رنا السقاف

الفنانة والمستكشفة الثقافية رنا السقاف لـ"هي" أحول العمارة السعودية إلى ذاكرة بصرية

رهف القنيبط
13 مايو 2025

في عالم تتداخل فيه العمارة بالسرد، وتتحوّل فيه النوافذ والأبواب إلى شواهد على عبور الأزمنة والذاكرة، تبرز الفنانة ومصممة الديكور الداخلي والمرشدة السياحية رنا السقاف من خلال مساهمتها في تصميم لوحات وأعمال تعرض ضمن متجر التصميم في بينالي الفنون الإسلامية في جدة، حيث اختارت السقاف أن تسلّط الضوء على "البوابات" كمفردة معمارية محمّلة بالرمزية والدلالة. لم تكتف بتجسيدها كعناصر تصميمية، بل قادتها خبرتها في الإرشاد السياحي إلى تقديمها كقصص نابضة تعبّر عن عمق المكان، وتحمل رسالة توثيقية لهوية المملكة العمرانية.

في هذا الحوار، تكشف رنا لـ"هي" كيف تلتقي خبراتها في التصميم والإرشاد والفن لتكوين رؤية متكاملة تسعى إلى إعادة اكتشاف الهوية العمرانية للمملكة. وأيضاً مشاركتها في متجر التصميم ضمن بينالي الفنون الإسلامية، حيث قدّمت عملًا بصريًا يوثّق بوابات الحج كمفردات معمارية تحمل رموزًا ثقافية وروحية. 

 رنا السقاف
توضح السقاف:"علمني الإرشاد كيف أشارك هذه القصص بطريقة حية وبسيطة، وهو ما انعكس في طريقة تقديمي لأعمالي الفنية."

من الرحلات إلى اللوحات: عندما يتحوّل التوثيق إلى فن

الخبرة في الإرشاد السياحي منحت رنا منظورًا مختلفًا تجاه المواقع التاريخية؛ فهي لا ترى المباني كجدران، بل كحكايات. ولهذا استفادت السقاف من خلفيتها كمرشدة سياحية في تطوير أسلوبها الفني. فخلال رحلاتها المتكررة داخل المملكة، كانت تقف أمام العمارة لا كمهندسة فقط، بل كمستمعة للقصص التي تحملها جدران المدن. توضح لـ"هي": "من خلال رحلاتي المستمرة في أنحاء المملكة وتركيزي على اكتشاف المدن والقرى التاريخية، تولدت لدي رغبة عميقة في توثيق هذه المواقع. بدأت أعبر عن هذا التوثيق برسوماتي، التي أصبحت امتدادًا لرحلاتي."

وتضيف أن الإرشاد لم يكن مجرد وظيفة، بل وسيلة لفهم أعمق للمكان: "علمني الإرشاد كيف أشارك هذه القصص بطريقة حية وبسيطة، وهو ما انعكس في طريقة تقديمي لأعمالي الفنية."

البوابات كأيقونات معمارية وروحية

في عملها المشارك، اختارت السقاف التركيز على "البوابات" كرموز غنية بالمعاني. استلهمت الفكرة من صالة الحجاج، التي اعتبرتها نقطة بداية لمسار معماري وروحي فريد. تقول: "ألهمني موقع البينالي في صالة الحجاج للغوص في مفهوم البوابات، فرسمت بوابات مختلفة مر بها الحجاج، مثل باب مكة في جدة، وبوابة المصحف، وباب السلام، بالإضافة إلى صالة الحجاج نفسها."

وتوضح أن هدفها لم يكن مجرد عرض أشكال معمارية، بل الكشف عن ما وراءها من قصص ودلالات: "كل بوابة تحمل نبذة عن وظيفتها ومكانتها، وسعيت لتسليط الضوء عليها كعناصر تمثل لحظات عبور روحي وجغرافي."

بينالي الإسلامي
دخول السقاف إلى عالم الإرشاد السياحي كان مدفوعًا برغبتها في فهم القصص الكامنة خلف المواقع التاريخية.

فهم العمارة من الداخل: حين تلتقي ثلاث هويات

تشير السقاف إلى أن أعمالها تأتي من تداخل ثلاث هويات متكاملة: التصميم، الفن، والإرشاد. هذه الخلفية المتنوعة شكّلت أسلوبها في الرؤية والتوثيق. توضح لـ"هي": "بدأ هذا التداخل من خلال عملي كمصممة لمشاريع في مدن متعددة داخل المملكة، ثم جاء عملي في الإرشاد السياحي ليضيف بُعد السرد القصصي، حيث أصبحت لا أكتفي برؤية المكان بل بقراءته."

وتضيف أن الرسم هو الوسيط الذي جمع بين البعدين: "التصميم منحني الحس البصري والوظيفي، والإرشاد منحني القصص، والفن منحني الوسيلة لأجمع بين الاثنين."

من الدليل السياحي إلى المصمم: الرابط هو الحكاية

تربط السقاف بين تجربتيها في التصميم والإرشاد من خلال الشغف العميق بالمكان. تشير إلى أن دخولها عالم الإرشاد السياحي كان مدفوعًا برغبتها في فهم القصص الكامنة خلف المواقع التاريخية. وتقول: "الإرشاد منحني فرصة للبحث المتعمق وتوثيق المواقع، وساعدني على تطوير مهارة السرد وربط الأحداث بالمكان."

وترى أن هناك علاقة قوية بين المجالين، حيث يتطلب كل منهما حساسية للمكان وفهمًا لسياقه الثقافي قائلة: "المصمم الجيد يحتاج لفهم عميق للمكان وسياقه والقدرة على إعادة إحياء روح المكان، وهو ما يتيحه الإرشاد."

 رنا السقاف
تسعى رنا في كل عمل إلى خلق صلة إنسانية بين المشاهد والمكان

الزائر أمام العمل: دعوة لإعادة النظر

ترى السقاف أن دور الفن لا يقتصر على الإعجاب البصري، بل يشكّل وسيلة لإعادة النظر في ما نظنه مألوفًا. في عملها المعروض ضمن البينالي، تأمل أن يبدأ الزائر بملاحظة العمارة المحيطة به من زاوية جديدة. تقول: "من خلال اقتناء الأعمال وملاحظة تفاصيل هذه المواقع في اللوحات، أطمح أن يكتشف الزائر أبعادًا جديدة في الأماكن التي يمر بها بشكل اعتيادي، ويبدأ بملاحظتها بعين مختلفة."

الدهشة والحنين، والانتماء: قيم حاضرة في كل عمل

وفي ختام الحديث، توضّح السقاف أن ما تسعى إليه في كل عمل هو خلق صلة إنسانية بين المشاهد والمكان، حتى وإن لم يسبق له زيارته. تقول لـ"هي": "أحرص دائمًا في أعمالي على أن تعكس التصاميم حس الانتماء والاعتزاز بالمكان، والرغبة في إعادة الاكتشاف."

وتضيف: "أركز على إبراز جمال التفاصيل التي قد لا يلاحظها الكثيرون، وأقدمها بطريقة تدعو للتأمل والانبهار. تهمني مشاعر الدهشة، والحنين، والارتباط، وأتمنى دائمًا أن تعكس تصاميمي هذه المشاعر."