بمناسبة يوم الأرض.. خيارات مستدامة لديكورات منزلك

مرت أشهر الشتاء، ويبدو أن تحديات العام الماضي أصبحت تحت السيطرة. فتزهر اليوم براعم تفاؤل حقيقي، فيما نستعد بحماس جديد وأمل واثق للقاء الأحباء، والسفر بحرية، واستعادة حياتنا السابقة.

لكل حادثة كبيرة في الحياة عواقبها. ومن نتائج المأزق الحالي الذي نعيشه، أنه أصبح لدينا وقت كافٍ للتأمل والتفكير في حياتنا، ومراجعة إيجابيات نمط عيشنا وسلبياته، وإعادة النظر في التحسينات التي يمكننا أن نفيد بها عائلاتنا ونؤثر بها إيجابيا في العالم الذي نتشاركه مع الأسرة: المنزل.

في عدد أكتوبر الفائت، ركّزت صفحات "هي" على الاستدامة، التي صارت حركة مهمة ومتواصلة النمو. كُتب الكثير حول أضرار البلاستيك، وقرأنا أن البلاستيك الاصطناعي غير القابل للتحلل سيبقى معنا لمئات، بل ربما آلاف السنين، وأنه يجب تغيير ثقافة "الاستعمال الواحد" للحقائب والأكياس والقوارير المستهلكة وغيرها من المنتجات البلاستيكية.

ندرك أن إعادة التدوير تساعد في حل جزء من المشكلة. كما يُنصح باستبدال البلاستيك بمواد أكثر صداقة للبيئة، أي مواد تقليدية مثل المعادن والخشب والزجاج والأنسجة الطبيعية. فتصنيعها أنظف، والتخلص منها أسهل. ومن منافعها الإضافية، أنه يمكن إعادة تدوير بعضها لأجل غير مسمى. في حين أن المواد التقليدية عادة مكلفة أكثر، أعتقد أن دوامها، ودورة حياتها الخضراء، وقبل كل شيء فوائدها الصحية، تجعلها تستحق التكاليف الإضافية، أو على الأقل تستحق أن تعيدي النظر فيها.

مع ذلك، لا أعتقد أنه يجب التفكير في البلاستيك من منظور سلبي تماما. فالمواد البلاستيكية طبعا تزودنا بمنتجات مهمة ونافعة. لكن المشكلة تكمن في طريقة استعمالنا لها من دون التفكير مليا بالتأثير المحتمل في المدى البعيد. عموما، قد لبينا حاجاتنا العصرية إلى التوفير والسرعة والراحة والسهولة والتغيير الدائم باستعمال البلاستيك بدلا من المواد التقليدية.

شأني شأن الكثير من الناس، أصبحت أكثر وعيا لهذه القضايا، وخصوصا تأثير المواد المستعملة في منازلنا في صحتنا. قبل سنتين، زارت سيدة وزوجها صالة عرضنا في حي "ميفير"، وكانا في المراحل الأخيرة من بناء بيت جديد لهما في ألمانيا. والغريب أن كليهما يعاني حساسية شديدة للعديد من المواد، وبصورة خاصة المواد الاصطناعية وتلك المعالجة كيميائيا، فكانت التجربة الأولى من نوعها بالنسبة لي. زرت منزلهما مع بعض التردد والخوف، غير أنني وافقت على العمل معهما. لم أقلق بشأن تحويل بيتهما الجديد المبني في محيط رائع إلى مسكن مدهش. بل همّي كان التقيّد بمواد محددة يمكننا استعمالها لإتمام إعداد المنزل. ومن هنا انطلقت في رحلة جديدة اطلعت خلالها بالتفصيل على كل مادة مستخدمة في الديكور. وما فاجأني هو أننا اضطررنا حتى إلى التفكير بدقة وعناية بخيار الخشب والحجر. وعلى مدى الأشهر القادمة، أود أن أشارككم تجاربي والمعرفة الجديدة التي اكتسبتها.

مقالتي الأولى حول هذا الموضوع تتحدث عن أغطية السرير. قد يبدو موضوعا غريبا أبدأ به. لكن كلنا نفهم أهمية النوم الجيد وفوائده الصحية، وكما نعلم، أن العلم ينصح بالنوم لسبع أو ثماني ساعات في اليوم. إن الحفاظ على جو بارد يؤدي عموما إلى نوم أفضل. تنخفض عادة درجة حرارة جسمنا خلال النوم من درجة إلى درجتين، وتستطيع الأغطية أن تحبس حرارة الجسم. كما أن هناك مسألة المواد التي قد تمتصها البشرة وما يمكن أن نتنشقه عبر ملامسة أغطية السرير الخاصة بنا. فيجب أن نأخذ بضعة عوامل بعين الاعتبار لدى اختيار بياضات السرير، أولها خيار القماش.

