مسلسل All Her Fault

مسلسل "All Her Fault".. كابوس الأمومة مع سارة سنوك: دراما نفسية تكشف أسرار الضواحي الثرية

إيهاب التركي
27 ديسمبر 2025

تجسد سارة سنوك شخصية ماريسا إيرفاين في مسلسل “All Her Fault” كأم ناجحة مهووسة بابنها مايلو البالغ خمس سنوات، بينما يلعب جاك لاسي دور زوجها بيتر، رجل يخفي خلف ابتسامته العريضة طبقات من السيطرة والكذب. المسلسل، المقتبس من رواية أندريا مارا ومن سيناريو ميجان جالاجر، التي تبدأ بلحظة كابوسية: ماريسا تصل لاستلام مايلو من منزل جيني كامينسكي (داكوتا فانينج)، لتجد العنوان خاطئاً وجيني لا تعلم شيئاً عن أي اتفاق لوجود مايلو بصحبة ابنها، فينهار عالمها في لحظة، وتبدأ رحلة البحث عن الابن المفقود، وتقودها رحلتها إلى حوادث مدفونة من الماضي، وذنوب عائلية تتغذى على الثراء الزائف.

حياة عائلية هادئة

المسلسل المحدود من ثماني حلقات أنتجته شبكة “Peacock TV”، ويصور كيف تتحول حياة عائلية هادئة في ضواحي شيكاغو الثرية إلى عاصفة من التحريات الشرطية والأنشطة الاجتماعية للعثور على الطفل المفقود، فيغرق الجميع في فيضان من الشك والذنب المكبوت. هو ليس مجرد دراما إثارة عن اختفاء طفل، بل حكاية قاتمة عن ضغوط الأمومة في مجتمع يلقي اللوم دائماً على الأم، حيث تتحول الحياة اليومية إلى دوامة من الاتهامات والشائعات والأسرار المدفونة.

 مسلسل “All Her Fault”
مسلسل “All Her Fault”

الحبكة تتدفق كمتاهة ضيقة في ضواحي شيكاغو، حيث يبدأ كل شيء بلحظة بريئة تبدو يومية: ماريسا، مديرة ثروات ناجحة، التي توافق أن تصطحب جيني إبنها مايلو  إلى اللعب مع ابن جيني في منزلها، يحدث كل شيء بواسطة رسالة هاتفية، لكن العنوان الذي أعطته جيني عبر الرسائل يؤدي إلى منزل غريب تماماً. من هنا تنطلق سلسلة من الكشوفات: تورط الناني كاري فينش (صوفيا ليليس)، أسرار زوجية مع بيتر الذي يدعم أخته ليا (آبي إليوت) مالياً رغم إدمانها، وشقيقه بريان المعاق (دانيال مونكس). التحقيق يقوده المحقق ألكاراس (مايكل بينيا)، بينما تتكشف فلاشباكات عن ماضي الجميع، تصل إلى ذروة صادمة، تويستات غير متوقعة، أحداث تتفجر في النهاية.

أبطال  مسلسل “All Her Fault”
مشهد من مسلسل “All Her Fault”

ألغاز الأخرين

الإيقاع السريع في الحلقات الأولى يبني توتراً نفسياً يشبه نبض قلب مذعور يتسارع تدريجياً، مع تويستات تتدفق كألغاز تتكشف طبقة بعد طبقة دون إرباك فوري. فكرة "اللوم على الأم" تجعل القصة مرآة حية لضغوط المجتمع الحديث على النساء العاملات، خاصة في مشاهد التحقيق حيث يُشكك الجميع في ماريسا أولاً، بينما يهرب الرجال من المسؤولية. التحالف غير المتوقع بين ماريسا وجيني يضيف عمقاً عاطفياً، واستخدام الفلاشباكات لكشف الماضي يجعل الكشوفات تبدو عميقة، كجذور تنبت من تربة خصبة بالكذب.

تتراكم التويستات في النصف الثاني بشكل مفرط، كأن المتاهة تضيق أكثر مما ينبغي لتحمل وزن الحبكة الدرامية، مما يجعل بعض الكشوفات تبدو مصطنعة أو مبالغة درامياً. طول الحلقات يجعل بعض الخيوط الجانبية – مثل إدمان ليا أو علاقة جيني بريتشي – تتمدد دون ضرورة درامية كافية. مما يبطئ الزخم في الحلقات الوسطى ويترك شعوراً بأن بعض الأسرار كانت تستحق اختصاراً للحفاظ على التوتر النفسي الخام، بدلاً من الاستطراد في دراما عائلية مكررة.

