إطلالة أمل وسط غيوم الألم.. كيف تغلبت الأميرة ميت ماريت على "ضيق التنفس" بروح العائلة؟

إطلالة أمل وسط غيوم الألم.. كيف تغلبت الأميرة ميت ماريت على "ضيق التنفس" بروح العائلة؟

عبد الرحمن الحاج
23 ديسمبر 2025

في مشهدٍ يفيض بالدفء الإنساني، أطلت ولية عهد النرويج الأميرة ميت ماريت في مقطع فيديو شاركه القصر الملكي بمناسبة أعياد الميلاد لعام 2025، لتكون هذه الإطلالة بمثابة جرعة أمل طال انتظارها، فبينما كانت الأنظار تتجه نحوها بقلق بعد الأنباء الأخيرة عن تدهور حالتها الصحية، ظهرت الأميرة وهي تزين شجرة الميلاد برفقة زوجها الأمير هاكون وأولادهما، مؤكدة بابتسامتها الهادئة أن إرادة الحياة أقوى من أي تشخيص طبي، هذا الظهور لم يكن مجرد بروتوكول سنوي، بل كان إعلاناً صريحاً عن صمود ملكيفي وجه مرضٍ يسلب الأنفاس.

لقطة من الفيديو الأخير وهي تزين الشجرة

ميت ماريت: الأميرة التي غيّرت وجه الملكية

ميت ماريت الأميرة التي غيّرت وجه الملكية
ميت ماريت الأميرة التي غيّرت وجه الملكية

قبل الغوص في تفاصيل صراعها مع المرض، يجب العودة إلى الجذور التي جعلت من ميت ماريت شخصية استثنائية في التاريخ الملكي الأوروبي، دخلت ميت ماريت العائلة المالكة النرويجية في عام 2001 وسط عاصفة من الجدل، كونها كانت أماً عزباء وتأتي من خلفية بعيدة تماماً عن الأرستقراطية التقليدية، إلا أن صدقها وتصالحها مع ماضيها جعلاها تكسب قلوب النرويجيين، وهي ذات القوة النفسية التي تعتمد عليها اليوم في مواجهة مرضها الرئوي، لقد أثبتت ميت ماريت أن دور الأميرة لا يقتصر على التلويح من الشرفات أو حضور الحفلات الباذخة، بل في مشاركة الضعف الإنساني مع الشعب، وهذا ما جعل لمرضها صدىً عالمياً يتجاوز حدود النرويج، ليصبح قضية إنسانية تلهم النساء حول العالم.

ما هو التليف الرئوي المزمن؟

الأميرة ميت ماريت
الأميرة ميت ماريت 

لكي تدركي عزيزتي حجم المعاناة اليومية التي تعيشها الأميرة، يجب تسليط الضوء على طبيعة مرض التليف الرئوي المزمن "Chronic Pulmonary Fibrosis". هذا المرض ليس مجرد وعكة عابرة يمكن شفاؤها بالأدوية التقليدية، بل هو حالة مرضية تتحول فيها أنسجة الرئة السليمة واللينة إلى أنسجة ندبية قاسية وسميكة، هذا التندب يجعل من الصعب على الرئتين العمل بشكل صحيح، ومع تفاقم الحالة، يصبح مجرى الدم غير قادر على الحصول على ما يكفي من الأكسجين اللازم للعمليات الحيوية.

الأميرة ميت ماريت

بالنسبة للأميرة ميت ماريت، يعني هذا أن "النفس" الذي نعتبره نحن أمراً مسلماً به، يمثل لها جهداً بدنياً يوازي صعود جبل شاهق، ومن الناحية الطبية، فإن هذا المرض يتطور ببطء، مما يفسر قدرة الأميرة على الاستمرار في مهامها لسنوات منذ تشخيصها الأول في عام 2018، قبل أن تصل الآن إلى مرحلة الضرورة الجراحية التي وضعت القصر النرويجي في حالة استنفار طبي.

محطات التدهور: من أكتوبر 2024 إلى تقييم الزراعة

شهدت رحلة الأميرة منعطفات حادة ومقلقة في الآونة الأخيرة

شهدت رحلة الأميرة منعطفات حادة ومقلقة في الآونة الأخيرة؛ ففي خريف عام 2024، أعلن القصر النرويجي عن حاجة الأميرة لفترة إعادة تأهيل رئوي مكثفة استدعت غيابها عن المشهد العام، ورغم الآمال العريضة التي عقدت على العلاجات الدوائية الحديثة والمبتكرة، إلا أن الفحوصات الدقيقة التي أُجريت مؤخراً في مستشفى "ريكشوسبيتاليت" الجامعي، أكدت تراجع كفاءة الرئة بشكل ملحوظ وتزايد الندبات الرئوية.

