خاص لـ"هي": ميرنا عياد تكتب المدن وتعيد رسم السرد الثقافي من الداخل

خاص لـ"هي": ميرنا عياد تكتب المدن وتعيد رسم السرد الثقافي من الداخل

رهف القنيبط
21 أغسطس 2025

في المشهد الثقافي العربي، تسير ميرنا عياد بوصفها كاتبة ومستشارة وناشرة ترى في الثقافة مشروعًا حيًّا لا يُروى من الخارج، بل يُعاد تشكيله من الداخل. لبنانية الأصل ومقيمة في دبي، بدأت كصحافية متخصصة بالفن المعاصر، ثم وسّعت مسارها لتقود مبادرات ثقافية كبرى، وتصدر كتبًا تتناول المدن والهويات والسرديات الإبداعية. 

كل دور قامت به منحنها عدسة مختلفة، لكنها جميعًا تصب في هدف واحد: أن نعكس ثقافتنا، ونتساءل عنها، ونتوسّع في فهمنا لها. ولهذا تفتتح ميرنا حديثها مع "هي" قائلة: "كل ما قمتُ به وما زلت أفعله هو في خدمة صياغة السرد الثقافي، لا أكتفي بالمساهمة في القصص الموجودة، بل أساعد أيضًا في الكشف عن قصص جديدة وإبرازها."

في هذا اللقاء الخاص، تكشف ميرنا عياد عن مسيرتها متعددة الأوجه في عالم الثقافة، حيث تروي لنا عن توثيقها للمشهد الإبداعي في الإمارات، مرورًا بتجربتها مع معهد مسك للفنون والمزيد.

رحلة سردية مع Assouline: من ملامح دبي إلى جوهر أبوظبي

أطلقت ميرنا عياد كتاب Abu Dhabi Bright بالتعاون مع دار النشر الفاخرة Assouline، ضمن سلسلة إصدارات تسلّط الضوء على مدن العالم برؤية فنية سردية. لكن بالنسبة لميرنا، لم يكن الهدف مجرد تقديم صورة لمدينة عصرية، بل الغوص في جوهرها: هدوئها، وثراؤها الثقافي، وطبقاتها غير المرئية.

توضح ميرنا ذلك قائلة: "لطالما شعرت أن هناك الكثير في أبوظبي لم يُكتشف أو يُقدَّر بالشكل الكافي بعد. من خلال Abu Dhabi Bright، أردت تسليط الضوء على فخامة المدينة الصامتة وغِناها المتأصل."

ميرنا عياد
تقول ميرنا:" حاولت أن أروي للقارئ أشياء قد لا يعرفها عن أبوظبي، لكنني لم أتجاهل النقاط البارزة أيضًا."

في الكتاب لم تتعامل ميرنا مع أبوظبي بوصفها وجهة سياحية، بل كمدينة تستحق أن تُروى من منظور ذاتي. فقد حرصت على المزج بين الحقائق البارزة التي يعرفها القارئ، والتفاصيل الدقيقة التي تكشف جانباً جديداً من روح المكان.

وعلى المقالة التي كتبتها في الكتاب  تقول ميرنا: "حاولت أن أروي للقارئ أشياء قد لا يعرفها عن أبوظبي، لكنني لم أتجاهل النقاط البارزة أيضًا. صحيح أن المقال يتناول عاصمة، لكنه أيضًا تحية شخصية لها، مما يعني أنه يجمع بين الرأي والواقع."

مقالات سلسلة السفر من Assouline

لم تكن هذه التجربة هي الأولى لميرنا مع الدار Assouline، حيث قدمت كتاب Dubai Wonder، الذي قدمت من خلاله سردًا مغايرًا عن مدينة لطالما ارتبطت بالحداثة السريعة. وفي كلا الكتابين، اختارت أن تكتب عن المدن بلغة تتجاوز الوصف، لتصل إلى مستوى الرسالة العاطفية.

وعن التجربة تقول ميرنا: "أشبه مقالات سلسلة السفر من Assouline برسائل حب تُكتب للمدينة. هكذا تعاملت مع Abu Dhabi Bright وDubai Wonder."

assouline
حرصت على المزج بين الحقائق البارزة التي يعرفها القارئ، والتفاصيل الدقيقة التي تكشف جانباً جديداً من روح المكان.

والجدير بالذكر أن ميرنا كانت قد سبقت الكتابين بكتاب Sheikh Zayed: An Eternal Legacy وهو أول كتاب من دار Assouline عن شخصية عربية وملكية. 

