سفاري شرعان.. دليلك لمغامرة استثنائية بين صخور العلا الخالدة

سفاري شرعان.. دليلك لمغامرة استثنائية بين صخور العلا الخالدة

محمد حسين

في عمق صحراء العلا، وتحديدًا في محمية شرعان المذهلة، تولد تجربة سفاري فريدة من نوعها تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والطبيعة. ليست مجرد جولة بسيارة دفع رباعي، بل هي رحلة تتجاوز حدود الترفيه لتلامس روح الاكتشاف، حيث تعانق الرمال الذهبية صخورًا نحتتها آلاف السنين، وتشكل مساراتها تجارب تأملية لا تنسى.

منذ لحظة الانطلاق من مركز هوساك في العلا، يبدأ الزوار في مغامرة تحتضن كل مفردات الجمال الطبيعي، حيث تتبدّل التضاريس وتتشكل أمام العيون لوحة صخرية مفتوحة. عند دخول محمية شرعان، يتوقف الزمن، ويتحوّل المكان إلى مسرح مفتوح للحياة البرية، يُروى دون كلمات، وتُحكى قصصه بنبض الطبيعة.

تجربة تخطف الأنفاس

بين التكوينات الصخرية التي تخطف الأنفاس، تُعد صخرة القوس إحدى المحطات الأيقونية في الرحلة. تُعرف هذه الصخرة أيضًا باسم "صخرة قوس قزح"، وهي تشكيل جيولوجي فريد يبدو كأنه خرج من صفحات رواية خيالية. عند الوقوف أمامها، يشعر الزائر بأنه أمام عمل فني مذهل، صاغته الطبيعة دون أدوات، بل بالصبر والزمن فقط.

أجواء خيالية لا مثيل لها بانتظار عشاق المغامرة في محمية شرعان
أجواء خيالية لا مثيل لها بانتظار عشاق المغامرة في محمية شرعان

تمنح جولة السفاري في شرعان زوارها إحساسًا لا يُشبه أي تجربة أخرى. الهدوء هنا ليس صمتًا بل موسيقى تُعزف بأنفاس الرياح وهمسات الرمال. وفي لحظات التأمل وسط هذا الجمال البكر، تبدأ الحياة البرية في الكشف عن نفسها؛ من الطيور التي تحلق في السماء، إلى آثار أقدام الغزلان التي تروي قصة مرورها في الصباح الباكر.

جمال التجربة لا يقتصر على المشاهد الطبيعية، بل يمتد إلى التفاعل الحي مع دليل سياحي محلي يمتلك من المعرفة والخبرة ما يحوّل كل محطة في الجولة إلى فصل من كتاب مفتوح عن أسرار العلا. بصحبة هذا الدليل، لا تكتفي برؤية المكان، بل تتعرّف على تفاصيل تكوينه، وتاريخه، وما يجعل كل صخرة فيه تحمل بصمة الماضي.

رحلة لا مثيل لها

ومن خلال عبور مسار "مداخيل" الخلاب، يستمر السحر. هذا المسار، الذي يربط بين عدد من التكوينات الطبيعية داخل المحمية، يأخذ الزائر إلى أعماق مناطق لم تطأها الأقدام إلا نادرًا. تتبدل الألوان بين البرتقالي والذهبي، وتزداد التكوينات تعقيدًا وجمالًا، كأنها قصيدة مرئية لا تنتهي أبياتها.

سحر المغامرة في محمية شرعان
سحر المغامرة في محمية شرعان

كل لحظة في هذه الجولة مصممة بعناية. منذ لحظة الانطلاق، وحتى نهاية الرحلة، يشعر الزائر بأنه في حضن الطبيعة، لكن برعاية احترافية. لذلك يُنصح بإحضار حقيبة ظهر خفيفة، وأحذية تدعم الكاحل، وسترة مناسبة للطقس، وواقي شمس، وأي أدوية شخصية قد يحتاجها الزائر، لتكتمل الراحة مع المتعة.

جولة شرعان ليست مفتوحة للجميع بشكل مطلق، إذ يجب أن يكون عمر المشاركين 18 عامًا أو أكثر، أو بصحبة شخص بالغ. كما أن مرونة الجولة تأخذ بعين الاعتبار تغيرات الطقس أو ظروف الطرق، مع إشعار المشاركين بأي تعديلات محتملة.

