الرئيس التنفيذي لدار Guerlain لـ"هي": ما يميّزنا هو ثقافة الجمال

مايا صباح Maya Sabbah

190 عاماً من المسيرة العريقة في عالم العطور والمستحضرات التجميلية، هي الدار التي خلّدها التاريخ عبر أجيال من المنتجات الأيقونية التي أثبتت جودتها وجدارتها. تربعت دار "جيرلان" Guerlain على عرش مملكة العطور والمستحضرات التجميلية بكل ثقة، فعندما أسس صانع العطور الكيميائي بيار فرانسوا باسكال جيرلان شركته عام 1828 ، لم يخطر بباله أنّ اسمه سيدخل التاريخ. وبمناسبة مرور 190 عاماً على تأسيس الدار، التقت "هي" بالرئيس التنفيذي "لوران بوايو" Laurent Boillot ، الذي انضم إلى الدار عام 2002، وعين رئيساً تنفيذياً لها عام 2007، وغصنا معه في تاريخها المميز.

يعمل لوران بوايو على تطوير الدار وتحسينها وعلى خلق نموذج جديد مختلف عن غيره للاستفادة من الموارد الطبيعية التي يستخدمها، إذ طوّر فكرة التنمية المستدامة على صعيد الشركة عبر خطوات مبتكرة للحفاظ على الطبيعة، ومن ثم إنتاج مستحضرات تدوم عبر الزمن. حوار أكثر من مشوّق وممتع دخلنا من خلاله إلى عالم "جيرلان" Guerlain.

نحن هنا للاحتفال بمرور 190 عاما على تأسيس دار "جيرلان" Guerlain ، صِف لنا هذه الدار العريقة ببضع كلمات.
إنها من الدور الفريدة والنادرة، إذ إنني لم أرَ أي دار مختصة في العطور والمستحضرات التجميلية استمرت كل هذا الوقت وحافظت على أصولها وحيويتها على مدى هذه الفترة الطويلة من الزمن. نحن دار تصنع العطور منذ 190 عاما، ونحافظ منذ ذلك الوقت على روح الابتكار والتقدم ونسوّق لنفسنا بأنفسنا.
ماذا تغيّر على صعيد الدار منذ ذلك الوقت؟
في الواقع المتغيرات تحصل باستمرار، فنحن نواكب متطلبات السوق والسيدات، ولكن الذي لم يتغير هو مبادئنا وأسسنا، لنا دور مهم في المجتمع بالمحافظة على ثقافة بلادنا وجودتنا وتطويرها عبر السنوات وتقديمها إلى المستهلك.
ما الصعوبات التي تواجهونها؟
العالم يتغير بشكل سريع والتطور التكنولوجي رهيب، وحتى على صعيد العلامات التجارية العالمية نشهد سرعة كبيرة في التصاميم التي تقدمها، والمنتجات التي تجددها في كل موسم ومن كل عام. وهذا طبعا يؤثر بشكل كبير في نظام عملنا، ما يدفعنا إلى إيجاد عنصر المفاجأة والابتكار في منتجاتنا، ولا سيما على صعيد المستحضرات التجميلية.
كيف تشعر بعدما أصبحت المدير التنفيذي ورئيس أهم الدور العالمية؟
لم أفكر في الموضوع من قبل، لأني ترعرعت مع الدار، وكبرت معها منذ 17 عاما، ولكن في الحقيقة إنها مسؤولية كبيرة جدا، أنا محظوظ بالفعل لانتمائي إلى هذه الدار، وأعشق العمل لأجلها وتطويرها باستمرار، وما أتمناه على كل فريق العمل أن يترك بصمته الخاصة، ويورثها إلى الجيل المقبل من فريق "جيرلان" Guerlain.
ما الخصائص التي تجعل دار "جيرلان" Guerlain فريدة ومميزة ومختلفة؟

في المرتبة الأولى، أهم عنصر لدى "جيرلان" Guerlain أننا لم ندخل إلى مجال لسنا متخصصين فيه، نحن متخصصون في العطور والمستحضرات التجميلية فقط. كان المؤسسون علماء كيميائيون وقرروا الاستفادة من خبراتهم لخلق هذه العلامة المحترفة. في المرتبة الثانية، نرفض ما هو غير مناسب لنا ونحاول الوصول إلى العنصر المثالي الذي يمثّل الدار. المقاومة للحصول على الجودة العالية على جميع الصُعد من التركيبة إلى التوليفة إلى الزجاجة فالإعلانات والتسويق هي أهم ميزاتنا.
هل ندمت في أحد الأيام على رفض بعض الاقتراحات المتعلقة بالدار؟
لست من الأشخاص الذين يندمون على قرار الرفض من أجل الحصول على جودة أعلى، ولو كانت المنافسة شرسة في السوق.

