المنتجة السعودية باهو بخش

المنتجة باهو بخش لـ"هي": لا أسمح لعقليتي التجارية أن تفقدني روحي الفنية وأرفض مخاطبة الجهاز العصبي للمتفرج

حميدة أبوهميلة
22 ديسمبر 2025

إنها واحدة من أبرز سيدات صناعة السينما في الوقت الحالي، فخلال وقت قصير ارتبط اسم المنتجة السعودية باهو بخش بمجموعة من أهم الإنتاجات وأكثرها اختلافا وشجاعة، من الكوميدي إلى التراجيدي إلى الرومانسي والاجتماعي. واشتبكت مع قضايا تتميز بالجرأة الفكرية، كان لافتا قدرتها على أن تجمع بين الجوائز المهمة وأحدثها ثلاث حصدتها أفلامها التي قدمتها من خلال شركتها "ريد ستار"، في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2025، وكذلك القبول الجماهيري، فالمنتج الفنان ظاهرة أصبحت نادرة في العالم العربي في السنوات الأخيرة، فضلا عن أن يكون هذا المنتج امرأة لديها رؤية وفلسفة عميقة في الاختيار، وباهو بخش تمتلك هذا الحس الذي يجعلها تدرك كيف تلمس شيئا ما في النص يجعل المشروعات التي تحمل اسمها ذات بصمة خاصة وعلامة جودة.


المميز أيضا في تجربتها ليس فقط كونها امرأة اقتحمت عالم الإنتاج السينمائي الرفيع، مستكملة مسيرة رائدات بارزات على مدى تاريخ السينما، ولكن لأنها لا تنتج سطرا وتترك آخر، فهي مستمرة في تقديم التجارب الأكثر اختلافا، حيث أعادت للإنتاج السينمائي القيم والفخم الذي تقف خلفه نساء اعتباره، بعد سنوات توارت فيها المنتجات لأسباب متعددة، إضافة إلى تنوع أعمالها ما بين القصير والوثائقي والروائي، وأحدثها ولنا في الخيال.. حب؟ الذي حقق صدى جيدا للغاية جماهيريا ونقديا.. في حوار يحتفي بالسينما بالتزامن مع أصداء الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة هذا الشهر، تتحدث باهو بخش باستفاضة في حوارها الخاص مع مجلة "هي" عن مسيرتها الملهمة وجديدها، وعن علاقتها بالمهرجان الذي يمثل لها مساحة رائعة للقاءات الصناع وتبادل الأفكار على أرض الواقع.

المنتجة السعودية باهو بخش في حوار خاص مع مجلة هي
المنتجة السعودية باهو بخش في حوار خاص مع مجلة هي

حدثينا باستفاضة عن مشاركة شركتك ريد ستار في الدورات السابقة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي. وكيف ترين دعم المهرجان للسينما في المنطقة؟


في العام الماضي، كانت المشاركة بفيلم ضي للمخرج كريم الشناوي، وهو فيلم افتتاح المهرجان، حيث كانت لحظة فارقة جدا بالنسبة إلي على المستوى الشخصي والمهني بشكل عام. وأنا أحرص على حضور المهرجان باعتباره نافذة مهمة على الحركة السينمائية الجديدة. وأجدها فرصة لمشاهدة أفضل الأفلام السعودية وسط جمهور من أهم صناع السينما في العالم. أيضا، ويلعب المهرجان دورا مهما في دعم المشاريع من فكرة الورق حتى مرحلة ما بعد الإنتاج عبر منصة "ريد سي لاب". هذا لا يجعل المهرجان مجرد حدث احتفالي فحسب، بل يجعله مؤسسة متكاملة تؤثر في مستقبل الصناعة إقليميا، كذلك سأتواجد في هذا العام في المهرجان من خلال شركة "ريد ستار" السعودية، فقد انتهيت من إجراءات التأسيس بشكل كامل.

هل تجدين صراعا بين كونك منتجة كل ما يهمها ألا تخسر أموالها وبين المنتجة الفنانة تماما التي تتمنى تقديم تجارب مختلفة قد لا تلقى عادة مردودا ربحيا؟


المنتج بطبيعته يفكر في الاستدامة بمعنى تطوير شركته وتوسعها. وفي هذا السياق، لا أرى أن هناك صراعا بين اختيار المشاريع التي يتم تبنيها والشكل الذي ستخرج به، بقدر ما أراه تحديا، وهو جزء أصيل من طبيعة المهنة، فأنا أعتبر أن الإنتاج بدرجة كبيرة، هو فن اتخاذ القرار. كيف أستطيع أن أقدم تجربة فنية صادقة ومختلفة وفي الوقت نفسه أبني مشروعا ناجحا ومستداما، هذا التوازن هو ما يجعلني أحب الإنتاج، أي أن أكون عقلية تجارية دون أن أفقد روحي الفنية، وأن أسمح للجانب الإبداعي بأن يتنفس من دون أن يعرض الفريق أو المشروع ككل للخطر. لا أدعي أن هناك معادلة واضحة في ذهني، لكن توجد معايير خاضعة دائما للتطوير، وبالتأكيد تلعب الخبرة والانفتاح على التعلم من التجارب دورا مهما.

