
فنادق تراثية ساحرة لعشاق الأصالة في المملكة.. إجازة عيد الأضحى بنكهة الماضي وروح الضيافة
في عصر تتسارع فيه مظاهر الحياة العصرية وتتعدد فيه الخيارات السياحية الفاخرة، يبقى للأصالة سحر لا يُضاهى، وللأماكن التراثية وقع خاص في قلوب الباحثين عن العمق، والهوية، وعبق الماضي. وبين أزقة الحارات القديمة، وأبواب البيوت العتيقة، ونقوش الجدران التي تحكي حكايات الزمن، تنتشر في المملكة العربية السعودية مجموعة من الفنادق التراثية التي أُعيد إحياؤها بعناية، لتكون محطات إقامة فريدة لعشاق الأصالة، دون أن تغفل عن مفردات الفخامة والراحة المعاصرة.
ومع اقتراب عطلة عيد الأضحى المبارك، تشكل هذه الفنادق التراثية خيارًا استثنائيًا لمن يبحثون عن تجربة سفر مختلفة، تمزج بين الروحانية، والهدوء، والحنين، مع ضيافة راقية تنبض برائحة القهوة العربية وصوت الأبواب الخشبية الثقيلة.
في هذا المقال، نأخذك في جولة إلى خمس فنادق تراثية ساحرة في أنحاء المملكة، حيث يمكنك أن تعيش لحظات العيد بروح تقليدية، في أماكن تحمل بين جدرانها عبق التاريخ وجمال الحاضر.
بيت جوخدار – جدة.. رفاهية مستوحاة من عبق التاريخ
في قلب حي البلد بجدة، يقع بيت جوخدار كأحد أبرز البيوت التراثية التي تحوّلت إلى وجهة إقامة بوتيكية تحمل ملامح الزمن الجميل وروح المعاصرة.
يعود بناء المنزل إلى القرن التاسع عشر، وقد خضع لعملية ترميم دقيقة حافظت على تفاصيله الأصلية من النقوش الخشبية والزخارف الجدارية، بينما أُضيفت لمسات معمارية ذكية تواكب متطلبات الراحة العصرية دون المساس بروح المكان.

يضم البيت تسع وحدات فندقية تتنوع بين غرف وأجنحة فاخرة، مثل "جناح دار نيم" و"الجناح الملكي"، وكل منها مصمم بأسلوب مختلف يعكس جزءًا من تراث الحجاز، مع أثاث تقليدي وأقمشة ذات نقوش عربية أصيلة. الحمامات مزوّدة بتجهيزات حديثة، بينما الأرضيات والسقوف الخشبية تنقلك إلى أجواء البيوت الحجازية التقليدية.
خلال عيد الأضحى، يمكن للزوار الاستمتاع بجلسات الشاي في الفناء الداخلي الذي تظله شجرة نخيل، أو المشاركة في ورش ثقافية وندوات عن تاريخ جدة.
كما يوفّر البيت خدمات ضيافة راقية تشمل الفطور الحجازي التقليدي، وتنظيم جولات في المنطقة التاريخية بإشراف مرشدين محليين.

فندق باب سمحان – الدرعية.. التاريخ في قلب العيد
في قلب حي الطريف التاريخي، المدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، يقع فندق باب سمحان كتحفة معمارية تمثل التقاء العمق التاريخي للفترة النجدية مع الرفاهية المعاصرة.
يتبع الفندق مجموعة فنادق "ماندارين أورينتال"، ويقدم تجربة إقامة فريدة وسط أزقة الدرعية الطينية، حيث تتوزع الغرف على مبانٍ تراثية تم ترميمها وفق أعلى المعايير، مع الحفاظ على الطابع النجدي التقليدي في كل زاوية، من الأقواس المزخرفة إلى الأبواب الخشبية المزينة بالنحاس.

