مسلسل "Man Vs Baby".. فوضى روان أتكينسون الضاحكة في أعياد الميلاد
الكوميديا التي يقدمها روان أتكينسون في " Man Vs Baby- رجل ضد طفل" تعتمد بالأساس على الصمت ولغة الجسد، كأنه يعيد إحياء فن الكوميديا الصامتة في عصر الصوت العالي. وجهه كوجه مهرج بلا أصباغ، عيناه الواسعتان المحدقتان في سذاجة، وحركاته الدقيقة إلى حد السخف تحول أبسط موقف – مثل محاولة تهدئة طفل بكاء أو إخفاء كارثة منزلية – إلى لوحة كوميدية نابضة. دون حاجة لكلمة واحدة.
هذا الأسلوب يذكرنا مباشرة بتراث الكوميديا القديمة، خاصة عصر السينما الصامتة في العشرينيات، حيث كان تشارلي تشابلن يبني ضحكه على الحركة والتعبير الجسدي، أو باستر كيتون بـ"الوجه الجامد" الذي يخفي عاصفة داخلية.
حارس الكوميديا الصامتة
أتكينسون، كما في شخصية مستر بين الشهيرة، يرث هذا الإرث ويحدثه؛ فبدلاً من الاعتماد على الحوار الساخر أو النكات اللفظية، يستخدم الإحراج الجسدي والتوقيت الدقيق ليصنع ضحكاً رشيقاً، يتجاوز اللغة بل يلعب على التناقض الحركي، يشبه رقصة الباليه في حلبة ملاكمة. في زمن الكوميديا السريعة والحوارية، يبقى أتكينسون حارساً لفن قديم يثبت أن أقوى الضحكات تأتي من أبسط الحركات، كأن الجسد نفسه يروي النكتة دون وسيط.

مسلسل "Man Vs Baby"، الذي بثته نتفليكس كمسلسل محدود من أربع حلقات مدتها حوالي ثلاثين دقيقة لكل واحدة، يشبه قنبلة ضحك صغيرة ملفوفة بشريط هدايا أحمر لامع. تنفجر فجأة في وجه رجل يعتقد أنه يسيطر على حياته الهادئة.
هو امتداد طبيعي ومباشر لمسلسل "Man Vs Bee" الشهير، لكن هذه المرة يواجه تريفور بينجلي (روان أتكينسون) خصماً أكثر براءة وأشد خطراً وتأثيراً: طفل رضيع يُترك في رعايته بالصدفة خلال أيام عيد الميلاد المزدحمة بالأضواء والزينة.
كوارث تريفور بينجلي
ديفيد كير يخرج العمل بيد خفيفة وماهرة تصنع الذعر الهادئ والفوضى المنزلية المتسارعة، مستفيداً من قدرة أتكينسون الفريدة على تحويل أبسط الأخطاء والمهام اليومية إلى لوحات كاملة من اليأس الكوميدي المبني على الجسد. المسلسل، الذي اعتمد على تصوير حقيقي في شوارع وشقق لندن مع مؤثرات رقمية متقدمة وذكاء اصطناعي لتصرفات الطفل وتعبيراته، يقدم ضحكاً خفيفاً عفوياً مع لمسات دافئة وشاعرية عن الوحدة في وسط الاحتفالات الكبيرة، كأن أصغر الكائنات على الإطلاق قادر على هدم جدران الرجل المنعزل والمستقل بطريقة لا يمكن مقاومتها.