إن الحديث عن زراعة الرئة كخيار أخير، يعني أن الفريق الطبي المتخصص قد استنفد كافة الحلول الدوائية والتحفظية، وتعتبر هذه العملية من أكثر الجراحات تعقيداً ودقة في الطب الحديث، حيث لا تتوقف التحديات عند الجراحة نفسها، بل تمتد إلى رحلة طويلة من تقبل الجسم للعضو الجديد والحاجة لتعاطي أدوية تثبيط المناعة مدى الحياة، وهو ما سيضع حياة الأميرة تحت نمط معيشي صارم ومختلف تماماً عما اعتادت عليه في السابق.

الدعم العائلي: الأمير هاكون السند الذي لا يلين

الدعم العائلي: الأمير هاكون السند الذي لا يلين
الأمير هاكون السند الذي لا يلين

في عالم القصور الذي تحكمه البروتوكولات، نادراً ما نشهد قصة حب بمتانة تلك التي تجمع ميت ماريت وزوجها ولي العهد الأمير هاكون، فخلال سنوات المرض العجاف، تحول الأمير هاكون من زوج وولي عهد إلى ظل لزوجته، حيث شوهد في العديد من المناسبات وهو يراقب تنفسها باهتمام ويحرص على توفير كل سبل الراحة لها، هذا الدعم النفسي والوجداني لا يُعد مجرد لمسة إنسانية، بل هو ركن أساسي في البروتوكول العلاجي لأمراض التليف؛ فالاستقرار العاطفي يساعد بشكل مباشر في تقليل نوبات ضيق التنفس المرتبطة بالقلق والتوتر.

لقطة من الفيديو الأخير وهي تزين الشجرة
لقطة من الفيديو الأخير وهي تزين الشجرة

إن ظهور العائلة مؤخراً في مقطع تزيين شجرة الميلاد ليس مجرد استعراض إعلامي، بل هو استراتيجية نفسية مدروسة لرفع الروح المعنوية للأميرة، وجود الأبناء، الأميرة إنغريد ألكسندرا – ولية العهد الثانية في الترتيب- والأمير سفير ماغنوس، حولها في هذه اللحظات يمنحها الحافز الأكبر للاستمرار في معركتها، وهو الدرس الأهم الذي تقدمه هذه العائلة لكل امرأة تعاني من مرض مزمن: "لستِ وحدكِ في هذه المعركة، والحب هو نصف العلاج".

لقطة من الفيديو الأخير وهي تزين الشجرة

التحدي القادم: زراعة الرئة وآفاق عام 2026

عندما نتحدث عن زراعة الرئة كخيار مستقبلي للأميرة، فنحن نتحدث عن رحلة تتطلب صبراًمن العائلة والشعب النرويجي على حد سواء، تبدأ هذه المرحلة بتقييم شامل ومعقد يشمل فحص وظائف القلب والكلى والوضع النفسي العام، وبمجرد إدراج اسم الأميرة على قائمة الانتظار، تبدأ مرحلة الترقب المريرة التي قد تستغرق شهوراً طويلة.

بعد الجراحة، ستكون الأميرة ميت ماريت أمام واقع جديد تماماً، حيث يتوجب عليها العيش في بيئة معقمة للغاية لفترات طويلة لتجنب أي عدوى قد تكون قاتلة في ظل الأدوية المثبطة للمناعة، هذا يعني أن ظهورها العام قد يتقلص إلى أدنى مستوياته في عام 2026 وما بعده، مما سيفتح الباب بالضرورة أمام ابنتها، الأميرة إنغريد ألكسندرا، لتولي مهام ملكية أوسع، في انتقال تدريجي وسلس للمسؤولية فرضته الظروف الصحية القاهرة.

شجاعة ملكية ألهمت كبار القادة

الأميرة ميت مارليت وحضورها الأخير في حفل نوبل للسلام
الأميرة ميت مارليت وحضورها الأخير في حفل نوبل للسلام

إن الأميرة ميت ماريت كانت شجاعة للغاية عندما أعلنت عن طبيعة مرضها في وقت مبكر، مما قلل من الشائعات ورفع مستوى الوعي العالمي بمرض التليف الرئوي، وهذه النقطة تحسب لها في تاريخ الملكية الحديث، ولعلها هي من ألهمت الملك تشارلز الثالث وأميرة ويلز كيت ميدلتون هذا النهج الصريح، حين أعلنا بشجاعة أيضاً في العام الماضي عن إصابتهما بالسرطان، كاسرين بذلك عقوداً من التكتم الملكي حول الأزمات الصحية.

الأميرة ميت مارليت وحضورها الأخير في حفل نوبل للسلاملقد

أثبتت ولية عهد النرويج أنها لم تستسلم للمرض، بل عدلت وتيرة حياتها بذكاء، مما يعلمنا جميعاً أن العجز الجسدي ليس نهاية العطاء بل قد يكون بداية لنوع جديد من التأثير الملهم، وستبقى ميت ماريت نموذجاً للمرأة التي واجهت تقلبات الحياة بكل كبرياء، وسواء خضعت لعملية الزراعة غداً أو في وقت لاحق، فإن إرثها كأميرة إنسانية قد حُفر بالفعل في وجدان التاريخ.