ما الذي يميّز عطر "أو دو كولوني إيمبريال" Eau de Cologne Impériale ؟ ولماذا هو أقدم عطر يباع اليوم؟

إنه عطرنا الأيقوني وهو باب عبور الدار إلى هويتها وقوتها الخاصة. عام 1853 ابتكرت الدار هذا العطر بناء على طلب خاص بالإمبراطورة أوجيني، وهو ما ميّز مكانة هذا المنتج الذي تسيطر عليه نفحة زهرة البرغموت واتُخذ شعارا إمبراطوريا للنحلة. وكانت ساحة "فاندوم" وسط باريس المطلة على مكاتب الدار مصدر الوحي للزجاجة التي صُممت على شكل العمود المزيّن بنموذج صدفيّ. إنه بالنسبة لنا عطر تاريخي، نبيعه حتى اليوم، لم يتغير شيئا على صعيد التركيبة، وحتى في تصميم الزجاجة.
ما عدد العطور التي ابتكرتها الدار؟
ابتكرت الدار حتى اليوم 1100 عطر منذ عام 1828 وفي لائحة الدار في المتجر نبيع 110 أنواع من العطور، وهذا ما لا نجده عند أي دار أخرى مختصة في صناعة العطور. كما أن عطورنا تبقى عبر السنين الأكثر أهمية والأكثر مبيعا. علينا أن نذكر طبعا أن بعضها اختفى منذ عقود بسبب عوامل عدة، كاختفاء المواد الأساسية التي تكوّنها أو القيود التنظيمية التي تخضع لها فرنسا على صعيد بعض التركيبات التي اعتبرها الاتحاد الأوروبي محظورة، ولأسباب اقتصادية أيضا، لا يمكننا أن نصدر ألف عطر في مجموعاتنا كل عام.
ما مدى أهمية تصميم الزجاجة بالنسبة للدار؟

لدينا تاريخ كبير مع تصاميم الزجاجات، إذ تشكل القوارير والعلب قطعا فنيّة، وهذا ما يميّزنا، "ثقافة الجمال"، فنحن نهتم بالفن بشكل أساسي، لأنه مصدر وحي وابتكار مميز، أكان عبر الرسم أو الأدب أو الموسيقى. فدوما قرارات الدار كانت متعلقة بكل ما هو فني ومميز سواء أكان من أماكن المتاجر أو من تصاميم الزجاجات أو من الأعمال المتعلقة بها. فأنا أروي قصة "جيرلان" Guerlain عبر باريس عاصمة الفن، وأروي قصة باريس عبر "جيرلان" Guerlain. عندما نبتكر الزجاجة لا نستعين بشركات تصميم، بل نطلب من المبدعين أن يصمموا لنا. ودوما ارتبط اسمنا بالدار التي تبتكر المنتجات الجميلة.
ما الذي يميّز "جيرلان" Guerlain ويجعلها فريدة على صعيد المستحضرات التجميلية؟
على صعيد المستحضرات التجميلية، كانت الدار سباقة في الكثير من المنتجات، عام 1870 اخترعنا أول أحمر شفاه على شكل عصا، وحتى اليوم ما زلنا نبتكر في منتجاتنا ونفكر بطريقة فريدة لكي نميّز المرأة، ففي أحمر الشفاه الجديد "روج جي" Rouge G الذي ابتكرناه عام 2009 وطورناه اليوم إبداع تصميمي. كما أننا على صعيد العناية بالبشرة فكرنا في أكثر ما يزعج السيدة ويجعلها قلقة بشأن بشرتها، وهو كريم الأساس الذي تستخدمه والذي يشكل مشكلة أساسية لها. فرأينا أن نعمل على تركيبة تشبه مستحضرات العناية بالبشرة، ودمجها مع كريم الأساس لتبتعد المرأة عن مخاوفها بشأن
استخداماتها اليومية، وتحافظ على بشرتها لفترة أطول. في عام 2006 عُدنا بقوة إلى مجال العناية بالبشرة بعد سنوات من التركيز على مجالات أخرى، وابتكرنا "أوركيدي إيمبريال" Orchidée Impériale. ما يميز "جيرلان" Guerlain عن غيرها من الدور هو أن الطبيعة هي مصدر إلهامنا الأول. في الطبيعة أمور مذهلة ومدهشة يمكننا استخدامها والاستفادة منها للعناية ببشرتنا.
كيف تستفيدون من الطبيعة في إنتاج مستحضراتكم؟

