قص أطراف الشعر: مفيد لنموه أم مجرد خرافة؟
يُعدّ قصّ أطراف الشعر من أكثر الطقوس الجمالية شيوعًا عبر الثقافات والأجيال، حتى أصبح أشبه بقاعدة غير قابلة للنقاش في روتين العناية بالشعر. كثيرات يلتزمن بمواعيد منتظمة لقصّ الأطراف، إيمانًا بأن هذه الخطوة ضرورية لتسريع نمو الشعر وزيادة طوله. لكن هل هذا الاعتقاد صحيح من منظور علمي؟ أم أن المقص لا يلعب سوى دور تجميلي محدود؟ لفهم الحقيقة، لا بد من الغوص في بنية الشعرة، وآلية نموها، والعوامل الحقيقية التي تتحكم بطول الشعر وصحته.
كيف ينمو الشعر فعليًا؟
بنية الشعرة
تتكوّن الشعرة من جزأين رئيسيين:
- الجذر داخل فروة الرأس:الجزء الحي المسؤول عن النمو.
- الساق الجزء الظاهر:خلايا كيراتينية ميتة تشكّل طول الشعر.
جميع العمليات الحيوية المرتبطة بنمو الشعر تحدث داخل بصيلة الشعر الموجودة في فروة الرأس، وليس في الأطراف.
دورة نمو الشعر بالتفصيل
تمرّ الشعرة بدورة حياة دقيقة ومنتظمة تتكرّر طوال العمر، وهي التي تحدّد في النهاية طول الشعر وكثافته، بعيدًا عن أي تدخل خارجي مثل قصّ الأطراف. تبدأ هذه الدورة بمرحلة النمو (Anagen)، وهي المرحلة الأهم والأطول، إذ تمتد عادة ما بين سنتين إلى سبع سنوات، وقد تطول أكثر لدى بعض الأشخاص بحسب العوامل الوراثية. خلال هذه الفترة تكون بصيلة الشعر في أعلى درجات نشاطها، حيث تنقسم الخلايا بسرعة لإنتاج شعرة أطول وأقوى. وكلما طالت مدة هذه المرحلة، زادت قدرة الشعر على الوصول إلى طول أكبر، وهو ما يفسّر لماذا يتمكّن بعض الأشخاص من إطالة شعرهم بسهولة مقارنة بغيرهم. وتتأثر هذه المرحلة بشكل مباشر بالوراثة، والتوازن الهرموني، ونوعية التغذية، إضافة إلى الصحة العامة ونمط الحياة.
بعد ذلك، تدخل الشعرة مرحلة الانتقال (Catagen)، وهي مرحلة قصيرة نسبيًا تستمر لبضعة أسابيع فقط. في هذه المرحلة يتباطأ نمو الشعر تدريجيًا، وتنكمش البصيلة لتنفصل الشعرة عن مصدر التغذية، وكأنها تستعد للدخول في حالة من السكون. لا يحدث تساقط مباشر في هذه المرحلة، لكنها تمثّل الجسر الفاصل بين النمو النشط والتوقف المؤقت.
ثم تصل الشعرة إلى مرحلة الراحة والتساقط (Telogen)، التي تمتد عادة من شهرين إلى أربعة أشهر. خلال هذه الفترة تبقى الشعرة ثابتة في فروة الرأس دون نمو، إلى أن تسقط طبيعيًا في نهاية المرحلة، لتفسح المجال أمام شعرة جديدة تبدأ دورة نموها من جديد في نفس البصيلة. من الطبيعي أن يفقد الإنسان عددًا من الشعرات يوميًا نتيجة هذه المرحلة، وهو تساقط فسيولوجي لا يدل بالضرورة على مشكلة صحية.

من هنا، يتّضح أن طول الشعر يتحكّم به طول مرحلة النمو داخل فروة الرأس، وليس قصّ الأطراف أو العناية بالشعر الخارجي. فالأطراف هي خلايا ميتة لا تشارك في دورة النمو، بينما القرار الحقيقي لطول الشعر يُتخذ عميقًا في الجذور، حيث تبدأ الحكاية وتنتهي.
ماذا يحدث عندما نقصّ أطراف الشعر؟
الحقيقة الصريحة
قصّ أطراف الشعر لا يسرّع نموه ولا يؤثر على نشاط البصيلة، لأن:
- الأطراف خلايا ميتة.
- لا تحتوي على أعصاب أو أوعية دموية.
- لا ترسل إشارات تحفيزية للجذر.
إذًا، من الناحية البيولوجية البحتة، المقص لا علاقة له بمعدل نمو الشعر.
لماذا يبدو الشعر أطول وأكثر صحة بعد القص؟
رغم أن القص لا يغيّر سرعة النمو، إلا أنه يؤثر بشكل غير مباشر في الطول المرئي وجودة الشعر.

