أجمل الوجهات التي يمكنكم الاستمتاع بزيارتها في شتاء عسير
في الجنوب الغربي من المملكة، حيث يلتقي الضباب بخضرة الجبال، ويعانق السحاب قمم السودة ورجال ألمع، تفتح منطقة عسير ذراعيها لزوّار الشتاء لتقدّم لهم تجربة لا تشبه أي فصل آخر. هنا، في أرض الجبال والقرى التراثية، يصبح الشتاء موسماً للحياة، والرحلة مغامرة تجمع بين الأصالة والهدوء وروح الاكتشاف.
حين يتحوّل الضباب إلى لوحة والجبال إلى حكاية لا تنتهي
تتزين أبها، عاصمة عسير، برداءٍ باردٍ منعش، تكسوه غيوم الصباح وأنوار المساء، وتغدو وجهة مثالية لكل من يبحث عن طبيعة تتحدّث، وهواء يحمل رائحة المطر، وتاريخٍ ينبض بالفن والثقافة والكرم الجنوبي.
أبها… قلب الجبال وروح التراث
تبدأ الحكاية من أبها، المدينة التي تجمع بين الحداثة والعراقة، وتُعدّ مركز السياحة الشتوية في المملكة. تقع بين جبال عسير الشامخة، وتتميّز بتضاريسها المدهشة التي تجمع بين المدرجات الزراعية، والأودية الخضراء، والضباب الذي يهبط كل مساء ليمنحها سحرًا لا يُنسى.

في أبها، يمكن للزائر أن يعيش أكثر من تجربة في يوم واحد: جولة صباحية في الأسواق الشعبية القديمة، ومساء هادئ في أحد المقاهي المطلة على الجبل الأخضر. أما شوارعها فتنبض بالحياة، خصوصًا شارع الفن الذي تحوّل إلى معرض مفتوح يجمع بين الجدارية واللون والموسيقى والعروض الثقافية.
وفي المدينة العالية، يجد الزوار أحد أجمل المجمعات الحديثة في المنطقة، بمطاعمه ومقاهيه المطلة على الجبال. المكان أشبه بمنصة معلّقة على أطراف الغيم، حيث تلتقي أجواء الشتاء برائحة البن، وصوت الموسيقى يعانق الهدوء الجبلي.
أما بحيرة سد أبها، فهي وجهة مثالية لنزهة عائلية أو تجربة تصوير فريدة، خصوصًا مع انعكاس الغيوم على سطح الماء في الصباح الباكر.
مغامرات الشتاء بين الجبال والهواء الطلق
عشاق المغامرات سيجدون في عسير ما يبحثون عنه وأكثر. فـ جبل السودة، أعلى قمة في المملكة، يتحوّل في الشتاء إلى مسرحٍ طبيعي لعشاق المشي والهايكنغ، ومسارات التنزّه بين الغابات الكثيفة والضباب المتناثر. تجربة التلفريك في السودة وحدها كفيلة بأن تمنحك مشهدًا بانوراميًا يأسر القلب، حيث تبدو القرى الصغيرة متناثرة بين الجبال كأنها حبات لؤلؤ على بساطٍ أخضر رمادي.
ومن السودة إلى قرية رجال ألمع التراثية، المدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، تتواصل الرحلة عبر الزمن. القرية تحتفظ بروحها القديمة بين البيوت الحجرية المزخرفة بالنقوش العسيرية، وتروي حكايات التاريخ عبر المتاحف والمعارض المفتوحة. زيارة رجال ألمع في الشتاء تمنح شعورًا لا يُوصف؛ حيث يتصاعد الدخان من المداخن الحجرية، وتملأ رائحة القهوة العربية أزقة القرية، بينما تظل الأضواء الذهبية تضيء الجبال المحيطة مع غروب الشمس.

