حوار مع Pierre-Alexis Dumas المدير الإبداعي لـ Hermes

أجرت الحوار: مي بدر Mai Badr السفر مع هيرميس Hermes إلى المدينة اليونانية الساحرة "ديلفي" كان تجربة رائعة من كل النواحي. فهل هناك أجمل من مشاهدة تباشير الصباح الأولى في منطقة جبلية تعتبر من أجمل بقاع الدنيا. النور ينبثق من الظلام وكذلك هو عطر هيرميس الجديد Jour dHermes الذي يحتفل بجمال المرأة الطبيعي مع كل فجر جديد. في دافني التقيت مع "بيير أليكسي دوما" Pierre-Alexis Dumas المدير الإبداعي لدار هيرميس Hermes حيث تحدثنا عن العطر الجديد وعن مسؤولياته كمدير إبداعي وأيضا عن كونه فردا من عائلة هيرميس التي أدارت الشركة العريقة عبر ستة أجيال طيلة 175عاما. نود معرفة القصة وراء ابتكار عطر "جور دي هيرمس" Jour dHermes؟ أنا أؤمن جدا بالعمل الجماعي والذكاء الجماعي. قصة العطر بدأت أولا بفكرة تشاركها عدد من الأشخاص. عملي كمدير إبداعي يعتمد على ابتكار منتجات جديدة لمختلف الحرف في دار هيرمس تكون متماشية مع ثقافة دار هيرمس ومنسجمة معها. عندما أخبرتني كاثرين، وجون كلود (مبتكر عطور هيرمس) عن رغبتهما في تطوير عطر أنثوي للنساء كنت سعيدا جدا، لأنني شعرت بأن الوقت مناسب لإطلاق عطر جديد، ونحن نحتاج فعلا إلى عطر يعكس الأنوثة ويعبر في الوقت نفسه عن قيم دار هيرمس. وكان هناك الكثير من الجلسات، وسرعان ما قال جون كلود بأنه يود استكشاف تركيبة خالصة من الزهور ولا شيء سوى الزهور. واجهته بالتحدي قائلا: "ماذا تعني بعطر أنثوي؟ وما هي الفكرة التي تود طرحها؟ وماهي حقيقة هذه الفكرة؟". وبعد نقاشات كثيرة مليئة بالتحدي حضرت الفكرة بأن منتوج هيرمس يجب أن يكون بسيطا، وعادة ما تكون الفكرة البسيطة هي الأقوى. وقررنا أننا نود الاحتفال بجمال المرأة الطبيعي في كل يوم بأسلوب بسيط. ونود الاحتفال بتلك اللحظة السحرية من حياتنا التي تحدث كل يوم عندما شروق الشمس. عندما نستيقظ بعد انقضاء الليل ويكون كل شيء ممكنا، النهار هو الرسالة، وهو ما نبحث عنه. فكرنا بعطر يشبه ضوء النهار يأتي ليمحو ظلام الليل ويوقظك ويشعرك بالسعادة والجمال، وارتأينا التعبير عن الأنوثة من خلال هذه الفكرة البسيطة والاحتفال بجمال الحياة بصفة يومية. فكرة الزهور والربيع والجمال المتجدد كل يوم جعلتنا نفكر في لوحة Botticelli الشهيرة عن الربيع، حيث نلاحظ أنها استطاعت منذ 500 سنة أن تعبر عن شيء أزلي حول الجمال. العطر هو أكثر أشكال الفن تميزا بالطابع التجريدي، بل أكثر تجريدا حتى من فن الخط، لأن للعطر طابعا معنويا، وبعدا روحيا، يرتقي بالنفس والروح شيئا فشيئا وبشكل تدريجي. وهكذا انتهى بنا الأمر إلى التفكير حقا في أن نجعل جوهر العطر يتمثل في الزهور والنور.. هل بوسعنا أن نقبض على جوهر الضوء؟ وأقصد ضوء الصباح الذي يوقظ من النوم، والذي يمثل بالفعل استيقاظ الحياة. ما التحدي الأكبر بالنسبة لك كمدير إبداعي لهيرمس؟ التحدي الأكبر بالنسبة لي هو أن أكون صادقا مع نفسي. فالصدق مع النفس يعني الإنصات إلى الحدس بداخلي وعدم التأثر بالآخرين. ويعني المشي وراء الفطرة، ولكن الاندماج مع الآخرين في الوقت نفسه. التحدي الأكبر بالنسبة لي حقا هو إتباع حدسي. فهيرمس كانت وما زالت تحت قيادة وإدارة عائلة تناقلتها عبر ستة أجيال طيلة 175 سنة. عمري الآن هو 46 سنة، وأنا دائما أقول: إنني عملت لدى هيرمس لمدة 46 عاما وليس 20 عاما فقط. نشأت طفلا مع والدي الذي كان يدير شركة هيرمس ومع والدتي المهندسة المعمارية التي كانت تقوم بتصميم المتاجر. وأتذكر جدي عندما كان يقوم بتصميم الأوشحة وهو في السبعينيات من عمره. كنت أذهب إلى مكتبه وألعب معه، وكان يجعلني آخذ بعض الصور وأضعها على تشكيلة ما، هكذا ترعرعت وسط تلك الثقافة. إذا فإن حقيقة ماركة هيرمس هي أنها ثقافة، وأنها أسلوب، إنها عبارة عن تاريخ خاص بها، وأنا أعرف جيدا ذلك التاريخ، إنه أرضي وتراثي. هناك جزء لا يتجزأ مني يعرف جيدا ما هو الأمر الصحيح بالنسبة لهيرمس وما هو غير ذلك. في بعض الأحيان نميل إلى أن نكون عقلانيين جدا، ونريد أن يكون كل شيء منطقيا، ولكن الإبداع الخالص لا يكون دوما بحسب المنطق، وإنما يتعلق الأمر أيضا بالفطرة. الأمر يتعلق بالمغامرة، يتعلق بالحلم، ويتعلق بالخيال. الأمر يتعلق بالحدس لأن الحدس يدمج ويشمل كل شيء، يدمج الثقافة والخبرة، ويدمج كذلك التفكير العقلاني، كالإغريقيين أعتقد أنه علينا أن نعود إلى قانون التوازن في أسلوب الحياة، حيث تتواجد العقلانية والحدس في آن واحد. الدمج بين كلاهما هو الأمر الصحيح، بالنسبة لهيرمس. إذا هذا بالنسبة لي هو حقيقة التحدي الأكبر. إنه حقا تحد كبير.. عندما أقول علي أن أكون صادقا، فهذا يعني أنه علي أن أكون وفيا لهيرمس. الوفاء والإخلاص هما كل ما يتعلق به الأمر بالنسبة لماركة هيرمس. هل من الصعب أن تتعامل مع مصممين معروفين في جميع منتجات هيرمس: الأزياء، والإكسسوارات أو الأثاث للحفاظ على جوهر هيرمس في كل منتج وفي كل قطعة؟ لا أبدا، إنه ليس بالأمر الصعب، فقد قال لي والدي: "عليك دوما أن تعمل مع من هم أفضل منك في ما يقومون به". وأنا فعلا محاط بكثير من الأشخاص المبدعين والموهوبين مثل جون بول، وأؤمن جدا كما قلت سابقا بما يسمى بالذكاء الجماعي، حيث يكون لكل واحد رأي. والأمر الأكثر صعوبة وإثارة للاهتمام هنا هو عملية الإبداع انطلاقا من حدس واحد، وفكرة واحدة ثم التوصل إلى منتوج نهائي، إنه مشوار طويل ينبغي سلوكه، وهذه هي وظيفتي. إنها تسيير تلك العملية. لاحظي أن الحدس والأفكار تشبه مجموعة من الزهور، وإذا لم تكوني حذرة فقد تدوسينها وتقتلينها. لذا فإنني أحاول الاستماع إلى جميع الأفكار المختلفة التي تأتي من هنا وهناك، ومن ثم عندما أشعر بأن هناك فكرة جيدة وجديرة بالحماية والرعاية من أجل أن تنمو، أشكل فريقا لتطويرها نحو إبداع آخر.. كما تعلمين وبسبب التنوع في شركتنا لدينا مجال واسع جدا للإبداع، بدءا