التخلص من التقصف
الأطراف المتقصفة:
- تتكسر بسهولة.
- تتشعّب للأعلى مع الوقت.
- تُفقد الشعر طوله تدريجيًا دون أن نلاحظ.
قصّ هذه الأطراف:
- يمنع استمرار التكسّر.
- يحافظ على الطول المكتسب.
- يعطي الشعر فرصة ليظهر بطوله الحقيقي.
تحسين مظهر الكثافة والطول
الشعر المتقصف يبدو:
- أرفع.
- أقل كثافة.
- غير متساوٍ.
أما بعد القص:
- تصبح الأطراف ممتلئة.
- يبدو الشعر أكثر صحة.
- يعطي انطباعًا بطول أفضل، رغم أن الطول الحقيقي لم يتغير.

متى يكون قصّ الأطراف ضروريًا فعلًا؟
الحالات التي يُنصح فيها بالقص
- الشعر المصبوغ أو المعالج كيميائيًا.
- الاستخدام المتكرر لأدوات الحرارة.
- الشعر الجاف أو المجعّد المعرض للتكسر.
- ملاحظة تشابك شديد عند الأطراف.
عدد مرات القص المثالي
- كل 8–10 أسابيع للشعر التالف.
- كل 12–16 أسبوعًا للشعر الصحي والطبيعي.
القص هنا وقائي وليس محفّزًا للنمو.
العوامل الحقيقية التي تسرّع نمو الشعر
إذا كنتِ ترغبين في شعر أطول وأكثر صحة، يجب أن تركزي على العوامل التي تؤثر فعليًا في نموه، وليس على قصّ الأطراف فقط. فالعناية بالشعر تبدأ من الجذور وتمتد حتى الأطراف، مع الاهتمام بالصحة الداخلية والخارجية للشعر.
صحة فروة الرأس:
تعد فروة الرأس البيئة الحية التي تنمو فيها الشعرة، والعناية بها هي أول خطوات الحصول على شعر صحي وطويل. تنظيف الفروة بانتظام يساعد على إزالة الأوساخ والزيوت المتراكمة دون إضعاف البصيلات، بينما يعمل التقشير الخفيف على إزالة خلايا الجلد الميتة وتنشيط تجدد البشرة. كما أن تدليك فروة الرأس بطريقة لطيفة يحفز الدورة الدموية، ما يزيد من تدفق العناصر الغذائية الضرورية إلى البصيلات ويمنح الشعر القدرة على النمو بشكل أفضل وأقوى.
التغذية السليمة:
النمو الصحي للشعر يبدأ من الداخل، ومن هنا تأتي أهمية التغذية المتوازنة. يحتاج الشعر إلى البروتين ليتمكن من إنتاج الكيراتين، وهو المكوّن الرئيسي للشعرة، كما أن الحديد عنصر أساسي لمنع التساقط وضمان وصول الأكسجين إلى البصيلات. يلعب الزنك دورًا مهمًا في دعم نشاط البصيلات، بينما يُعدّ فيتامين B7 المعروف بالبيوتين ضروريًا لتقوية الشعر وتحفيز نموه. أما أحماض أوميغا-3 الدهنية فتعمل على تحسين مرونة الشعر وحمايته من التكسر، ما يعزز مظهره الطويل والكثيف.

تقليل العوامل المسببة للتلف:
التعرض المستمر للحرارة من أدوات التصفيف، أو التسريحات المشدودة، أو استخدام فرشاة غير مناسبة، كلها عوامل تؤدي إلى ضعف الشعر وزيادة تكسره. لذلك، من المهم الحد من الحرارة قدر الإمكان، واستخدام واقٍ حراري قبل التصفيف، مع تجنب التسريحات التي تشد الشعر بقوة. كما أن اختيار فرشاة مناسبة لطبيعة شعرك يقلل من تلف الشعر أثناء التسريح، ويحافظ على صحته وقوته حتى الأطراف.
الترطيب والحماية:

الترطيب المنتظم للشعر يحافظ على مرونته ويمنع التقصف. بعد كل غسيل، يجب استخدام بلسم لترطيب الشعر وحمايته، بينما يعمل الماسك الأسبوعي على تغذيته بعمق وإصلاح التلف الطفيف في الأطراف. كما يمكن تطبيق زيوت خفيفة على الأطراف فقط لتقليل التكسر والحفاظ على صحة الشعر، دون التأثير على فروة الرأس أو إعاقة نموه الطبيعي. هذه الممارسات تضمن شعرك بصحة جيدة ومظهرًا طويلًا وكثيفًا.