تجربة المنتجة باهو بخش في عالم الإخراج ملهمة وتتميز بالاستدامة
تجربة المنتجة باهو بخش في عالم الإخراج ملهمة وتتميز بالاستدامة

لطالما كانت السينما العربية مدينة لنساء مبادرات وشجاعات مثل آسيا وعزيزة أمير، وماري كويني، وغيرهن، كيف تلهمك سيرة هاتيك الرائدات؟ وهل تعتقدين أن الساحة بحاجة إلى المزيد من المنتجات؟
أسماء كبيرة وملهمة بالتأكيد، وتحديدا آسيا بالنسبة إلي. للمفارقة، لقد عرفت وحفظت اسم آسيا كطفلة مغرمة بالأفلام الأبيض والأسود قبل أن أعرف أنني أنتمي إلى قارة تحمل الاسم نفسه. هذه السيدة رائدة عظيمة، وأما بالنسبة لانخراط المزيد من النساء في مجال الإنتاج، فهو تحصيل حاصل على مستوى العالم ككل، بعد أن كانت النساء منتجات لأفلام تحظى بتقييم نقدي عالٍ مثل فيلم "ضائع في الترجمة"، وأصبحن ينافسن في أكثر الأعمال ربحية ورواجا مثل "باربي" و"ألعاب الجوع".


أما في عالمنا العربي، فانخراط النساء في الإنتاج ضرورة ليس لأغراض التمكين وخلق فرص عمل وبيئات عمل أكثر توازنا فقط. لكن لدي قناعة بأن النساء يرين المجتمع بعيون مختلفة، وأننا بحاجة إلى قصص جديدة وسرديات أكثر عمقا وإنسانية. أريد أن أتجنب التنميط، لكن في الأغلب يميل الرجال إلى سؤال ماذا حدث؟ بينما تميل أغلب النساء إلى تساؤل لماذا حدث هذا؟ بحكم اختلاف التجربة الحياتية بين الجنسين في جميع منعطفات الحياة الرئيسة، لدينا وجهات نظر مختلفة فعليا. تجارب كالإنجاب من عدمه، والزواج من عدمه، والطلاق والطموح المهني، صدى كل هذه الأمور وتبعاتها، وما تعنيه بالنسبة إلى النساء يختلف تماما عن الرجال. هذا الاختلاف تسبب في تسطيح صورة المرأة في السينما العربية لعقود مضت. ومن المؤكد أننا تجاوزنا مرحلة تجسيد المرأة القوية كمسترجلة، والطموحة كسيئة، وغير الراغبة في الزواج كمعقدة بفضل مؤلفات ومخرجات ومنتجات أيضا. بالتأكيد، أسهمت منتجات وصانعات مثل درة أبو شوشة ونادين لبكي وهيفاء المنصور وغيرهن في إدماج أصوات النساء في أعمال فنية مختلفة وأكثر ذكاء في فهم وسرد الواقع.

المنتجة باهو بخش تستعد لمجموعة كبيرة من الأعمال ولا تستبعد الاتجاه للدراما التليفزيونية
المنتجة باهو بخش تستعد لمجموعة كبيرة من الأعمال ولا تستبعد الاتجاه للدراما التليفزيونية

خلال الفترة الأخيرة أصبح اسمك مرتبطا بأفلام كثيرة تحقق الصدى الجماهيري والتقدير النقدي أيضا، فما هي فلسفتك في اختيار الأعمال التي تتحمسين لها؟


شكرا على الصياغة شديدة اللطف. في العموم، أسعى إلى الأعمال التي تحرك فضولي، وليس تلك التي تعيدني إلى المألوف. أحاول أن أقدم جديدا سواء في طريقة السرد، أو أسلوب الإخراج أو نوعية الشخصيات. لا أحب تكرار ما تم تقديمه فقط لأنه نجح سابقا. بالطبع، اجتماع فريق مؤمن بالعمل وشغوف بتنفيذه يصنع فرقا فنيا يظهر على الشاشة. فالحماس شديد العدوى، وكذائقة شخصية أفضل الأعمال التي تترك شيئا في القلب أو العقل بعد المشاهدة، سؤال، إحساس أو صمت جميل. لا أميل إلى الأعمال التي تخاطب الجهاز العصبي للمتفرج.

ما المشروع الجديد الذي تعملين عليه في السينما السعودية حاليا، وخاصة أن أعمالك دوما تحظى بقبول في شباك التذاكر بالمملكة، وهل قريبا يمكن أن تقتحمي مجال الإنتاج التلفزيوني؟


شرفت بالمشاركة في أفلام عرضت في السينمات السعودية مؤخرا، ولاقت صدى كبيرا. مثل ضي، "ولسادة الأفاضل لكريم الشناوي، فيما أحدث أعمالي هو فيلم ولنا في الخيال.. حب؟ الذي عرض مطلع ديسمبر الحالي بالسعودية، والفترة المقبلة مخصصة بالنسبة إلي لقراءة مشاريع سعودية جديدة، ومهرجان البحر الأحمر هذا العام يوفر لي مساحة مثالية لفهم ما يحدث على الأرض ولقاء صناع هذه المشاريع. والحقيقة أن فكرة دخول مجال الإنتاج التلفزيوني واردة طالما تحققت شروط تقديم إضافة حقيقية في هذا المجال.

فيلم "ولنا في الخيال .. حب" من أبرز الأفلام الرومانسية الأخيرة التي وجدت صدى نقدي وجماهيري جيد
فيلم "ولنا في الخيال .. حب" من أبرز الأفلام الرومانسية الأخيرة التي وجدت صدى نقدي وجماهيري جيد