ومن التجارب الفريدة التي لا تُفوّت أيضًا تلفريك أبها، الذي يربط المدينة بقمم الجبال المحيطة، ليتيح للزوار رؤية بانورامية للوديان والقرى، ومشهد الغيوم وهي تعانق السفوح. هذه الرحلة القصيرة في الهواء تكشف لك سرّ الجمال في عسير: مزيج من الطبيعة الوعرة والروح الهادئة التي لا تشبه أي مكان آخر.
أما مدينة النماص القريبة، فهي وجهة شتوية حالمة تُغلفها الغيوم على مدار اليوم. مبانيها الحجرية القديمة وجبالها المكسوّة بالضباب تجعلها وجهة مثالية لعشاق التصوير والمشي في الأجواء الباردة.
بين الفن والثقافة… روح عسير الأصيلة
عسير ليست فقط طبيعة آسرة، بل هي أيضًا موطنٌ لتراث فني وإنساني غني. في قلب أبها، تقع قرية المفتاحة التي تحولت إلى مركز ثقافي يجمع بين الفنون التقليدية والمعاصرة. هنا تتجسد روح الفن العسيري، من اللوحات إلى الحرف اليدوية، ويبرز فن القَطّ العسيري الذي سُجّل ضمن قائمة اليونسكو للتراث غير المادي، كرمز لجمال الألوان والتناغم الأنثوي في التصميم.
أما قلعة شمسان التاريخية، فهي من أبرز المعالم التي تحكي تاريخ المدينة. بُنيت قبل أكثر من 300 عام، وتُطلّ على أبها من جهة الشرق، لتروي قصص الدفاع والتاريخ والهوية في آنٍ واحد. زيارة القلعة في المساء، مع ضوء الشمس الخافت فوق الجبال، تُعد تجربة تلامس المشاعر قبل العدسة.

الحدائق والإطلالات… مشاهد تُعيدك إلى الطبيعة
للباحثين عن لحظات استرخاء وسط الطبيعة، فإن عسير تقدّم مجموعة من المنتزهات التي تحوّل كل نزهة إلى ذكرى دافئة. في مقدمتها حديقة أبو خيال، التي تُعدّ واحدة من أجمل حدائق المملكة بإطلالتها الواسعة على المدينة. مساراتها الخضراء وأماكن الجلوس المطلة على الجبال تجعلها مثالية للعائلات والأصدقاء.
كما تُعتبر حديقة الأندلس من الوجهات المفضلة للنزهات المسائية، خاصة مع إنارة الشتاء الهادئة التي تضفي على المكان طابعًا شاعريًا. أما منتزه السحاب فيُعد أحد أعلى المواقع في أبها، وغالبًا ما يغمره الضباب، ما يمنح الزائر إحساسًا أنه يسير بين الغيوم. ومن طلالة الجبل الأخضر، يمكنك مشاهدة المدينة وهي تضيء تدريجيًا مع حلول الليل، في مشهدٍ يختصر معنى الشتاء في عسير.

التجارب الأصيلة… دفء الضيافة وروح المكان
لا تكتمل زيارة عسير من دون تجربة الضيافة العسيرية الأصيلة. من بيوت الطين التي تحوّلت إلى نُزلٍ فندقية فاخرة في رجال ألمع والمفتاحة، إلى المقاهي الجبلية التي تقدّم القهوة العسيرية برائحة الهيل والزنجبيل. وفي الأسواق الشعبية، يمكنك اقتناء القطع التراثية المطرّزة يدويًا، أو شراء العسل الجبلي المشهور بجودته.
الشتاء في عسير يعني أيضًا الدفء الإنساني؛ فكل لقاء يبدأ بالقهوة وينتهي بابتسامة، وكل ضيف يُعامل كفرد من العائلة. هذا الجانب الإنساني هو ما يجعل عسير أكثر من وجهة سياحية… إنها تجربة حياة كاملة.

نصائح للمسافرين إلى عسير في الشتاء
ينصح بزيارة المنطقة بين شهري نوفمبر ومارس حيث تكون الأجواء باردة ومنعشة، مع احتمال تساقط الأمطار في بعض الأيام. احرص على ارتداء ملابس دافئة وأحذية مريحة للمشي بين القرى الجبلية.
من الأفضل حجز التلفريك والمواقع الشهيرة مسبقًا، خصوصًا في عطلات نهاية الأسبوع، إذ تشهد المدينة إقبالًا كبيرًا من الزوار المحليين والسياح. كما يُفضل تخصيص يوم كامل لزيارة رجال ألمع، ويوم آخر لاكتشاف السودة والمفتاحة وحدائق أبها.

ختام الرحلة… سحر لا يزول
في شتاء عسير، لا تتكرّر المشاهد مرتين. فكل صباح يحمل لونًا جديدًا من الضباب، وكل مساء يروي قصة مختلفة بين الجبال. هي منطقة تجمع بين الجمال الطبيعي والعمق الثقافي في توازن نادر. من قمم السودة الملبدة بالغيوم إلى شارع الفن المضاء بالألوان، ومن القرى التاريخية إلى المقاهي الحديثة، كل زاوية في عسير تذكّرك أن الجمال ليس في المكان فقط، بل في الإحساس الذي يتركه فيك.
عسير ليست مجرد رحلة، بل تجربة تظل عالقة في الذاكرة، تعيدك كل شتاء إلى ذلك الهواء البارد الذي يحمل رائحة البنّ والطمأنينة.
فهل أنتي مستعدة لتعيشين شتاءً مختلفًا بين الغيم والقمم.. عسير بانتظارك.