سوف أعطيك مثلا بسيطا عملنا على اختباره، إذ بعد خمس سنوات من التجارب الطويلة والعمل الدؤوب لخبرائنا، أثبتنا أن زهرة الأوركيد تقاوم بشكل مذهل في ظروف صعبة وتعيش لمدة زمنية طويلة، بعد دراسة تركيبتها وكيفية الاستفادة منها لمستحضرات التجميل، ومن أصل 30 ألف نوع من هذه الزهرة توصلنا إلى أربعة أنواع فقط يمكننا الاستفادة منها، وبعد ذلك وُلد مستحضر "أوركيدي إيمبريال" .Orchidée Impériale وتقديرا لهذه الزهرة خلقنا ثلاثة مختبرات، الأول لمراقبة نمو هذه الزهرة في جنيف، والثاني لتحليل مكوناتها في ستراسبورغ، والثالث للحفاظ عليها ورصدها في الصين، حيث مكان نموها. منذ 13 عاما نُجري هذه الأبحاث بهذا الأسلوب.
كيف تستطيعون التميّز على كل الصُعد، العطور، مستحضرات العناية بالبشرة، والمستحضرات التجميلية؟
إنها من أصعب الأمور على الإطلاق، ما نفعله هو التركيز على إبتكار منتج واحد في كل فئة. بالنسبة للعطور نركّز على عطرنا الجديد "مو جيرلان" Mon Guerlain ، وطورنا بوتيكا خاصا يصنع فقط هذا العطر. في فئة مستحضرات العناية بالبشرة نركّز على منتجين "أوركيدي إيمبريال" Orchidée Impériale و" أباي رويال" Abeille Royale ، في فئة مستحضرات التجميل نركّز على أحمر الشفاه وكريم الأساس الذي نبتكره.
كيف تنظر إلي المرأة العربية؟
لا أعرفها كثيرا، لكنني ألاحظ شغفها وحبّها للجمال. المرأة العربية تتمتع بثقافة الجمال وتقدرها وتبحث عما يجعلها جميلة. ولكل امرأة شخصيتها الخاصة بها، والتي تميّزها وتجعلها فريدة عبر انتقائها لمكونات جمالية مختلفة عن الأخرى. ولأننا دار تحبّ الجمال نبحث عن هذا النوع من النساء.
كيف تصفون السوق في هذا البلد؟
في هذا البلد نشعر بالطاقة المتجددة ونشعر بالتطور والتقدم الهائل، من الجميل رؤية هذه الطاقة الإبداعية، والسوق الخليجي يعتبر ديناميكيا ومكتظا، هو بالنسبة لنا من الأسواق الخمسة الأكثر مبيعا لدارنا، فبعد فرنسا والصين وروسيا والأسواق الحرة يأتي الشرق الأوسط.

ما الاستراتيجية التي تعمل عليها منذ عشرة أعوام على صعيد التنمية المستدامة؟

منذ عشر سنوات عندما استلمتُ القيادة في "جيرلان" Guerlain،كنتُ حريصا بشكلٍ طبيعي على إبراز هذه القيم الأساسيّة ضمن استراتيجيّتنا من خلال ابتكار تطوير مستدام مخصّص وعن طريق تأسيس لجنة توجيه تمثّل كل أقسام الدار. مصادر الدار حيوية، والتنوع البيولوجي أساسي ومهم لنا، لذلك علينا الحفاظ على هذه المصادر، ومن هنا نعمل على حماية هذا التنوع البيولوجي الذي يخصنا ويساعدنا في التقدم. نربي على سبيل المثال خلايا النحل للمحافظة على موارد العسل التي تفيدنا، والخاصة بنا لإنتاج منتج "أباي رويال" Abeille Royale ، كما أنشأنا مختبرات لصناعة خشب الصندل في أستراليا، والذي بدأ بالانقراض اليوم. نعمل أيضا على الزجاجات لتكون قابلة للتدوير، ونسعى في عام 2020 لأن تكون كل منتجات الدار قابلة للتدوير، أما بالنسبة للتلوّث، فقد افتتحنا مصنعا في ضواحي باريس يراعي معايير الحفاظ على الهواء، وهدفنا تقليص نسبة الكربون الناتجة من مصانعنا إلى النصف في عام 2020 عن النسبة التي كنا ننتجها عام 2007.