
"ستيفان رولان" و"هنري جاك" تجسيد القناعات والمشاعر.. عندما تلتقي الأزياء الراقية بعالم العطور الرفيعة
هناك لحظات تحمل وقع القدر، تسير بخفة، ولكنها تحدث تغييرا عميقا. هكذا كان اللقاء بين مصمم الأزياء الفرنسي Stephane Rolland وAnne-Lise Cremona، حيث قادت الحرفية والرؤية والذكريات معا نحو مغامرة فريدة. فما نشأ بينهما لم يكن مجرد تلاقٍ بين عالمَيّ الأزياء الراقية والعطور الرفيعة، بل هو عطر لرؤية مشتركة، ولحظة إبداعية ثنائية تنبع من المشاعر والقناعات، وتصاغ لتعاش وتشارك. إنها رحلة حميمة في صلب العملية الإبداعية لترجمة لقاء إنساني إلى عطر استثنائي.
من خطوط الأزياء إلى عبير العطر
لطالما كانت لـ "رولان" علاقة شخصية وخاصة بالعطور. فبحدسه الفطري ورغبته الدائمة في الاكتشاف، ظل يتنقل بين تركيبات مختلفة، باحثا عن نغمته الخاصة. ويقول متذكرا: "في السبعينيات، كنت أجرب كل شيء، غير قادر على الالتزام بعطر واحد. كنت أخلط التركيبات، وأضع العطور طبقة فوق الأخرى، وأختار نغمات عطر الجلد شتاء متحديا الأعراف". ويعترف بأنه خصص خزانة كاملة في منزله فقط لعطوره. أما "آن-ليز كريمونا"، فكانت في مرحلة دقيقة من مسيرة Henry Jacques، تنقل إرث الدار نحو المستقبل، محافظة على حرفيتها العريقة ومتجددة في رؤيتها. وحين التقيا، توحدت العاطفة مع الشغف، فكان هناك انسجام صامت، تلقائي وبسيط. وتقول "آن-ليز": "كان باهرا، لكنه شديد الحساسية في الوقت نفسه. رأيت فيه رقة نادرة وعمقا إنسانيا حقيقيا". مسارا "ستيفان" و"آن-ليز" لم يلتقيا على مدى سنوات، على الرغم من اشتراكهما في مفهوم واحد حول ماهية الجمال، ورغبة واحدة في الإتقان. مرت 10 سنوات قبل أن يتقاطع الطريقان مجددا، في عام 2025، بات كل شيء واضحا، فقد آن الأوان ليبتكرا معا عطرا يعكس روحين تنطقان بصوت واحد.

لغة واحدة بين عالَمين
"رولان" و"كريمونا" لا يؤمنان بالصدف العابرة، فكلاهما يرى في الإبداع عملا متقنا، لا يخضع للصيحات، بل ينبع من الداخل Haute Parfumerie. بالنسبة إلى "كريمونا" هي امتداد طبيعي للهوت كوتور، من حيث الخصوصية، والخدمة الشخصية، واستخدام المواد النفيسة وتكريس الحرف التقليدية. أما" رولان"، فوجد في هذه الشراكة صوتا مشتركا، ومجالا جديدا يعبر فيه عن ذاته بالكامل: "كان العطر العنصر الغائب في معادلة التعبير عن ذاتي، ربما كان قدري."
مغامرة إبداعية عميقة وشخصية
بالنسبة لـ "ستيفان رولان"، لا يختلف تصميم العطر عن ابتكار قطعة أزياء راقية. فكما يبدأ المصمم بنسيج خام، ويمنحه شكلا وحركة من خلال توازنات دقيقة بين التباين والانسجام، كذلك ولد هذا العطر من تفاعل العاطفة مع البنية، من ترجمة الإحساس إلى مجسمات حسية وروائح نابضة بالحياة. ومع أن التجربة كان يفترض أن تبدو مألوفة، فقد جاءت غريبة تماما، فريدة في طابعها، وتأملية في عمقها، بالنسبة إلى "ستيفان". يقول: "شعرت كأنني طفل يتعلم القراءة أو الكتابة من جديد"، فالتعاون مع دار "هنري جاك"لم يكن مجرد تمرين إبداعي، بل كان انخراطا في مقاربة حسية وعاطفية خالصة، تطلبت منه أن يغوص في ذاكرته، ويرسم خطوطا جديدة بين تجاربه، ويستسلم لفيض من الأحاسيس التي باغتته، مكتشفا عطورا كان يظن يوما أنه لا يحبها. فهذا العطر ليس مجرد توقيع شخصي، بل مرآة لما بناه "ستيفان رولان" على مدى حياته المهنية.

عطر من المشاعر
تصور "ستيفان رولان" هذا العطر كتوقيع شخصي، لا يعرف المساومة، وآسر وحسي. يبدأ العطر بنفحة من انتعاش البرتقال، ثم يأتي البخور ليغلف هذا الشعاع الشمسي بهالة واقية، مانحا العطر بعدا من الأناقة العميقة. وفي أثر البخور، تفوح نفحات ناعمة ودافئة من وردة مايو من "هنري جاك" والوردة التركية، فتضفي على التكوين بعدا من الرقي الهادئ. ومن ثم تبرز نغمات التبغ العميقة والسوسن والباتشولي، مانحة العطر طابعا ترابيا متجذرا، يعيد إلى ذاكرته سنوات المراهقة في رحلاته إلى أميركا الجنوبية، حيث كانت كل رائحة مشبعة برطوبة المناخ الاستوائي. وفي الختام، تلتقي نعومة البنزوين الدافئة وتوابلها الدقيقة مع الفانيليا التي تحمل نفحات خضراء في توازن نادر، يضفي عليه الجلد الخفيف طابعا مخمليا، متناغما تماما مع البخور، ليترك أثرا ناعما يدوم طويلا. هو عطر شيبر شرقي، ودعوة صادقة إلى الترحال، يجسد الروح الحرة لـ "ستيفان"، ويجمع بين جرأة فيها مسحة من التمرد، وحنان ناعم يحتضن الحواس برفق ودفء. ويقول "ستيفان": "ما من دار عطور غير "هنري جاك" تملك هذه الرهافة، وهذا الإخلاص النادر للتفاصيل الدقيقة، وهذا المستوى من الصفاء الذي كاد ينقرض. ومع ذلك، يبقى جوهر إبداعاتها نقيا، ولا تشوبه شائبة."
وقد اختير إصداري Les Essences وLes Brumes من عطور Henry Jacques لتجسيد هذا الابتكار العطري، تكريما لتراث الدار وروحها الابتكارية. فتركيبة Les Essences فائقة التركيز تحتفي بجوهر الطبيعة، في أنقى صوره وأكثرها حيوية. أما Les Brumes، فتوفر تجربة أكثر حيوية وغنى، بفضل رؤوس قواريرها القابلة للتبديل، والتي تتيح استخدام العطر كرذاذ أو كرشة كلاسيكية.