نباتات القطن

بين الاصطناعي والطبيعي.     Between synthetic & natural occurring    1.   

أنواع شراشف السرير الأساسية المتوافرة على نحو واسع تضم البوليستر، والبولي-قطن، والقطن، والكتان، والحرير. البوليستر قماش يصنعه الإنسان باستعمال ألياف اصطناعية، وهو متين ومقاوم للانكماش والتجعّد. أمّا البولي-قطن فهو مزيج من البوليستر والقطن يختلف من حيث نسب المادتين من مصنّع إلى آخر. عموما، إنه نسيج يسهل الاعتناء به والحفاظ عليه.

ثم هناك المواد الموجودة طبيعيا والمستخدمة لصنع القطن والكتان والحرير، والتي تتميز كلها بمستويات استثنائية من التهوية والنعومة. على الرغم من أن للكتان عادة ملمسا أكثر خشونة من القطن، إلى أنه يلين ويصبح أنعم مع الاستخدام والغسل المتكررين. كما تتميز هذه المواد أيضا بطبيعتها غير المثيرة للحساسية، مما يفيد الأشخاص الذين يعانون الحساسية والبشرة الحساسة والربو.

أجود أنواع الحرير هي التي تنتجها يرقات دود القز التي تعيش على أشجار التوت الأبيض. يستطيع ملمسها الناعم والمصقول أن يهدئ البشرة الملتهبة. ويسمح نسيجها الضيق بحركة أسهل ومقاومة أمثل بالمقارنة مع القطن والكتان. لكن الاعتناء بالحرير أصعب، وأسعاره عموما أغلى.

ننتقل الآن إلى القطن والكتان. يبقى القطن الخيار الأكثر رواجا، فلا يعلى على ملمسه الناعم والمنعش. أما الكتان فمصنوع من نبات الكتان، ويتم نسجه عادة من خيوط أسمك من خيوط القطن. لكنه يستطيع أن يكون مادة خفيفة، وأن يتيح مرور الهواء بشكل أفضل من القطن بفضل طول أليافه وعرضها.

 

الخيار العضوي           2  The natural occurring choice

العامل الثاني الذي يجب أخذه بعين الاعتبار هو نوعية القماش المختار. من الممارسات العادية في صناعة المنسوجات التقليدية، استخدام مواد كيميائية متنوعة، مثل الفورمالديهايد، والبنزيدين، والزئبق. صحيح أن هذه المواد موجودة بمستويات ضئيلة نسبيا، إلا أنها تزيد من السموم التي تتعرض لها أجسامنا. ومع مرور الوقت، قد يؤثر ذلك سلبيا في صحتنا. لذلك، فإن الأقمشة العضوية خيار أفضل من البياضات التقليدية غير العضوية.

لدى اختيار قماش عضوي، حاولي إيجاد الأنواع الحائزة على شهادة معيار النسيج العضوي العالمي Global Organic Textile Standard المعروف باسم GOTS، والذي يعتبر أعلى معيار في العالم لمعالجة المنسوجات المصنوعة من مواد خام عضوية. كل المواد الكيميائية المستعملة في إنتاج القماش، مثل الأصباغ والمواد المعالجة، يجب أن تتماشى مع الشروط المطلوبة وأن تفي بالمتطلبات المحددة فيما يتعلق بالسمّية وقابلية التحلل البيولوجي، من أجل الحصول على شهادة GOTS.

 

تركيبة القماش.         3  Structure of the fabric

من المهم أيضا النظر إلى بنية القماش. خلال السنوات الأخيرة، أصبح عدد خيوط القطن جزءا مهما من مواصفاته. يشير عدد الخيوط إلى عدد الخيوط الأفقية (اللحمة) والعمودية (السدى) المنسوجة معا في كل بوصة مربعة. على سبيل المثال، يتألف القماش الذي يبلغ عدد خيوطه 400 من 200 خيط أفقي و200 خيط عمودي. في معظم الأنسجة القطنية العالية الجودة، يتراوح عدد الخيوط من 200 إلى 800. وبشكل عام، كلما زاد عدد الخيوط، كان القماش أنعم والملمس أفخم والمتانة أطول أمدا. أقول "بشكل عام"، لأن هناك أقمشة ذات عدد خيوط يزيد على 800. إلا أنه من المستحسن التأكد من طريقة الوصول إلى هذا العدد، أي إذا كان ذلك عبر الخيوط الفردية المستعملة أم عبر استخدام خيوط متشابكة مبرومة في طبقات متعددة. فيتألف كل خيط ثلاثي مبروم مثلا من ثلاثة خيوط ناعمة، ويستطيع أن يرفع عدد الخيوط النهائي من 300 إلى 900، لكن القماش النهائي قد لا يتسم بجودة القطن المنسوج من 900 خيط فردي.

