خاص لـ"هي": لولو المانع وسارة العمران تكشفان طبقات "مغرس" في أول مشاركة سعودية بترينالي ميلانو

خاص لـ"هي": لولو المانع وسارة العمران تكشفان طبقات "مغرس" في أول مشاركة سعودية بترينالي ميلانو

رهف القنيبط
26 يونيو 2025

في قلب الدورة الرابعة والعشرين من ترينالي ميلانو الدولي، افتتح "مغرس" كأول جناح وطني تمثله المملكة العربية السعودية في هذا المحفل العالمي. لكنه لم يكن مجرد مشاركة رمزية. الجناح، الذي تقوده القيمتان لولو المانع وسارة العمران، جاء محمّلاً بتجربة بحثية معمقة، وسرد بصري يحفر عميقًا في تاريخ وذاكرة وبيئة واحة الأحساء، أحد أقدم الواحات المأهولة في العالم.

في حديث خاص لـ"هي"، تروي القيمتان لولو المانع وسارة العمران خفايا التجربة التي قادتهما إلى تقديم معرض "مغرس: مزرعة تجريبية" ضمن أول مشاركة وطنية سعودية في ترينالي ميلانو.

الأحساء كمختبر ثقافي وبيئي

تشرح لولو المانع، أن اختيار الأحساء لم يكن صدفة، بل نتيجة طبيعية لتاريخها الغني وعلاقتها المتشابكة بين الأرض والماء والعمل والذاكرة. تقول: "الأحساء اليوم تواجه تحديات متزايدة كالتصحر وفقدان التنوع الحيوي والتوسع العمراني،" تقول. "أردنا أن نُظهِر هشاشة هذه المنظومة، لكنها في الوقت ذاته تملك مرونة وقدرة على المقاومة."

معرض مغرس
لولو المانع : "أردنا من خلاله إبراز كيف أن أنظمة القياس وإدارة الأرض هي في حد ذاتها مفاهيم ثقافية تعكس علاقتنا بالمكان."

من خلال "مغرس"، أراد الفريق أن يمنح هذه الواحة صوتًا معاصرًا، يعتمد على روايات أهلها، على الحكايات الشفهية، وعلى المعرفة المتوارثة. وتتابع لولو: "لم نكن نتعامل مع الواحة كخلفية للعرض، بل ككيان حي يفرض علينا أسئلة حول التراث والمستقبل، وحول كيف يمكن للمجتمعات أن تستجيب للضغط البيئي من خلال أدواتها الثقافية."

"مغرس" كوحدة قياس وتحوّل رمزي

الاسم ذاته "مغرس" يحمل بُعدًا رمزيًا كبيرًا، إذ يشير إلى وحدة تقليدية لقياس الأرض في الأحساء، وهي المساحة التي تحيط بها أربع نخلات. توضح المانع أن اختيار هذا المفهوم لم يكن مجرد استعارة بصرية قائلة: "أردنا من خلاله إبراز كيف أن أنظمة القياس وإدارة الأرض هي في حد ذاتها مفاهيم ثقافية تعكس علاقتنا بالمكان."

وترى أن المعرض يحمل رسالة واضحة: الهوية ليست شيئًا جامدًا، بل تتحرك مع التغيرات البيئية والاجتماعية، والموروث ليس نقيضًا للحداثة، بل يمكن أن يكون منبعًا لحلول مستدامة وجذرية.

من التجريد إلى التجربة الحسية

تتحدث سارة العمران، المهندسة المعمارية والقيّمة المشاركة، عن نقطة الانطلاق في بناء المعرض: "أردنا أن يكون الفضاء المعماري نفسه منصة للانخراط التجريبي والتقاطع بين التخصصات. ليست الأحساء بالنسبة لنا مجرد موقع، بل امتدادٌ لذاكرة شخصية وعائلية تعود لأجيال."

سعت العمران إلى إعادة تفسير وحدة "المغرس" التقليدية كحيز معاصر تلتقي فيه الثقافة بالطبيعة بالمعرفة. "لم نحاول محاكاة الواحة داخل الجناح، بل أردنا أن نترجم عناصرها الحسية من ضوء وصوت ومادة بطريقة تخلق استجابة عاطفية وفكرية لدى الزائر."

معرض مغرس
سارة العمران: "ما نأمله هو أن نرى المزيد من المشاريع السعودية التي تنطلق من سياقها المحلي"

اختيارات فنية تعكس المعرفة المتجذّرة

ضمت الأعمال الفنية المعروضة مزيجًا من التخصصات، لكنها اشتركت جميعًا في نظرتها المتعمقة للتحولات البيئية في الأحساء. عمل لين عجلانالمصنوع بالكامل من مخلفات الزراعة، ينتقد هيمنة الزراعة الأحادية والتوسع في استخدام الأسمدة. أما محمد الفرج فاستحضر حكاية شعبية محلية في عمل سينمائي متعدد الوسائط، يعيد من خلاله تفعيل الذاكرة كوسيلة لفهم البيئة. وفي عمل صوت الصورة، المؤسسة من قبل تارا الدغيثر، يتجلى الصوت كوثيقة حية لتجارب النساء وذاكرتهن السمعية المرتبطة بالمكان.

تعلق العمران: "أردنا أن نبرز أن المعرفة البيئية ليست فقط علمية أو تقنية، بل هي أيضًا ثقافية، مجسّدة، ومبنية على التجربة الحسية والجماعية."

من المعرض إلى ما بعده

لا ترى القيمتان "مغرس" كمشروع ينتهي بانتهاء الترينالي، بل كبنية مفتوحة للبحث والتفاعل المستمر. وتختم العمران: "ما نأمله هو أن نرى المزيد من المشاريع السعودية التي تنطلق من سياقها المحلي، لكنها تمتلك حسًا عالميًا، مشاريع لا تكتفي بعرض ما تم، بل تفتح مسارات لما يمكن أن يكون."