خلال عطلة عيد الأضحى، يتحول الفندق إلى ملاذٍ للمحتفلين الذين يبحثون عن الهدوء والأصالة، مع جلسات عربية في الباحات، ووجبات تقليدية مطورة تُقدّم في مطاعمه الأنيقة، بالإضافة إلى العروض الثقافية التي تُحيي روح العيد وتُعيد الزائر إلى أجواء العيد النجدي قبل قرون.
من اللحظة التي يعبر فيها الضيوف أبواب الفندق الطينية المهيبة، يبدأون رحلة مميزة تأخذهم في أجواء نجد الأصيلة. تُستقبلهم حفاوة الضيافة السعودية في مجلس تقليدي يعبق برائحة القهوة السعودية وعبير التمر والحلويات المحلية. كل تفصيل، من تصميم الغرف المستوحى من النقوش النجدية إلى الخدمة الراقية، يُعيد إحياء التراث النجدي بطريقة عصرية.
يضم الفندق ثلاثة مطاعم فريدة، أبرزها مطعم "جريد" الذي يُقدم الأطباق النجدية التقليدية بلمسة حديثة، ومطعم "تليد" بإشراف الشيف العالمي ميشيل مينا، حيث تُزهر نكهات البحر المتوسط بحُلّة مستوحاة من التراث المحلي.
للباحثين عن الراحة، يقدم الفندق "سبا إيرثن"، واحة من السكينة تضم علاجات مستوحاة من الطبيعة والتقاليد المحلية. أما عشاق اللياقة، فبإمكانهم استكشاف مسارات المشي والجري في طبيعة الدرعية برفقة مرشدين متخصصين، أو الاستمتاع بمرافق رياضية حديثة.

يجمع فندق باب سمحان بين الفخامة والدفء في تجربة شاملة تكرّم التراث وتحتفي بالحاضر، ليُصبح محطة لا غنى عنها للزوار الباحثين عن تجربة مفعمة بالأصالة والجمال.
باب سمحان ليس مجرد فندق، بل بوابة تنفتح على تاريخ الدرعية، حيث يمكن للزوار من كل أنحاء العالم أن يعيشوا تجربة لا تُنسى بين عراقة الماضي وفرص المستقبل.
بيت الريّس – جدة.. نوافذ مفتوحة على زمنٍ فات
بيت الريّس هو أحد الكنوز المعمارية في قلب جدة التاريخية، ويتميّز بواجهته الخشبية المزينة بنوافذ "روشان" الشهيرة التي تتيح مرور الضوء وتمنح الخصوصية في آنٍ معًا. يعود بناء هذا البيت التراثي إلى أكثر من 150 عامًا، وقد أعيد تأهيله ليكون بمثابة ملاذ فندقي يدمج بين جمالية التصميم الحجازي والراحة العصرية.

يحتضن البيت مجموعة من الغرف الواسعة ذات الأرضيات الحجرية التقليدية، والمفروشات المصنوعة يدويًا بألوان ترابية مريحة. التفاصيل المعمارية من أعمدة خشبية وأسقف مزخرفة تحكي حكاية عائلة الريّس التي سكنت هذا البيت لعقود. في الزوايا تجد مكتبة صغيرة تحتوي على كتب عن تاريخ الحجاز، فيما تمتزج الأصوات القادمة من الخارج بنبض المدينة القديمة.
في عيد الأضحى، يوفر البيت لضيوفه تجربة فريدة تتجاوز الإقامة، إذ تُقام فعاليات موسمية تشمل عروضًا للموسيقى الحجازية التقليدية، وتذوق أطباق من التراث المحلي مثل "السليق" و"الدغابيس". كما يُنظم البيت جولات مشي تبدأ من عتبته وتستكشف الحارات المحيطة والأسواق القديمة مثل سوق الندى.

فندق "دار طنطورة" - العلا.. سحر التراث والتاريخ
فندق "دار طنطورة" الذي فتح أبوابه لاستقبال زوار بلدة العلا القديمة، يقدم لضيوفه تجربة إقامة فاخرة وسط المعالم التراثية والمشاهد الطبيعية المذهلة في قلب المنازل التاريخية.
يتكون فندق "دار طنطورة" والذي سُمي تيمناً بـ "طنطورة العلا" المزولة الشمسية الشهيرة، من عدة مباني تقليدية مصنوعة من الطين في البلدة القديمة تم ترميمها بمنتهى الدقة والعناية لتتحول إلى أماكن إقامة فاخرة على الطراز البوتيكي، حيث تم إعادة بنائها باستخدام الأدوات التقليدية ودمجها مع تقنيات الهندسة الحديثة، ويتميز بتصاميم فنية تُحاكي التراث المحلي وأجواء تنبض بالحياة في منازل البلدة القديمة.