أما الكتان، فلا يمكن نسجه نسجا ضيقا بسبب سماكة أليافه، لذلك لا يعتبر عدد خيوطه مؤشرا جيدا لجودته، بل ننظر إلى الوزن بالغرام لكل متر مربع من القماش، حيث إن الوزن المثالي يكون بين 175 و190 غراما.

وهناك طبعا جودة ألياف القطن التي لا تقل أهمية عن مواصفات بنية النسيج. يعتبر عموما القطن المصري أجود نوع، يليه قطن "بيما" الذي يخلط بين القطن المصري والقطن المزروع في جزر ولاية كارولينا الجنوبية. ونظرا إلى ظهور تسمية "القطن المصري" على نطاق واسع هذه الأيام، ننصحك بالتحقق من المواصفات الدقيقة المحددة للنسيج، لمعرفة ما إذا كانت مادة القطن الطبيعية قد زرعت في دلتا النيل. فقط في منطقة دلتا النيل بمناخها وتربتها المغذية، ينمو وينبت القطن ذو الألياف الفائقة الطول. فضلا عن ذلك، فإن أسلوب المعالجة اللطيفة والناعمة للقطف اليدوي، يسهم في نعومة القطن المصري ومتانته الفريدتين.

 

النقشات والألوان.         Colours & designs 4

بعد أن تحدثنا عن أهم جوانب القماش التقنية، أنصحك بتمضية بعض الوقت مع مورّدك المختار للاطلاع على عدة عينات  قبل اتخاذ قرارك النهائي. فالقماش الذي ستختارينه سيلعب دورا كبيرا في تجربتك مع النوم وفي استمتاعك بالنوم لسنوات آتية.

الآن نصل إلى الجزء الأكثر متعة، اختيار التصميم، واللون، والزخرفة. هناك طبعا الماركات الأيقونية، مثل "دي بورتو" الشركة الفرنسية العائلية التي أُسست في عام 1920، و"ليرون" التي أسسها "تشارلز" و"مارغريت فوستير" في نيويورك عام 1910، وحصلت على اسم "ليرون" رسميا سنة 1931. كما هناك "براتيزي" على مشارف مدينة فلورنسا الإيطالية، وهي شركة عائلية يديرها اليوم جيل الأسرة الرابع؛ و"فريتي" التي أُسست عام 1806 في غرينوبل في فرنسا، وانتقلت إلى إيطاليا في عام 1865.

لكنني أريد أن أعرفك إلى ثلاث شركات حديثة الإنشاء. كلها تدار عائليا، ولكل منها شغف حقيقي في إنتاج أغطية السرير الفاخرة وبياضات الطاولة وغرفة الاستحمام. وأهم من ذلك، أن الشركات الثلاث تقدّم أيضا مجموعات أقمشة عضوية يمكنك الاختيار منها.

فخامة بريطانية.           5  British splendour

الشركة الأولى هي "إيرلوم"HEIRLOOMS Ltd  الموجودة في ريف مقاطعة "غرب ساسكس" الإنجليزية. الشركة أُسست سنة 1984، وقد التزمت بقيمها الجوهرية، أي الجودة والتميز والتفوق والنزاهة والخدمة والحرفية، ما أدى إلى منحها تفويضا رسميا ملكيا من الملكة إليزابيث الثانية سنة 2005، وتفويضا ملكيا رسميا من أمير ويلز سنة 2012.

المديرة العامة "روث دوغلاس" شرحت أنه خلال عملها مع عائلة أمير ويلز، لاحظت اهتماما كبيرا بالاستدامة. دفعها ذلك إلى البحث عن مصادر أقمشة عضوية فاخرة تحمل شهادة GOTS، وأطلقت قبل سنة ونصف أولى مجموعات بياضاتها الفخمة المصنوعة من مواد عضوية، في خطوة ريادية سبقت الصيحات. إن أقمشة "إيرلومز" العضوية يمكن أن تطرز بأي من تصاميمها الملوكية أو الرقيقة، وبأي خيار لوني من تشكيلتها الواسعة والغنية. وإذا كنت تفضلين نمطا خاصا بك، يمكنهم ترجمة تصميمك الأصلي الخاص، كما يمكن لفريق التصميم أن يبتكر لك رسما خاصا.

 

جمعتُ لك تشكيلة صغيرة من تصاميم "إيرلومز" التي تدمج الأناقة بالحداثة. لوحة الألوان التي اخترتها لن تبدو فقط جميلة ومنعشة في بيتك، بل ستبدو رائعة أيضا على يختك. وهذه فقط قطرة صغيرة في محيط عالم "إيرلومز".

