
7 بيوت ثقافية في عمّان.. تنبض بالتاريخ وتهمس بالفن
في كل رحلة، أبحث عن الأماكن التي تحتفظ بروحها. لا تشدّني المعالم بقدر ما تستوقفني البيوت التي عاشت، وتكلّمت، واحتفظت بصدى من مرّوا بها. وفي زيارتي الأولى إلى عمّان، وجدت في بيوتها الثقافية أكثر من مجرد حوائط؛ وجدت مساحات تنبض بالفن، وتحتضن الذاكرة، وتروي حكايات لا تنتهي.
بين جبل عمّان وجبل اللويبدة، تاهت عيناي في تفاصيل البيوت الحجرية وإطلالاتها المدهشة. كل بيت كان محطة، كل زاوية رواية. تم تحويل غالبية البيوت الثقافية في عمّان إلى صروح تُشبع الروح المتعطشة للفن، وتأسرك بروائحها الطبيعية، وتدهشك بما تقدمه من دفء، وكرم، وتجربة ثقافية متكاملة.
هذه القائمة ليست محاولة لتأريخ المدينة، بل دعوة لاكتشاف محطاتها الثقافية لكل من ينهل من الفن ويعشق الحكاية.
دارة خالد شومان للفنون ... 6 بيوت ثقافية تشكل الذاكرة

على جبل لويبدة، حيث تلتقي الحجارة بالتاريخ وتتشابك الأزمنة في أزقتها، وُلدت دارة الفنون عام 1988 كمأوى للفن والفنانين العرب، وفضاء حرّ يتجاوز حدود الجغرافيا والوقت. بدأت الفكرة بمبادرة ثقافية صغيرة، وتحولت إلى ستة بيوت تراثية وحديقة تنبض بالحياة، تحتضن بقايا كنيسة بيزنطية، وتفتح أبوابها للمعارض والعروض والحوارات الفنية.
تتكوّن دارة الفنون من ستة بيوت تراثية، لكل منها تاريخه ووظيفته التي تُكمل روح المكان. البيت الرئيسي هو الأقدم، شكّل نواة المعارض والفعاليات منذ تأسيس الدارة. أما البيت الأزرق فتميّز بشرفته الشركسية ورُمم ليضم مقهى وصالات عرض إضافية.
الموقع: دارة الفنون

دارة الفنون خالد شومان خُصص لإقامة الفنانين وسُمي تكريمًا لخالد شومان. بينما يُعد بيت المؤسسة المقر الإداري للدارة ويحتضن المجموعة الفنية الدائمة. وأُضيف بيت البيروتي لاحقًا كموقع للمعارض الجديدة. أما The Lab فهو مساحة تجريبية نشأت من مستودعات قديمة، مخصصة لدعم الفنانين الشباب والمشاريع التفاعلية المعاصرة.
الموقع: دارة الفنون
بيت شقير للثقافة والفنون… منزل تُبعث فيه الذاكرة حيّة

بعد أن أُحرِق منزل عائلة خليل شقير في دمشق إبّان الاستعمار الفرنسي، قرر الأب المُعماري الهجرة إلى عمّان، وهناك بنى عام 1927 بيتًا يجاور الطراز الدمشقي الأصيل، يحمل بين جدرانه حكاية نجاة وبدايات جديدة.
ومع صعوبة المعيشة، تحوّل البيت لاحقًا إلى أول مدرسة حكومية للبنات في الأردن، ثم بقي مهجورًا لفترة طويلة. وفي 2005، أعادت الحفيدة فوز شقير الحياة إليه بتحويله إلى مركز ثقافي وفني يُعرف اليوم باسم "بيت شقير للثقافة والتراث" عند المدخل يتم استقبال الضيوف بـ "غرفة الجدة"، حيث تحتفظ العائلة بكل مقتنيات والدة خليل، في مساحة تحاكي الحنين وتحفظ الذاكرة.

يتم تأجير غرف البيت إلى فنانين حيث يحمل كل غرفة طابع فني، هناك ورش لصناعة الناي، وآخرى لعلامة أزياء محلية وآخرى لفنانين ومن المصادفات الجميلة، أن الفنان المعماري حازم خلف — الذي التقيته في زيارة للمكان — هو ذاته من صمّم عدد من مباني بنك الرياض بالمملكة العربية السعودية.
الموقع: بيت شقير
بيت أبو الهدى ينبض من جديد كمؤسسة مماغ… من الوزارات إلى الفنون

سكن توفيق أبو الهدى هذا البيت بعد بنائه بين عامي 1931 و1932، عندما كان سكرتيرًا عامًا لحكومة إمارة شرق الأردن. ومن هذا المكان، شكّل 12 وزارة خلال فترات متقطعة بين 1938 و1955. الواجهة الشمالية للبيت تطل على وسط البلد، وتتميّز بنوافذها القوسية المدببة، التي تعكس طرازًا معمارياً شامياً متأثرًا بعمارة بيروت أواخر العهد العثماني.
واجهة البيت مكوّنة من ثلاث بحور، تتوزع من خلالها الغرف، وتتوسطها الصالة الرئيسية ذات النوافذ الزجاجية الكبيرة التي تطل على جبل القلعة. النوافذ الخضراء ما زالت تحتفظ بأباجوراتها الخشبية الأصلية.

