
خاص لـ"هي": الفنانة السعودية بيان ياسين... ريشة تنسج الهوية وتحول التجربة الشخصية إلى فن عالمي
في عالم الفن، ثمة من يصوغ أعمالًا بيديه، وآخرون ينسجون الجسور بين الثقافات، والفنانة السعودية بيان ياسين تنتمي للفئة الثانية التي لا تكتفي بتجريب الألوان أو استلهام الرموز، بل تحوّل تجربتها الشخصية وهويتها البصرية إلى مشروع إبداعي حيّ يعبّر عن الوطن، وعن ذاتها في آن.
تجسد أعمال الفنانة السعودية بيان ياسين تلاقحًا حيًّا بين الفن والهوية، حيث تتنوّع مشاريعها بين تعاونات رفيعة المستوى مع علامات تجارية عالمية، ومبادرات فنية تحتفي بجماليات الثقافة المحلية بروح معاصرة.

تعاونت مع Tiffany & Co لتقديم عمل فني مستوحى من روح رمضان، وشاركت مع Huawei في عمل يمزج بين عناصر سعودية تقليدية وألوان نابضة بالحياة. قدّمت بالتعاون مع The Visitor عملًا بصريًا يحاكي تجارب المسافرين في مطار جدة، تم عرضه على أكثر من 55 شاشة داخل المطار.
كما جسّدت بيان روح اليوم الوطني عبر سلسلة تعاونات لافتة مع علامات مثل وجوه وستاربكس وأديداس، حيث صمّمت لوحات وتغليفات ومنتجات محدودة الإصدار تمزج بين التراث والحاضر. وفي مشاريع أخرى مع بوبي براون وكوستا كافيه وFashion Trust Arabia، تواصل بيان تشكيل سردية بصرية تعبّر عن المرأة، التفاصيل اليومية، والهوية السعودية كقصة حب تُروى بالألوان.
من الطفولة إلى اللوحة
تفتتح بيان حديثها مع "هي" عن بدايتها مع الفن، تقول بيان لـ"هي": "بدأت رحلتي مع الفن منذ أن كنت في السادسة من عمري، حينما كانت أفلام الكرتون تسرق انتباهي وتأسر خيالي. كنت أرسم الشخصيات مباشرة من التلفاز، ولاحظ والدي موهبتي، فدعمني بكل ما يملك. تنقّلت بين العديد من التجارب بين الرسم على الجدران إلى اللوحات اليدوية، حتى وصلت إلى الفن الرقمي في عام 2012. لم يكن الفن خيارًا، بل كان جزءًا من هويتي منذ البداية."

اللوحة التي أنطقت المشاعر
أما عن أول عمل شعرت من خلاله أنها وجدت لغتها البصرية، فتوضح: "أول مرة شعرت أنني أمتلك لغة بصرية خاصة كانت بعد وفاة ابني الأول، رحمه الله. رسمت لوحة حمّلتها كل مشاعري، وشعرت براحة لم أعهدها من قبل. ثم، ومع ولادة ابني الثاني، ظهرت أمامي أول لوحة رقمية حقيقية، تأثرت وانتشرت على نطاق واسع. كانت مليئة بإحساس السلام، ولمست قلوب الأمهات، ومن هناك أيقنت أن هويتي ومشاعري هما مفتاح أسلوبي."
مواجهة التغيرات والتحديات
في مجتمع متغير، تصف بيان رحلتها في ترسيخ هويتها كفنانة موضحة لـ"هي": "التغيّرات المتسارعة قد تربك أي فنان، لكنني قررت في أعمالي أن أواكب الزمن دون أن أفقد جوهري. كنت أتعلم باستمرار، وأجرّب، وأطوّر نفسي، لكن دائمًا أعود لمرآتي الثقافية التي تمنحني التوازن. لم أسمح لوتيرة السوق أن تفرض عليّ هوية بصرية لا تُشبهني."

أول جمهور... والعين الأولى للنقد
تعود بيان بذاكرتها إلى لحظة عرض أولى أعمالها تقول: "عائلتي وصديقاتي كنّ أول جمهور لأعمالي. دعمهن وملاحظاتهن الصادقة ساعدتني كثيرًا في تطوير نفسي. وعندما نشرت أعمالي على مواقع التواصل، تفاجأت بردود فعل الناس وتأثّرهم. هذا التفاعل منحني ثقة، وساعدني على فهم كيف أقدّم فني بطريقة تصل إلى قلوبهم."
التراث بروح عصرية
عن طريقة دمج الثقافة السعودية في أعمالها مع علامات تجارية عالمية، تقول: "أحاول دائمًا أن أكون مرآة لروحي وهويتي. أستلهم من التراث السعودي رموزه وألوانه وتفاصيله، ثم أقدّمه بأسلوب بصري معاصر يناسب الذوق العالمي. لا أتنازل عن العمق، بل أبحث عن الجسر البصري الذي يربط بين أصالة المكان وروح العصر. وأؤمن أن الصدق في تقديم الهوية يصل إلى أبعد مدى."

"مشروع التقاء": تجربة تتجاوز اللوحة
في عام 2023، خاضت بيان تجربة فريدة بالتعاون مع المعهد الملكي للفنون التقليدية، تمثّلت في مشروع فني مشترك مع الفنانة الكورية سيلي. حيث تصف بيان هذه التجربة قائلة: "المعهد رتب لي رحلة إلى كوريا الجنوبية، حيث تعرّفت على بيئتهم الفنية، وهناك التقيت بسيلي، وبدأ بيننا حوار فني وإنساني الألوان والرموز أصبحت لغتنا."
جسدت سيلي العناصر الأربعة (الهواء، الماء، الأرض، النار) بأسلوبها الفلكلوري المستوحى من التراث الكوري، بينما قابلتها بيان بترجمة سعودية، حيث مثّلت كل عنصر بمنطقة مختلفة: نجد للأرض، الحجاز للماء، الجنوب للهواء، ونجران للنار.
تقول بيان: "لم تكن العناصر مجرد رموز، بل أبواب لسرد ذاكرة. في نجد، استحضرت البيوت الطينية، وفي الجنوب جبال تهامة وهواءها النقي، وفي الحجاز واجهات البحر الأحمر، أما نجران فظهرت في الحُلي الحديدية التي تعكس لمعان النار."
وتختم حديثها مؤكدة: "هذا النوع من المشاريع هو المستقبل... جيلنا يتعلّم من الآخر، لكنه لا ينسى جذوره. في الفن، يمكننا أن نكون سعوديين بالكامل، وعالميين تمامًا."