 

أناقة فرنسية.         French elegance 6

الشركة الثانية هي "فيز-أ-في" VIS-A-VIS الموجودة في شارع "فوبور سانت هونوريه" في قلب الفخامة الباريسية، وفي منطقة "بيلغرافيا" اللندنية، حيث لديها صالة عرض ثانية. أُسست "فيز-أ-في" في عام 1989 واستحوذ عليها "أموري" و"فيرونيك تيتنجيه" عام 2012. منذ سن صغيرة، رافقت "فيرونيك" والدتها عند زيارة مورّدي البياضات الفاخرة، فاكتسبت تدريجيا معرفة متمرسة وذوقا رفيعا وتقديرا راقيا للحرفية والجودة. عام 1996، اكتشفت في صالة عرض قريبة من الباستيل، مجموعة من البياضات المطرزة بدقّة ورقّة، فبدأت حكايتها المهنية مع الشراشف المترفة.

تعكس المجموعات مهارة "فيرونيك" وفريق التصميم وحرفيي التطريز، وتفانيهم الشغوف. فتتميز بالتفاصيل الدقيقة المطرزة باليد، وبالتدرجات اللونية الأنيقة والخافتة التي قد تصل مثلا إلى ستة ألوان في الزهرة الصغيرة الواحدة.

لدى مناقشة موضوع المواد الخام مع "فيرونيك"، شرحت لي كيف تبحث شركتها دوما عن أفضل المواد الموجودة، مثل أجود أنواع الكتان من بلجيكا والأورغاندي من سويسرا. وأخبرتني أنهم يستعملون فقط خيوط "دي إم سي" الفرنسية لجودتها وتنوع ألوانها، اللذين يتيحان تنفيذ تطريزهم الاستثنائي. لكنهم وقتها لم يقدموا مواد عضوية لأنها لا تتماشى مع معايير الجودة الخاصة بهم. بيد أنه، بعد حديثنا، اتصلت "فيرونيك" بموردها، وراسلتني لاحقا قائلة: "حصلت على العينات اليوم، وهي رائعة! سنستطيع أخيرا أن نفتح فصلا جديدا في (فيز-أ-في)، ونقدم مواد عضوية مئة في المئة مرخصة، وقبل كل شيء مطابقة لمعاييرنا". أنتظر بحماس شديد الاطلاع على المجموعة العضوية الجديدة!

HEIRLOOMS LTD

براعة إيطالية.           Italian skill & finesse 7

الشركة الثالثة هي "إدي بي ليننز" EDI B LINENS المتخصصة في البياضات الإيطالية الفاخرة. الشركة الموجودة في حي "ميفير" اللندني أُسست سنة 2001 على أيدي "إدي" و"روبيرتو". بعد رحلة استمرت أكثر من 40 سنة في هذا المجال، كوّنا معرفة شاملة بكل جوانب الأغطية الفاخرة. بعض قارئات "هي" قد يعرفن "إدي" و"روبيرتو" اللذين صمما بياضات كثيرة حسب الطلب لقصور وعائلات في أرجاء الشرق الأوسط.

صالة عرضهما كانت مواجهة لصالة عرضنا في شارع "ساوث أودلي" إلى أن انتقلا إلى عنوانهما الحالي في "ميفير" قبل بضع سنوات. وغالبا ما كنت أزور متجرهما لاستراحة قصيرة وشرب القهوة، ففنجان الكابتشينو الذي يعدّه "روبيرتو" لذيذ للغاية! في دردشاتي مع "إدي"، كنت أستمتع بإجالة النظر من حولي واستكشاف البياضات الرائعة المعروضة. وكان الحديث دائما يوصلنا إلى موضوع أغطية السرير. فكنت أغرم يوما بطقم غني التطريز، قبل أن أقع بعد بضعة أيام في حب طقم ذي مخرمات ناعمة وتطريز رقيق. وإذا حالفني الحظ وكان توقيتي صائبا، كنت أراهما يعاينان طلبية مصممة حسب طلب زبون، قبل إرسالها إليه. يقال إن المشاهدة خير برهان، وصدقيني، كنت محظوظة برؤية بعض أروع البياضات على الإطلاق هنا.

لم يتلقَّ "إدي" و"روبرتو" حتى اليوم طلبا هائلا على المواد العضوية، إلا أنهما يدركان أن هناك اهتماما متزايدا بالخيارات العضوية، ويقدّمانها إلى زبائنهما.

في الماضي، عندما كنا نتحدث عن أغطية السرير العضوية، كنا نتخيل أقمشة مملة نوعا ما. من الواضح أن الأمور تطورت اليوم، فصارت البياضات العضوية الفاخرة، والرائعة الجمال، والمحافظة على فوائدها الصحية والبيئية، متوفرة على نطاق واسع؛ فتستحق الأخذ بعين الاعتبار.