بين السرد والتوثيق: عدسة ميرنا لمدن تتشكّل

في كتابتها عن المدن، لا ترى ميرنا تناقضًا بين السرد الإبداعي والتوثيق الواقعي. بل تعتبر أن الجمع بين العاطفة والمعرفة هو ما يمنح النص قوته ويُبقيه حيًّا. وهذا ما جعل تجربتها في الكتابة عن أبوظبي متزنة وشخصية في آن.

توضح ميرنا ذلك عبر قولها: "أرى أن السرد والتوثيق وجهان لعملة واحدة. المفتاح هو احترام ما هو موجود، مع البقاء منفتحة على ما يتكشف. أحب القصص، وأمزجها بالحقائق والمشاعر، وأسعى لأن تكون النتيجة أصيلة ومؤثرة."

معهد مسك وتجربة التحوّل في المشهد السعودي

بعيدًا عن كتابة المدن، كانت ميرنا قد عملت كمستشارة ومحكمة في معهد مسك للفنون، تابعت ميرنا عن قرب التحوّلات التي شهدها المشهد الفني السعودي. لمست نموًا واضحًا في عدد المبادرات والدعم المؤسسي، واعتبرت أن ما يحدث في المملكة اليوم يضعها على خارطة المشهد الإقليمي بثبات.

توضح ميرنا ذلك قائلة: " التغيير الأكبر الذي لاحظته هو العدد الهائل من المبادرات والمهتمين! المنظومة اليوم تحظى بدعم أقوى بكثير مما كانت عليه، ومن المثير فعلاً رؤية كيف ستتطور في المستقبل."

ما يحتاجه الجيل الجديد: ما بعد الشغف

رغم أنها لم تَعُد تعمل ضمن برنامج منحة مسك، إلا أن تجربتها مع  الفنانين العرب الشباب تركت لديها قناعة بأن التحديات التي يواجهونها لا تتعلق بالموهبة، بل بالبنية المحيطة. ترى أن التعليم، والنقد، والفرص المتاحة بعد التخرج هي محاور يجب التركيز عليها لضمان الاستمرارية المهنية.

حيث توضح ذلك قائة:" التعليم الفني عنصر أساسي، وكذلك النقد. وبعد احتكاكي بالطلاب أشعر أنني قلقة بشأن تطورهم المهني، مثل بناء الشبكات وتوفير الفرص بعد التخرج، فكثير منهم يضطرون للعمل بدوام كامل إلى جانب ممارستهم الفنية."

+971: خمسون مبدعًا إماراتيًا يشكّلون المشهد الإبداعي في الدولة

بعد أكثر من عقدين في القطاع الإبداعي، اختارت ميرنا أن توثق المشهد الإبداعي في الإمارات من خلال كتاب +971، الصادر بالتعاون مع دار Rizzoli. الذي ضم خمسين مبدعًا ومبدعة من مختلف التخصصات، وهو أول عمل من نوعه يرصد بشكل موسّع ملامح الجيل الإماراتي الجديد في الفنون، التصميم، والثقافة، والابتكار.

ميرنا عياد
حرصت ميرنا خلال إعداد +971 على عدم الوقوع في فخ الرمزية أو الاستسهال في التمثيل

بكل فخر تعبر ميرنا لـ"هي" عن الكتاب قائلة: "بعد أكثر من عقدين في القطاع الإبداعي، لطالما علمت أن المجتمع الإبداعي في الإمارات قوي ويستحق الاهتمام. أنا فقط أبرزته في كتاب!"

آلية الاختيار: تمثيل عادل خارج الرمزية

حرصت ميرنا خلال إعداد +971 على عدم الوقوع في فخ الرمزية أو الاستسهال في التمثيل. لذلك عملت على تطوير معايير دقيقة، وتشكيل لجان متخصصة تضم خبراء في مختلف المجالات لضمان التوازن الحقيقي بين الأسماء الجديدة والمخضرمة. تقول ميرنا: "اعتمدنا على تطوير معايير اختيار واضحة، وتشكيل لجان تقييم متخصصة تضم خبراء من كل مجال."

من خلال كل مشروع خاضته، تبرهن ميرنا عياد أن الثقافة لا تُقرأ فقط من الكتب، بل تُكتب من الداخل، بأدوات متنوّعة ورؤية نقدية متجذّرة في التجربة.