تجربة سفاري استثنائية

لكن ما يجعل تجربة سفاري شرعان استثنائية حقًا هو الشعور العميق بالتواصل مع الأرض. إنها ليست رحلة استكشافية فقط، بل فرصة لإعادة ضبط الإيقاع الداخلي، والانسجام مع الحياة بصورتها الأوّلية. إن كنت من عشّاق المغامرة، أو الباحثين عن السكون في قلب الطبيعة، فهذه التجربة كُتبت لك.

العلا، بهذه الجولة، لا تكتفي بأن تكون موقعًا جغرافيًا، بل تتحوّل إلى تجربة روحية. عند العودة من المحمية، لا يعود الزائر كما كان، بل محمّلًا بذكريات تتجاوز الصور الفوتوغرافية، لتستقر في القلب والعقل.

تجربة مميزة تنتظرعشاق المغامرة في أحضان محمية شرعان
تجربة مميزة تنتظرعشاق المغامرة في أحضان محمية شرعان

في نهاية الرحلة، وقبل مغادرة المحمية، يقف الزائر للحظة يتأمل الأفق، حيث يذوب لون الشمس في الرمال، وتتمازج الأحجار مع السماء. هذا هو مشهد الوداع من شرعان؛ مشهد يخبرك بأنك كنت جزءًا من قصة أكبر، قصة الطبيعة حين تُمنح المساحة لتتكلم.

إنها تجربة لا تُقاس بالوقت، بل بما تتركه من أثر. سفاري شرعان ليست مجرد نشاط سياحي، بل قصيدة مكتوبة بالرمل والصخر والسكينة، تنتظر من يقرأها بقلبه لا عينيه فقط.

كيف تقضي يومًا مثاليًا في محمية شرعان؟

لقضاء يوم ممتع في محمية شرعان، من الأفضل أن تبدأ صباحك مبكرًا لتستمتع بأجواء الصباح الباردة وصفاء السماء. انطلق بجولة استكشافية على متن سيارات الدفع الرباعي، ولكن لا تتوقف عند هذا الحد. احرص على إحضار منظار لرصد الطيور، فالمحمية موطن لأنواع نادرة قد لا تراها في أي مكان آخر.

سحر الطبيعة الخلابة في محمية شرعان الطبيعية
سحر الطبيعة الخلابة في محمية شرعان الطبيعية

خلال فترات التوقف، جرّب المشي لمسافات قصيرة واستمتع بتأمل التكوينات الصخرية عن قرب، ولا تتردد في سؤال دليلك عن القصص التاريخية المرتبطة بهذه الصخور والمناطق. إذا كنت من محبي التصوير، فستجد في كل زاوية إطارًا فنيًا ينتظر العدسة المناسبة.

خصص وقتًا للتأمل، اجلس في أحد المواقع المرتفعة، خذ نفسًا عميقًا، ودع الصمت يتحدث إليك. تأمل الأفق البعيد، واستمع لصوت الرياح، ودوّن مشاعرك إن رغبت، فالمكان يُلهم.

أنشطة المغامرة التي يمكن الاستمتاع بها في شرعان

إلى جانب الجولات الاستكشافية، يمكن لعشاق المغامرة خوض تجربة التسلق الخفيف على بعض التكوينات الصخرية، أو السير على مسارات غير ممهدة لمحبي الهايكينغ. كما أن بعض الزوار ينظمون جلسات يوجا وتأمل جماعية في ساعات الصباح الأولى أو عند الغروب.

في فترات معينة من السنة، تقام فعاليات تعليمية مصغّرة داخل المحمية تتعلق بالحياة البرية، وتقنيات التخييم البيئي، والتصوير الصحراوي، ما يجعلها فرصة رائعة لاكتساب مهارات جديدة.

ولا ننسى أن غروب الشمس في شرعان يشكّل عرضًا طبيعيًا ساحرًا، حيث تتغير ألوان الصخور والرمال مع كل دقيقة. لذا، احتفظ بوقتك هناك حتى اللحظات الأخيرة من النهار، لتودّع المكان على مشهد ذهبي لا يُنسى.

نقوش تاريخية خالدة
نقوش تاريخية خالدة

مصدر الصور: روح السعودية