهم وادٍ في منطقة الرياض، وهو وادي حنيفة.

قصر سلوى

يعتبر حي الطريف التاريخي من أهم معالم الدرعية، والذي يمثل التراث النجدي والنقلة السياسية في تأسيس الدولة، وكذلك لاحتضانه العديد من المباني التاريخية والقصور الشامخة، والآثار التي تعكس روح الثقافة النجدية بتصميمها. احتضن حي الطريف أيضا معظم المباني الإدارية التي كانت في عهد الدولة السعودية الأولى، والتي من خلالها تدار شؤون الدولة، ومن أهم تلك المعالم قصر سلوى، ذلك القصر الأثري التاريخي الذي يعد أكبر قصور مدينة الدرعية. وهو مقر لأمراء الدولة، ويتكون القصر من سبع وحدات موزعة على مساحة 10 آلاف متر، ومقسمة بحسب الاحتياج والاستخدام، وتحتوي كل وحدة على مجموعة من الغرف المزخرفة والمزينة بالنقوش النجدية. كان يعد قصر سلوى منبع الثقافة والتعليم، ومركز الحكم للدولة السعودية الأولى، وكان مسكنا ومجلسا للمشاورة في أمور الدولة، ومنه تخرج أهم القرارات.

الوجهة السياحية العالمية

حي الطريف مركز ثقافي

أُسس حي الطريف في القرن الثامن عشر بأسلوب معماري يحمل الروح النجدية، في مجموعة من المباني الطينية والقصور والمساجد. ومع الوقت تأثرت تلك المباني بالأحداث التي وقعت فيها والتطورات التاريخية التي مرت بها، فقد انتقل مركز الحكم إلى مدينة الرياض، وأصبحت الرياض عاصمة للمملكة العربية السعودية، وتتبعها محافظات عدة، من ضمنها محافظة الدرعية. فأصبح لدينا بيوت من الطين وقصور ومساجد تحمل لنا قصصا ترويها عن تاريخ المملكة والعمق السعودي وبداية تأسيس الدولة. ومر حي الطريف التاريخ بمراحل تطويرية عدة في مجال الترميم والمحافظة على المباني، وكانت البداية في عام 1998 ومن قبل توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله. واستمرت عملية التحول للحفاظ على أهم معالم الدرعية التاريخية، وأطلقت هيئة تطوير بوابة الدرعية مشروع تطوير حي الطريف التاريخي، ليصبح وجهة سياحية ثقافية تجمع بين أصالة التراث العمراني لمنطقة نجد، والقيمة التاريخية في نقطة انطلاقة الدولة السعودية الأولى.

حي الطريف التاريخي في قائمة اليونسكو

أتى مشروع تطوير حي الطريف التاريخي في ترميم القصور التاريخية والمباني والمساجد والمرافق المصاحبة، والتي تشمل الآبار والحارات والمنارات، وبوجود حي تاريخي ذي أهمية خاصة لدى الدولة السعودية يرشدنا بتأكيد مكانة المملكة التاريخية وعلو كنزها الثقافي والأثري في هذا الحي الذي أُسس في القرن الثامن عشر، كان من الواجب الحفاظ على هذا التراث بتسجيله في قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو، واحترام المعلم التاريخي الذي يربط المملكة بعلاقة رفيعة. وفي عام 2010 وافقت لجنة التراث العالمي على تسجيل حي الطريف التاريخي بمحافظة الدرعية في قائمة التراث العالمي، ليصبح حي الطريف الموقع السعودي الثاني الذي يُسجَّل في اليونسكو.

خمسة متاحف تعكس معالم الثقافة السعودية

تسعى هيئة تطوير بوابة الدرعية ووزارة السياحية لجعل الدرعية التاريخية بوابة للتعرف إلى التراث السعودية النجدي، ووجهة تعكس الأسس التاريخية
للسعودية، وواحدة من أهم الوجهات في المنطقة لتبادل المعرفة التاريخية. وبوجود حي الطريف التاريخي ضمن برنامج تطوير الدرعية، تولت هيئة تطوير بوابة الدرعية إعمار الحي، وتحويله إلى مركز ثقافي سياحي عالمي يحاكي تاريخ الدولة السعودية، ويبين عمق تاريخها. ويضمن مشروع تطوير حي الطريف التاريخي بإنشاء خمسة متاحف متنوعة وموزعة في عدد من القصور التاريخية التي جرى ترميمها، وتشمل كلا من: متحف الدرعية الذي يروي للزوار أهم الأحداث التي جرت في عهد الدولة السعودية الأولى، ومراحل إنشاء الدرعية، ومتحف الحياة الاجتماعية المختص بعرض الحياة الاجتماعية خلال تلك الفترة، بما يتعلق بالمهن التي يمارسها أهل الدرعية، وأنماط العيش وأهم المناسبات وغيرها، والمتحف العربي الذي يضم أهم المخطوطات القديمة وكل ما يتعلق بتلك الفترة، ومتحف الخيل العربية الذي يبين أهمية الخيل، ودورها في توحيد البلاد، ومتحف التجارة والمال الذي يبين أهمية موقع الدرعية الجغرافي سابقاً بعرض النظام الاقتصادي، وطرق التجارة التي تمر من خلال المدينة، ويستعرض العملات المستخدمة وقتها. وتشمل المتاحف عرض وسائل الحرب والدفاع المستخدمة في ذلك الوقت والمقتنيات والآثار الناتجة عن المعارك التي تعرض لها الدرعية. لحي الطريف التاريخي أهمية كبيرة في المملكة، فكان أشهر الأحياء في شبه الجزيرة العربية، واليوم هو رمز من رموز السعودية يمثل تاريخ الدولة وهويتها الثقافية وعمقها السياسي. أصبح حي الطريف التاريخي وجهة سياحية عالمية لاكتشاف تاريخ المملكة من محافظة الدرعية، وإضافة إلى أنه مجاور لأهم الفعاليات التي تستقبلها المملكة حدث سباق الفورميلا إي، فهي فرصة رائعة عند زيارة مشاهد أهم السباقات العالمية في محافظة الدرعية، واكتشاف تاريخ المملكة من خلال الحي التاريخي الذي يضم القصور الطينية الشامخة، وتروي أهم الأحداث المؤثرة في تاريخ المنطقة.