الحبكة تبدأ كقطرة ماء واحدة في حوض نظيف وفاخر، ثم تتحول ببطء إلى فيضان يغرق حياة البطل دون رحمة. تريفور بينجلي، الحارس المدرسي المفلس تماماً والمطلق المحروم من قضاء أعياد الميلاد مع ابنته. الذي يعيش وحده في روتين يومي ممل ومتكرر، يقبل عرضاً مالياً مغرياً جداً لحراسة بنتهاوس لندني فاخر خلال عطلة عيد الميلاد الطويلة، مع شرط صارم وواضح: لا أطفال ولا حيوانات أبدًا داخل المكان. في اليوم الأخير من الفصل الدراسي، تنظم المدرسة مسرحية بسيطة للأطفال، ويجد تريفور نفسه مسؤولاً عن طفل رضيع حقيقي يلعب دور في المسرحية، لأن والديه لم يحضرا لاستلامه بسبب سوء تفاهم إداري كبير أو خطأ في الجدول. يأخذه معه إلى عمله الجديد في الشقة اللندنية، وتبدأ المتاعب الحقيقية: محاولات يائسة ومضحكة لتغيير الحفاضات دون أدوات مناسبة، البحث المتكرر عن الطفل الذي يحبو ويختفي فجأة، إخفاء بكاء الرضيع المستمر عن كاميرات الأمان والزوار المفاجئين الذين يطرقون الباب، والبحث السري عن هوية الوالدين عبر الهاتف دون كشف السر الذي قد يكلفه وظيفته وأجره بلطف.

كوميديا الإحراج
القصر الزمني الشديد في أربع حلقات فقط يمنح تركيزاً حاداً وإيقاعاً سريعاً يبني التوتر كسلسلة متصلة ومترابطة، مع تصعيد ذكي وطبيعي في كل حلقة منفصلة – من الفوضى الشخصية والمنزلية في الحلقة الأولى إلى التدخل الخارجي والاجتماعي في الثانية، ثم الذروة الكاملة في الثالثة حيث يحاول تريفور تسليم الطفل سراً دون إنكشاف أمره.
خلفية الأعياد تضيف طبقة شعرية دافئة ومؤثرة، تجعل الكوارث تبدو جزءاً لا يتجزأ من احتفالية كبيرة وجميلة، والكشف التدريجي والمدروس عن ماضي تريفور – علاقته المتوترة والمعقدة بابنته المراهقة عبر مكالمات فيديو محرجة ومضحكة – يضيف عمقاً عاطفياً حقيقياً يحول الحبكة من مجرد اسكتش كوميدي بسيط إلى قصة إنسانية كاملة عن المسؤولية والأبوة.
الخيط الدرامي رفيع جداً وهش، كأنها ورقة رقيقة تحمل وزن كرة حديدية ثقيلة، فالكوارث تتكرر في نمط مشابه ومتكرر (حفاضة، بكاء مستمر، إخفاء سري) دون تنويع كافٍ أو إبداعي في الحلقات الوسطى، والحل النهائي يأتي سريعاً ولطيفاً زائداً بشكل ملحوظ، مما يترك شعوراً قوياً بأن القصة كانت تستحق تمديداً إضافياً لاستكشاف عواقب نفسية أعمق أو تصعيداً أكبر يتناسب مع جنون الشخصية الرئيسية الكامل وإمكانياتها الكوميدية.

التعبير الجسدي والعاطفي
روان أتكينسون يقود المسلسل كرجل يحارب عدواً لا يفهم لغته أبداً، يعتمد على جسده ووجهه أكثر من كلامه ليروي القصة بأكملها.
براعة أتكينسون الاستثنائية في الكوميديا الصامتة تجعل كل نظرة وكل حركة لوحة حية ومؤثرة، كمشهد محاولة تهدئة البكاء برقصة خرقاء مستوحاة من أغاني الميلاد التقليدية، أو تعبيره الفريد عندما يختفي الرضيع في الشقة الضخمة دون أثر، ينتج ضحكاً يتدفق طبيعياً وعفوياً يتجاوز اللغة والثقافة. التحول التدريجي والمدروس من الذعر الكامل إلى الدفء الحقيقي تجاه الطفل يضيف طبقة إنسانية نادرة ومؤثرة بل تجعل الشخصية محبوبة رغم عجزها الكامل والمضحك.
الاعتماد الشديد والمطلق على الجسد يحد من استكشاف العواطف الدرامية الداخلية العميقة، فاللحظات مع ابنته تبدو سطحية نسبياً وغير مكتملة، والدور يبدو مألوفاً جداً ومتكرراً، فلا يقدم تحدياً جديداً يخرج به من المنطقة المريحة المعروفة والمألوفة لدى الجمهور.