في هذا البيت توفي أبو الهدى منتحرًا أو مشنوقًا، وتحوّل لاحقًا إلى ما عُرف بـ"بيت التاجي" نسبةً إلى عاصم التاجي، زوج ابنته سعاد. استُخدم الطابق العلوي لاحقًا مقرًا لنادي الجزيرة، ثم أصبح اليوم مقرًا لمؤسسة محمد وماهرة أبو غزالة للفن المعاصر (MMAG)، التي أعادت ترميمه وأدمجت معه بيتين مجاورين: بيت قعوار وبيت شمس الدين سامي. اليوم، البيت مساحة نابضة بورش العمل، والإقامات الفنية، ومشاريع الفن المعاصر، يبعث حضوره بعمارته الهادئة والثرية.
الموقع: بيت أبو الهدى
بيت عارف العارف... من شاهدٍ على التحولات السياسية إلى مؤسسة رمّان
بُني البيت عام 1922 وسكنه عارف العارف خلال فترة عمله سكرتيرًا عامًا لحكومة شرقي الأردن بين 1926 و1929. العارف، الذي تنقّل بين ميادين الحرب والسياسة من القوقاز إلى فلسطين، سكن هذا البيت في "عمان الجديدة" قبل أن يُعاد إلى فلسطين لموقفه المعارض للمعاهدة البريطانية الأردنية. لاحقًا، أجّره لعدة سنوات، منها لمستأجر إنجليزي في 1937.

بعد عقود، وتحديدًا في التسعينيات، اشترت رولا عطالله البيت وأعادت له الحياة بحس معماري يحترم تاريخه. واليوم، أصبح مقراً لـمؤسسة رمّان، التي تجمع بين الحرف اليدوية، والمبادرات الاجتماعية، والمقهى الإبداعي. يضم الطابق الأرضي محلات للمجوهرات والإكسسوارات اليدوية، بينما تحوّل الطابق العلوي إلى مطعم ومقهى يحتضن مساحات عمل مفتوحة للفنانين والكتّاب والمبدعين.
البيت يحافظ على ملامحه الأصلية: أقواسه، وبلاطه الإسمنتي الزخرفي، وحديقته التي تعبق برائحة الليمون والرمان، في انسجام دافئ بين روح عشرينيات عمّان ونبض حاضرها الحي.
الموقع: مؤسسة رمّان
دار الأندى... حيث يلتقي الفن بروح عمّان
في قلب جبل اللويبدة، داخل فيلتين تاريخيتين تعودان إلى ثلاثينيات القرن الماضي، أعيد ترميمهما بعناية ليشكّلا مساحة فنية حيّة تطل على وسط البلد وجبل القلعة. يجمع المكان بين جماليات العمارة التقليدية وروح الفن المعاصر، ليكون أحد أبرز المعارض الفنية في عمّان.
تضم الدار مجموعة واسعة من المعارض لأسماء محلية وعربية وعالمية، وتحتوي على واحدة من أهم المجموعات الخاصة للفن الحديث والمعاصر في الأردن، من بينها أعمال لإسماعيل فتّاح، ضياء العزاوي، ومهند الدرة.
بعيدًا عن كونها مجرد معرض، تشكّل دار الأندى مساحة ثقافية نابضة تستضيف أمسيات موسيقية وأدبية وفعاليات ثقافية متنوعة، وتفتح أبواب حدائقها ومنصاتها المفتوحة أمام التأمل والتفاعل، لتصبح ملتقى للإبداع والناس من مختلف الخلفيات.

الموقع: دار الأندى
بيت سيروب .. من اللجوء إلى مذاقات شهية
هربًا من مجازر الأرمن، لجأت عائلة سيروب أنتيكجيان إلى الأردن، حيث بدأ الأب رحلته سائقًا لرئيس الوزراء رضا باشا الركابي، ثم أسس مكتبًا للسفريات كان يربط عمّان بحيفا وبغداد، قبل أن يتحول لاحقًا إلى متجر لبيع الأسطوانات والآلات الموسيقية.

عاشت العائلة في هذا البيت لأكثر من سبعين عامًا، وكان مركزًا حيًّا يحفظ تقاليد الأرمن المتوارثة. وبعد وفاة آخر أفراد العائلة عام 2008، تحوّل البيت في عام 2011 إلى مطعم سفرة، محافظًا على تفاصيله الأصلية وذاكرته المعمارية، ومقدّمًا أطباقًا أردنية وأرمنية تعبق بنكهات البيت وتاريخه
الموقع: مطعم سفرة
بيت Trinitae... حيث تُروى الحكايات برائحة
في أحد بيوت جبل اللويبدة العتيقة، ينبض بيت الصابون بروح Trinitae، العلامة الأردنية التي جعلت من العناية طقسًا متأصلًا في الجمال الطبيعي. البيت، الذي يعود بناؤه إلى ثلاثينيات القرن الماضي، يحتفظ بجماله المعماري الأصيل: أقواس حجرية، نوافذ مطلّة وحديقة تعبق بأشجار الحمضيات.

أعادت Trinitae إحياء هذا المكان بحس مرهف، ليكون أكثر من متجر... بل تجربة حسية كاملة تجمع بين الهدوء، والفخامة البسيطة، وعراقة المكان. هنا، تتلاقى منتجات البحر الميت والزيوت الطبيعية مع دفء البيت القديم، في رحلة تهتم بالجسد كما بالروح.