بالأزياء الجاهزة والعطور والساعات ووصولا إلى صناعة الأثاث حاليا. الأمر بالنسبة لي يشبه حديقة كبيرة، حيث لدينا الكثير من الأشجار لكن بطبيعة مختلفة. إنها بمنزلة جنة وعلينا أن نواصل غرس الأشجار لجني منتجات مختلفة، والتحدي الذي أواجهه هنا هو أن أجعل هذه الحديقة بأكملها مطابقة لروح وجوهر هيرمس. ظلت ماركة هيرمس طوال قرنين من الزمن واحدة من الشركات الرائدة حينما يتعلق الأمر بالتراث، والمنتجات الفاخرة والجودة والإبداع، لماذا برأيك؟ الكثير والكثير ثم الكثير من العمل. لم يربنا والدي على أننا الأفضل وعلينا أن نبقى الأفضل. لا لم يكن الأمر كذلك! فقد كان والداي وأجدادي وعائلتي ككل دائما من النوع الذي يؤمن بأنه ينبغي علينا العمل بجد لنتمكن من التفوق. علينا العمل بجد لننجز الأفضل. علينا مواصلة البحث عن أفكار جديدة. علينا الاستمرار في مراجعة عملنا مرة تلو الأخرى والقيام بتحسينه. إذا أردت أن تكون فارسا جيدا يجب عليك ممارسة الفروسية يوميا، وإن أردت أن تكون راقصا جيدا، فعليك ممارسة الرقص بشكل يومي. وإن أردت أن تصبح كاتبا وجب عليك أن تكتب كل يوم. إذ ليس هناك من سر آخر غير: العمل والعمل ثم العمل. نسبي لعائلة هيرمس يعود لجدتي، وقد توفيت منذ فترة طويلة، وكان لديها ستة أبناء، ووالدي هو ابنها الرابع. وعندما كانت تحتضر، كان ذلك ربما في منتصف الستينات من عمرها، نادت جميع أبنائها. وقالت لهم: "هيرمس هي أرضكم، ولكنها ليست ملكا لكم أنتم، وإنما سيتوجب عليكم إعطاؤها لأبنائكم. إنها ليست أرضكم بالمعنى المادي الملموس وإنما هي أرضكم الروحية والمعنوية، وواجبكم العمل على تلك الأرض لأنها ستعطيكم من ثمارها، وستجلب لكم السعادة. ولكن عليكم ألا تعتقدوا أبدا بأنها ملك لكم وإلا ستموتون". هل بدأت بتلقين أبنائك قيم هيرمس أم أنهم ما زالوا صغارا؟ أنا أتبع والدي ووالدتي في هذا المجال، فقد كانا المثل والقدوة. لم يسبق أن قالا افعل كذا ولا تفعل كذا، وإنما كانا يقومان بفعل ما يجب فعله. كانا يعملان ويشاركاننا في العمل.. عندما كانا يعودان من العمل إلى المنزل يحكيان لنا عن كل ما قاما به خلال ذلك اليوم: "لقد قمنا بفعل كذا وكذا... وهذا كان صوابا وذاك خطأ". أنت تعلمين أن الآباء والأمهات أحيانا يقولون: "لا تفعل كذا!"، ولكن تجدهم بعد ذلك يقومون بفعل ما حذروا أطفالهم من القيام به. وهذا يسبب اضطرابا والتباسا لدى الطفل، وقد يقول لك: "لماذا قلت لي لا تشاهد التلفزيون بينما أنت تشاهده كل الوقت". علينا أن نكون حذرين، فالأطفال أذكياء جدا. وأنا بدوري أحاول أن أربي أبنائي بالطريقة نفسها التي تربيت عليها على يد والدي، ألا وهي ألا يكون هناك تناقض بين ما أقوله وما أفعله. وأنا كأب دوري أن أربي أبنائي ليكونوا كائنات بشرية صغيرة مستقلة بذاتها، وأن يستطيعوا الاعتماد على أنفسهم وأن يمتلكوا بداخلهم إدراكا جيدا للقيم. إذا استطعت القيام بذلك، فإنني سأكون أبا محظوظا.