الضحك الآمن
الكوميديا تعتمد بالكامل على التباين الواضح بين الفخامة والفوضى البدائية، ضحك ينبع من الإحراج. النكات الجسدية نقية وعفوية تماماً، تنتج ضحكاً مستمراً ومتدفقاً. الطفل كخصم بريء تماماً يضيف لطفاً يمنع القسوة ويجعل الضحك غير مؤذٍ.
التكرار الواضح في نوعية النكات يضعف الزخم تدريجياً في النصف الثاني من المسلسل، واللطف الزائد والمبالغ فيه يمنع الوصول إلى جنون أكبر أو أكثر جرأة، مما يجعل الكوميديا تبدو آمنة تماماً وغير مغامرة أو مخاطرة.
ديفيد كير يدير الإيقاع كما يدير قنبلة موقوتة، يبني التوتر في مساحات ضيقة ومحصورة لتعزيز الإحساس بالحصار.
اللقطات الطويلة والمستمرة تسمح للكوميديا الجسدية بالتألق الكامل، والانتقال بين الهدوء النسبي والكارثة المفاجئة سلس ومدروس، مع استخدام ذكي للصوت (بكاء الطفل، خطوات سريعة) كمحفز درامي قوي.

لوحة من الدفء الزائف
الكاميرا تلتقط صورة لندن في قلب عيد الميلاد، يغلفها بدفء أضواء ملونة وثلج خفيف يبدو زائفاً، يتناقض تماماً مع البرود الداخلي الذي يسكن روح تريفور. الشقة الفاخرة تتلألأ بزينة ميلادية تتدلى من السقوف، لكن الكاميرا تكشف الفراغ تحت هذا البريق، كأن الاحتفال نفسه قناع يخفي وحدة الرجل المنعزل. الموسيقى خفيفة، تتسلل كأنغام بعيدة، ثم تتصاعد تدريجياً مع كل كارثة صغيرة، تحول البكاء إلى لحن درامي، وأزمة الحفاضة إلى سيمفونية فوضى هادئة.
الديكور الفاخر والأضواء يبنيان تبايناً درامياً رائعاً، يجعلان الفوضى المنزلية تبدو أكثر إلحاحاً وسط هذا الجمال البارد. المونتاج يتدفق بسلاسة ممتعة، يربط المشاهد كخيوط زينة متشابكة، ينتقل من الهدوء الكامل إلى الانفجار دون إرباك.
المؤثرات الرقمية لتصرفات الطفل وتعبيراته تبدو ملحوظة أحياناً، كأنها ظل مصطنع في لوحة زيتية، تخرج المشاهد من الوهم الكوميدي للحظة فقط، وتذكره بأن البراءة هنا مولدة في الحاسوب لا في حضن حقيقي.

سحر روان أتكينسون
المسلسل يتناول بلطف الأبوة المفاجئة التي تأتي دون استئذان، والوحدة التي تكمن في قلب الاحتفال الأكبر، حيث يضج العالم بالأنوار والأغاني، لكن الرجل يبقى وحيداً حتى يقتحم حضنه كائن صغير لا يعرف سوى البكاء والضحك. تعويض لطيف عن حرمان تريفور من الحياة العائلية.
المسلسل يترك ابتسامة دافئة لطيفة على الشفاه، وشعوراً خافتاً بالأمل يناسب أيام العيد، مثالي للمشاهدة العائلية حيث يجمع الضحك بين الأجيال دون ثقل. الرسائل تبقى خفيفة وسطحية، لا تغوص في أعماق الجوانب النفسية، فلا نرى ندوب الوحدة الحقيقية بل لا نلمس ألم الأبوة المفقودة إلا بلمحة عابرة.
عمل مرح خفيف يعتمد كلياً الكامل على سحر روان أتكينسون الأبدي، رغم خفته الزائدة أحياناً. في النهاية العمل، يهمس بلطف أن أخطر الكوارث وأجملها تأتي من كائن بريء ونقي، فالطفل الذي يهدم كل شيء قد يكون الوحيد القادر على بناء دفء حقيقي في قلب بارد يعاني من الوحدة.
الصور من حساب نتفليكس.