رحلة الموت ترويها الفنانة المهاجرة زينب الجبوري بلوحاتها

لم تفكر يوما الرسامة والنحاتة وخريجة اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد زينب الجبوري بان تخوض رحلة الهجرة الخطرة نحو المجهول، ولتعبر مع عائلتها الصغيرة مع زوجها الفنان التشكيلي توفيق الالوسي وابنهم الصغير نشات 13 بلدا سيرا على الاقدام لفترة اسبوعين، وتمر باقسى الظروف من جوع لايام، وشعور ببرد الدول الاسكندنافية القارس، والتعرض لخطر سرقة الاعضاء البشرية والتهديد بالاعتقال والعودة الى نقطة الصفر، لكن هذا ما حدث كما روته لـ"هي" لاول مرة، من بعد سبعة اشهر من الوصول ومشاركتها بلوحات تحكي معاناة الرحلة بعنوان "رحلة الموت الحالم" ولوحة النزوح" وغيرها في معرض في فنلندا.

كيف ولماذا اخترت طريق الهجرة؟ 
انه الحلم للعيش في بلد آمن، بعيدا عن دوي الانفجارات والحياة المربكة التي نعيشها يوميا في بغداد، وان كنت من المعارضين بشدة للفكرة، وكذلك وزوجي الذي لم يرحب بالفكرة من البداية، لما سمعناه من قصص وتجارب صعبة لمن سبقونا، واقربهم رحلة ابنة خالتي، لكن مع ضيق العيش والقلق وعدم الجدوى بالعيش في وضع غير امن ببغداد، ومع تشجيع بيت عمتي، عزمنا على خوض هذه المغامرة وشدينا الرحال سوية. 

اخبرينا عن ظروف رحلتك التي وصفتها بالمميتة؟
صعوبة الرحلة بدات ليلة الابحار من تركيا الساعة الثانية صباحا، حيث اخبرونا القائمون على نقلنا بحرا من بعد ان جمعونا في قبو فندق ما عن خطة السفر، والتي تطلبت اولا تسلق جبل مليء بالاشواك، ثم السير وسط الظلام الدامس بهدوء وصمت، خاصة مع وجود الكثير من الاطفال، لكي نتجنب انتباه حرس الحدود علينا. ثم صعودنا الى القارب المطاطي، ونحن اكثر من 45 شخصا على قارب بطول 9 امتار، كانوا قد نفخوه يدويا. ومن هناك انطلقنا بوسط الموج الضارب، ومع نفاذ الوقود وسط البحر، اصبحنا بين رحمة البحر والسماء لساعات، الى ان اتى حرس الحدود اليوناني لينقلنا الى الشاطيء، وكل هذا لا شيء امام رحلة السير لعبور الدول الاوربية وصولا الى الشمال.

وكيف تحمل الطفل الصغير هذا الطريق؟
بداية الرحلة كان الحمد لله نائما، لكن من بعدها تعرضنا جميعا لظروف الرحلة، فكان ينام ويصحو وهو على اكتاف والده محمولا بحاملته، وكان  بعمر سنة واربعة اشهر، وهو وقت ظهور اسنانه، واذكر باحد المواقف التي كنا بها مع الجموع على ابواب حدود كرواتيا التي تفتح لعدة ساعات لتسمح بمرور من يستطيع المرور، انتابت ابني نوبة من البكاء، ولم استطع اسكاته الا باغاني الاطفال التي سجلتها على هاتفي وتعود على سماعها. فكان موقفا سرياليا. 

والان، كيف تجدين حالكم ممن بعد كل هذا العناء؟ 
انا دائما اقول، "لولا الامل لانفطر الفؤاد"، فقد استقبلونا هنا بترحيب، وهم يعملون على تعريفنا على الناس وتعريفهم علينا من خلال اللقاءات الاجتماعية في الاماكن العامة، وها نحن نرسم انا وزوجي ونشارك في معارض فنية هنا والمعرض القادم سيكون في مصر، كما دخلت الجامعة لتعلم اللغة. ورغم انهم حذرونا كثيرا من هذه البلدة التي وصفوا اهلها بالعنصرية، الا انني شعرت بالغبطة وبعض الرضا وانا اجد بين فترة واخرى زملاء من الجامعة ياتون ليسلموا علي ويرغبون بصداقتي كونهم قراوا عني في الصحيفة وشاهدوا لوحاتي. ومع ذلك مازلنا بقلق لم يغب، فهنالك احتمال ان نعود الى اي دولة اخذوا بصماتنا بها، ومنها المانيا، ونبدا رحلة اخرى من العذاب.