
متحف دار الفنون الإسلامية في جدة.. اكتشفي سحر الفنون الإسلامية في قلب عروس البحر الأحمر
في قلب مدينة جدة، وتحديدًا داخل مركز "جدة بارك"، ينبض متحف دار الفنون الإسلامية بروح الحضارة الإسلامية وجمالياتها الخالدة. هو ليس مجرد متحف بالمعنى التقليدي، بل نافذة حية على قرون من الإبداع والابتكار والفكر المستنير الذي ميّز الفنون الإسلامية منذ بزوغ فجرها وحتى يومنا هذا.
يُعد المتحف الأول من نوعه في المملكة المتخصص كليًا في الفن الإسلامي، ويضم أكثر من ألف قطعة فنية وأثرية نادرة، تم جمعها بعناية من مختلف العصور والمناطق التي ازدهرت فيها الثقافة الإسلامية، ليقدّم للزائر تجربة ساحرة تسافر به بين المدن والقرون، وتُعرّفه على القيم الجمالية والفكرية والاجتماعية التي تشكلت في ظل الحضارة الإسلامية.

أكثر من ألف قطعة تروي قصة حضارة
كل زاوية في هذا المتحف تهمس بقصص من الماضي. من أوانٍ خزفية بسيطة تعود لمئات السنين إلى مصاحف خطّت بأنامل متقنة، يجد الزائر نفسه محاطًا بعالم متكامل من الفنون التي تجاوزت دورها الوظيفي، لتتحول إلى تحف فنية تعبّر عن روح العصر، وخصوصية المجتمعات التي نشأت فيها.
القطع المعروضة لا تقتصر على الجانب الجمالي فقط، بل تحمل أبعادًا معرفية وثقافية وتاريخية. هي مفاتيح لفهم كيف كان الناس يعيشون ويفكرون ويبدعون، وكيف استطاعت الفنون الإسلامية أن تتأقلم مع تغيرات العصور مع الحفاظ على أصالتها وفرادتها.

فن الخزف والزجاج.. حيث الجمال يلتقي بالبدايات
يأخذنا المتحف في بدايته إلى عالم الخزف والزجاج، حيث تُعرض مجموعة فريدة من القطع التي تمثل المراحل الأولى من تطوّر هذه الحرف، والتي يعود بعضها إلى القرن الأول الهجري. تُظهر هذه المعروضات كيف تحوّلت الفخاريات من أدوات بسيطة إلى أعمال فنية مزخرفة تعكس الذوق الرفيع لفناني تلك العصور.
الزجاج الإسلامي كذلك له حضوره اللافت، حيث يمكن ملاحظة التنوع الكبير في الأشكال والألوان والتقنيات، ما يعكس معرفة المسلمين الدقيقة بخصائص المواد، وحرصهم على توظيفها في صناعة أدوات يومية لا تخلو من الجمال.

كنوز المعادن.. إبداع هندسي وروح زخرفية
في جناح المعادن، تتجلّى براعة المسلمين في التعامل مع المواد الصلبة، وتحويلها إلى تحف فنية تبهرك بتفاصيلها ودقتها. تُعرض أدوات ومشغولات كانت تُستخدم في الحياة اليومية، لكنها تنبض بذوق رفيع وزخارف متقنة، تدل على تداخل الجانب الفني مع الوظيفي في الثقافة الإسلامية.
سواء كانت أواني معدنية مزخرفة أو أدوات حربية أو تحف زينة، فإن كل قطعة تروي قصة عن مهارة الحرفيين، وتُظهر كيف لعب الفن دورًا أساسيًا في حياة الناس حتى في أبسط تفاصيلهم.

المسكوكات الإسلامية.. تاريخ بين راحة اليد
من أبرز التجارب التي يقدمها المتحف هو جناح المسكوكات الإسلامية، حيث تتاح للزائر فرصة فريدة لمشاهدة تطوّر العملات النقدية الإسلامية منذ العصر النبوي وحتى العصر الحديث. ويضم المتحف قطعًا نادرة من الذهب والفضة والنحاس، استخدمت في مختلف بقاع العالم الإسلامي.
من بين هذه العملات، تبرز قطع تم نقشها بكلمة "نجد" بناءً على توجيه من الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – وهي شهادة مادية على مرحلة دقيقة في بناء الدولة السعودية وتوحيدها.

تأثير الفنون الإسلامية على العالم
يركّز المتحف أيضًا على البعد العالمي للفن الإسلامي، من خلال استعراض كيف انتشرت عناصره الجمالية إلى أوروبا وآسيا، وتأثرت به حضارات عديدة. يعرض هذا الجناح قطعًا وأمثلة على التبادل الثقافي بين المسلمين والغرب، منها هدايا بعث بها حكام مسلمين إلى ملوك أوروبا، أو مقتنيات وصلت إلى الغرب بفضل التبادل التجاري والثقافي، لتصبح لاحقًا مصدر إلهام للفنانين الأوروبيين في العصور الوسطى وما بعدها.
هذه التجربة تكشف أن الفن الإسلامي لم يكن منغلقًا، بل كان حيًا، متحركًا، ومؤثرًا في ثقافات العالم.

الخط العربي والمخطوطات القرآنية.. روحٌ مكتوبة
من أروع محطات الجولة داخل المتحف، جناح المخطوطات، الذي يحتفي بجمال الخط العربي كأحد أرقى أشكال التعبير الفني في الحضارة الإسلامية. هنا، تعرض صفحات من القرآن الكريم كُتبت بخطوط مختلفة، وبتنسيقات بديعة، يعود بعضها إلى قرون مبكرة من التاريخ الإسلامي.
كما يعرض المتحف ألواحًا خشبية استخدمت في تحفيظ القرآن، كانت تُكتب وتُمسح مرارًا، في مشهد يعكس التقاليد التعليمية التي حافظت على كتاب الله عبر العصور.

كسوة الكعبة والمنسوجات المقدّسة
في هذا الجناح، يتوقف الزمن أمام روعة المنسوجات الإسلامية، وبالأخص تلك المتعلقة بالحرم المكي والنبوي. تُعرض قطع من كسوة الكعبة، وستائر استخدمت في المساجد والأبواب المقدسة، منها نموذج من ستارة الباب الشامي في المدينة المنورة تعود للعهد العثماني.
هذه القطع لا تُظهر فقط جماليات التصميم، بل تعبّر عن عمق التقديس الذي يكنّه المسلمون للأماكن المقدسة، وتجسّد فخامة الحرفية الإسلامية في النسيج والزخرفة والخط.

مكتبة تنبض بالمعرفة
تُختتم زيارة المتحف بمحطة لا تقل أهمية، وهي مكتبة المتحف، التي تحتضن مجموعة مميزة من الكتب والمراجع باللغتين العربية والإنجليزية. تشمل هذه الكتب موضوعات متنوعة عن التاريخ الإسلامي، والفن، والعلوم، والأدب، مما يجعلها مصدرًا ثريًا للباحثين والمهتمين وكل من يرغب في التعمّق أكثر في فهم حضارة المسلمين من جوانبها المختلفة.
لماذا عليك زيارة متحف دار الفنون الإسلامية؟
لأنه يقدم تجربة أصيلة، نابضة بالهوية، مليئة بالاكتشاف والمعرفة والجمال. زيارة هذا المتحف ليست مجرد جولة سياحية، بل رحلة إنسانية وثقافية تعيد وصل الزائر بجذور تاريخية وروحية عميقة، وتمنحه نظرة جديدة إلى فنون أمة أثرت البشرية في كل المجالات