أيقاع سريع سيطرة على الحلقات الأولى
أيقاع سريع سيطرة على الحلقات الأولى

شخصيات في أزمة

تجسد سارة سنوك دور أم شابة تتحول من شخصية ناجحة مطمئنة إلى مذعورة مهووسة، عيناها تعكسان بحراً هائلاً من الذنب والغضب المكبوت كأمواج تتحطم على صخرة الواقع، حيث تكشف الأحداث زوايا تجهلها عن دائرتها المقربة من الأصدقاء والعائلة. أداؤها يتدفق كدموع لا يُمكن السيطرة عليها، خاصة في مشاهد الانهيار أمام الشرطة أو المواجهات مع بيتر، حيث تظهر الضعف دون مبالغة، تجعلنا نشعر بكابوسها كأنه يخصنا. كيمياؤها مع الطفل ديوك ماكلاود تضيف صدقاً إنسانياً نادراً، وفي النهاية، قرارها الدرامي يأتي كانفجار مكبوت يبرره أداؤها الدقيق. أحياناً يغلبها الانهيار العاطفي المتكرر، خاصة في الحلقات الوسطى، مما يجعل شخصية ماريسا تبدو ضحية دائمة دون قوة كافية للرد، ويتحول البكاء إلى تكرار يقلل من التأثير في بعض اللحظات.

جاك لاسي يلعب بيتر الزوج المثالي الذي يخفي وحشاً داخلياً، ابتسامته عريضة لكن عيناه باردتان تُخفي ناراً مكبوتة. فيسرق أداؤه انتباه المشاهد بغموضه وتبريراته المتناقضة، خاصة في الفلاشباكات حيث يكشف السيطرة والكذب تدريجياً، وفي الذروة يتحول إلى شخصية مرعبة دون صراخ مفرط، مجسداً الذكورية السامة بتلقائية تجعلنا نكرهه ونفهم أبعاد شخصيته المعقدة.

أما داكوتا فانينج في دور جيني فتضيف طبقة من الغموض الهادئ، أداؤها رقيق لكنه ينفجر في لحظات الصدام مع ماريسا أو ريتشي، أحيانًا تبدو مساحة دورها أكبر مما تحتمل القصة، بينما صوفيا ليليس تجعل كاري الناني شخصية معقدة، طفلة كبيرة تحمل جرحاً عميقاً، ومايكل بينيا يمنح ألكاراس عمقاً إنسانياً كأب يواجه تحديات التواصل مع ابنه ذو الاحتياجات الخاصة، وهو مدخل يجعله أكثر تفهمًا لتعقيدات شخصية كاري.

شخصيات في أزمة
شخصيات في أزمة

الظلام والضوء البارد

المسلسل مقسم إخراجياً بين مينكي سبيرو وكيت دينيس، يعتمد على كاميرا قريبة تتسلل إلى الوجوه كعين متجسسة في الضواحي الثرية. الإيقاع البطيء في بناء التوتر يشبه عاصفة تتجمع سحبها القاتمة في الأفق، مع لقطات واسعة للمنازل الفاخرة تعكس الفراغ الداخلي، وفلاشباكات سلسة تربط الماضي بالحاضر دون إرباك، فتتحول المشاهد اليومية – مثل الوصول إلى باب الشخصية الغريبة في الحلقة الأولى – إلى رعب نفسي. التصوير يعطي إحساساً بالضواحي الأمريكية بدفء زائف يتناقض مع البرود العاطفي، ومع إضاءة باردة تعكس الشك كضباب يغطي الوجوه. الموسيقى خافتة، تتسلل كنبض قلب مذعور، تتصاعد في التويستات كعويل ريح في ليلة عاصفة. المونتاج سلس في ربط الخيوط العائلية، والمؤثرات محدودة تجعل الرعب نفسياً أكثر من بصري، خاصة في مشاهد الذكريات والكشوفات.

كيف قسم الإخراج في حلقات مسلسل
كيف قسم الإخراج في حلقات مسلسل All Her Fault

مرآة المجتمع المشوهة

المسلسل يسأل بصوت لاذع: من يتحمل اللوم في الأمومة والأبوة؟ ماريسا تُلام أولاً  كأم عاملة، أهملت رعاية إبنها الصغير، بينما بيتر يهرب بالكذب والمراوغة، فيكشف عن عدم مساواة الوالدين، الذكورية السامة، والكذب الذي يبني العائلات الثرية. النهاية صادمة تترك أثراً عميقاً، مع تأمل في الذنب كدورة لا تنتهي، والتركيز على النساء كضحايا المجتمع الذي لا يرحم، خاصة في كيف يبرر الثراء الكذب والسيطرة والحسد. الرسائل أحياناً مباشرة زائدة، كأنها درس أخلاقي يغلب على الإثارة في بعض الحوارات، مما يجعل بعض الشخصيات – مثل الرجال – تبدو رمزية أكثر من إنسانية معقدة، ويقلل من الغموض النفسي.

 مسلسل “All Her Fault”  عمل يجمع الإثارة النفسية بالتأمل الاجتماعي برشاقة شاعرية، فسنوك وفانينج ولاسي يقدمان أداءً مؤثراً ويبنون التوتر، رغم بعض المط في الوسط وتويستات مبالغة أحياناً. إجمالًا العمل نجح في التشويق ورصد صورة لعائلة ترى نفسها في مرآة المجتمع المشوهة.