ويقع فندق دار طنطورة الصديق للبيئة على طرف البلدة القديمة في مباني طينية تراثية تم ترميمها لتوفير تجربة إقامة عصرية بأجواء تاريخية، فما بين المناظر الجبلية الخلابة التي أبدعتها الطبيعة على مدى قرون، شيد فندق طنطورة على نسق تراثي يمزج الأصالة بالحداثة، ما يعزز من جاذبية العلا للضيوف كافة.
يضم فندق "دار طنطورة" 30 غرفة، تتميز بديكورات بسيطة مع لمسات عصرية مريحة، والتي تم تصميمها على الطريقة التراثية التقليدية في بناء منازل العلا قديما، حيث تم الاعتماد بشكل أساسي على تحقيق عناصر الاستدامة في مختلف تفاصيل البناء والتطوير للمباني التي يضمها الفندق.
ويتيح الفندق لضيوفه تجربة العيش في وسط التراث الغني لمدينة العلا القديمة التاريخية، حيث يعيد لزواره ذكريات المنازل السعودية القديمة المبنية من الطوب من خلال ديكوره الداخلي الذي يضم عناصر فنية وقطع أثاث موقعة من مبدعين وحرفيين محليين.

بيت كدوان – جدة.. تراثٌ ينبض بالفخامة في حي البلد
يمتاز بيت كدوان بموقع استراتيجي في قلب جدة التاريخية، ويُعد من البيوت التي احتُفظ فيها بجمال التفاصيل المعمارية الأصيلة، مع لمسات راقية جعلت منه أحد أبرز الوجهات الفندقية التي تقدم تجربة إقامة بطابع ثقافي وتراثي متكامل. تصميم البيت يستحضر روح المنازل الحجازية الأصيلة، مع نوافذ خشبية كبيرة، وزخارف تقليدية على الجدران، وأبواب خشبية ثقيلة تُفضي إلى غرف ذات طابع فخم.

يضم البيت وحدات إقامة تتراوح بين الغرف الديلوكس والغرف التنفيذية والمنزل الكامل، وتتميز جميعها بمساحات واسعة، وأسِرّة بأقمشة فاخرة، وإنارة دافئة تخلق جوًا حميميًا. توفر التراسات إطلالات ساحرة على أزقة البلد، وتُعد مثالية لاحتساء القهوة عند شروق الشمس أو تأمل الغروب في أجواء روحانية خلال أيام العيد.
بيت كدوان لا يقتصر على الإقامة، بل يقدم أنشطة ثقافية مثل العروض القصصية عن تاريخ جدة، وورش عن الخط العربي والزخرفة التقليدية. كما يوفّر لضيوفه خدمة تناول وجبات حجازية أصيلة في فناء داخلي يشبه المجالس العربية، ما يجعل من العيد تجربة أصيلة تنغمس فيها بجميع الحواس.

لماذا نختار الفنادق التراثية في عطلة العيد؟
إن اختيار فندق تراثي لقضاء عطلة عيد الأضحى ليس مجرد قرار يتعلق بالإقامة، بل هو رحلة داخل الزمان والمكان، حيث تلتقي روحانية المناسبة بعراقة البيئة. فهذه الفنادق تُعيدنا إلى أبسط مفردات الحياة، وتجعلنا نلمس معنى الضيافة السعودية التي لا تغيّرها السنين.
كما أن هذه الوجهات تناسب العائلات والأزواج على حد سواء، حيث يجد كل فرد ما يناسب ذوقه: من الأجواء التقليدية، إلى الفعاليات التراثية، إلى جلسات الراحة والتأمل. والأهم أنها تدعم السياحة الداخلية المستدامة، وتحافظ على الهوية الثقافية للمملكة في زمن التحديث السريع.

عيدك… بين جدران تحكي الحكاية
في فنادق المملكة التراثية، لا تنام الأبواب دون أن تهمس لك بحكاية، ولا تسير في ممر دون أن تشعر بخطى من سبقوك. وبينما تحتفل بعيد الأضحى هذا العام، جرّب أن تجعله مختلفًا… في بيت طيني قديم، أو بين جدران مشربية عتيقة، أو في باحة مليئة برائحة القهوة وصوت العيديات.
إنها ليست مجرد إقامة، بل عودة إلى الجذور، ورحلة داخل الهوية، وفرصة لعيش العيد كما عاشه الأجداد… ولكن بروح العصر وأناقة الذوق.