
تجارب لا تُنسى في مهرجان نبض العُلا.. الطبيعة تروي قصصها بالألوان والصوت
في قلب الصحراء التي تختزن ذاكرة العصور، تعود العُلا هذا الخريف لتنبض من جديد. فمع نهاية أكتوبر 2025، تبدأ المحافظة السعودية التي أسرت العالم بجمالها الطبيعي وسحر تاريخها فصلاً جديدًا من فصول الإبداع، عبر النسخة الخامسة من مهرجان “نبض العُلا” الذي يستمر من 24 أكتوبر حتى 1 نوفمبر 2025.
تسعة أيام يعيشها الزوّار بين الجبال والرمال والنقوش القديمة، حيث تمتزج الرياضة بالفن، والمغامرة بالتراث، والطبيعة بالحياة.
العُلا... مدينة تنبض بالإلهام
كل شيء في العُلا يحمل نغمة مختلفة، من جبل الفيل الذي يقف شامخًا كحارسٍ على أطراف الوادي، إلى مدرج البلدة القديمة الذي يعيدك إلى لحظاتٍ من التاريخ الحي، وحتى مبنى مرايا الذي يعكس السماء والرمال في مشهدٍ فنيٍ لا يشبه سواه.
ولذلك، حين ينطلق مهرجان “نبض العُلا”، لا يكون الأمر مجرد سلسلة فعاليات، بل رحلة في الجمال الإنساني والطبيعي. إنه فصل من فصول الحكاية السعودية الكبرى، التي تكتبها العُلا بحروفٍ من ضوء وصوت وإبداع.

انطلاقة تملأ المكان بالحياة
في الليلة الافتتاحية، تبدأ العُلا بالعزف على أوتار الطبيعة. تتلألأ الأضواء بين الجبال، وتصدح الموسيقى وسط الوادي، في مشهد يجمع بين الفن والطبيعة في سيمفونيةٍ من الجمال. هذا الافتتاح ليس مجرد احتفال، بل إعلان بأن الشتاء في العُلا لا يعني السكون، بل ولادة نبضٍ جديد في قلب المملكة.
رياضة بروح المغامرة
عشّاق الرياضة والمغامرات سيكونون هذا العام على موعدٍ مع تجارب لا تتكرر. في 25 أكتوبر، ينطلق “نصف ماراثون العُلا” في أجواءٍ تشبه لوحة حية تجمع العدّائين من مختلف الأعمار والمستويات. وبين مساراتٍ تمرّ عبر الجبال والوديان، يتحوّل الماراثون إلى رحلة استكشاف بقدر ما هو سباق قوة وتحمل.

أما عشاق التحدي الحقيقي، فموعدهم مع سباق “العُلا للتحمّل – 24 ساعة”، الذي يُقام من 31 أكتوبر حتى 1 نوفمبر في مضمار قرية مغيراء للرياضات التراثية. هناك، يختبر المشاركون حدود طاقتهم في سباقٍ يستمر يوماً كاملاً، سواء بشكل فردي أو ضمن فرق، وسط طبيعةٍ تحفّز العزيمة وتختبر الصبر.
ولمن يبحثون عن المغامرة متعددة الأبعاد، تأتي فعالية التحدي الثلاثي (Triathlon) في وادي عشار، حيث يلتقي الجري والسباحة وركوب الدراجات في تجربةٍ تجمع الشغف الرياضي بالمناظر الخلابة. أما فعالية “داوثلون العُلا” التي تنطلق من المتنزه الشتوي، فتقدّم نموذجًا آخر لتجربةٍ تجمع الحركة بالاكتشاف، لتؤكد أن العُلا ليست فقط متحفًا مفتوحًا، بل ملعبًا طبيعيًا لعشاق الحياة.
الدراجات بين الجبال والرمال
ومع نهاية أكتوبر، يستعد عشاق الدراجات لمغامرةٍ فريدة في مخيم خاص بالدراجين. بين الكثبان والرمال الذهبية، تنطلق جولات ميدانية تسمح للمشاركين بملامسة جمال التضاريس وعيش التجربة بكامل تفاصيلها.
ليس ذلك فحسب، بل تتضمن الفعالية ورش عمل متخصصة لتطوير مهارات القيادة والتعامل مع التضاريس المختلفة، ما يجعلها تجربة تجمع بين الرياضة والتعلم والتأمل في جمال المكان.

تراث يتحدث بلغة العصر
لكن “نبض العُلا” لا يقتصر على المغامرات، بل يحمل رسالة ثقافية عميقة تعيد ربط الإنسان بجذوره. فبين كل سباقٍ وآخر، يجد الزائر نفسه في قلب تجارب تراثية وثقافية تروي تاريخ المنطقة بلغة الفن الحديث.
في جبل عِكمة، الملقب بـ “المتحف المفتوح في الهواء الطلق”، يمكن للزوار قراءة النقوش القديمة التي تحكي قصص الشعوب التي عاشت هنا قبل آلاف السنين. بينما في الحِجر، أول موقع سعودي يُدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو، يعيش الزائر تجربة روحانية بين المقابر المنحوتة والواجهات الصخرية المهيبة.
وفي كل زاوية من العُلا، يتجلى التوازن بين الماضي والمستقبل؛ فالمهرجان لا يكتفي بعرض التاريخ، بل يعيد صياغته بطريقةٍ تجعل التراث تجربةً معاصرة حيّة.

نبض الحياة في كل زاوية
في “نبض العُلا”، كل لحظة مصمّمة لتلامس الحواس. الأطفال يجدون في الحدائق فعاليات تفاعلية تُنمّي خيالهم، والعائلات تتنقل بين العروض الثقافية والأسواق التراثية، والمغامرون يجدون في الوديان دروبًا جديدة للاكتشاف.
ولأن المهرجان يقام في أحضان الطبيعة، فإن الزائر يعيش تجربةً متكاملة تبدأ من لحظة وصوله، مرورًا بالأنشطة اليومية، وحتى سهرات المساء التي تتزيّن فيها العُلا بالموسيقى والأنوار والضحكات.
العُلا على خريطة السياحة العالمية
بهذا التنوع اللافت، يؤكد مهرجان “نبض العُلا” مكانة المحافظة كأحد أبرز المحركات السياحية والثقافية في المملكة، ووجهة تستقطب الزوار من أنحاء العالم بفضل قدرتها على المزج بين الأصالة والابتكار.
فالطبيعة هنا ليست خلفية، بل شريك في التجربة. والجمال ليس مشهدًا صامتًا، بل لغة ترويها الجبال والنقوش والألحان.

حيث تبدأ الحكاية
مع انتهاء المهرجان في الأول من نوفمبر، لا يغادر الزائر العُلا كما جاء. فالتجربة تترك في داخله صدى لا يُنسى — من سكون الصحراء وقت الفجر، إلى صخب الماراثون عند الغروب، ومن دفء اللقاءات حول النار، إلى الإعجاب الصامت أمام حجارةٍ نطقت بالتاريخ.