خاص "هي" رسالة مهرجان البحر الأحمر: جوازة ولا جنازة .. عن الحب والحقد والفوارق الطبقية
بداية خاطفة تميز شريط "جوازة ولا جنازة" توحي بأن الفيلم كوميدي بوليسي عن جريمة قتل تحدث في ليلة زفاف، لكن الأحداث تسير بعد ذلك في اتجاه آخر .
"تمارا" مطلقة وأم من أسرة أرستقراطية مال بها الحال اقتصاديا، ترتبط دون اقتناع بـ"حسن" نجل تاجر اللحوم الذي نجحت مشروعاته في زمن وجيز فصعد عدة طبقات اجتماعيا، بدون تفاصيل كثيرة نجحت المخرجة أميرة دياب والمؤلفة دينا ماهر في كشف خلفيات الشخصيات سريعا، وإيهام المتفرجين بأن القتيل الذي سيسقط في الزفاف هو الزوج نفسه، فبعد المشهد الخاطف يبدأ الفلاش باك لنعرف ما جرى في أسبوع الزفاف حيث قرر العروسان السفر إلى منتجع معزول يطل على البحر ويقيما هناك مع أسرتيهما 7 أيام تم التخطيط لها بعناية من قبل فنان تشكيلي قبل المهمة فقط لأنه صديق أو حبيب سابق لتمارا.

صحيح أن القتيل في نهاية الفيلم لم يكن العريس بل كان أحد من خططوا لإفساد الفرح، وصحيح أن التفاوت الطبقي بين الطرفين أنتج العديد من المواقف المضحكة والتي تحملت مسئوليتها بدرجة كبيرة الفنانة انتصار "والدة العريس"، بجانب تبرير مشاعر الحقد والغيرة من بعض المتواجدين، لكن رغم كل ذلك لم تمتع الحبكة نفسها بالإقناع المطلوب حتى تنتقل الحيرة للجمهور الذي كان جالسا فقط لمعرفة ماذا سيحدث في النهاية بعد تفاوت مستوى الإيقاع، والأهم حرص المخرجة على تقديم الأبطال وكأنهم معزولين عن المجتمع الذي يعيشون فيه بداية من حادث قتل "حسن" لعنزة صغيرة في طريق خال تماما دون مبرر، وصولا لتقديم الطهاة الطعام في "بروفة الزفاف" من اللا مكان حيث لا يوجد مطبخ في قلب الصحراء، حتى واقعة وفاة أحدهم نفسها تم "تلفيقها" بأسلوب أقل بكثير من مفارقات أخرى شهدها الفيلم وكانت مقبولة، بجانب شخصية "البدوي المتفلسف" غير الواقعية على الإطلاق.

من حق المخرجة أميرة دياب أن تقدم فيلما تجريبيا، وفي هذه الحالة لن يكون من حقنا أن نسأل عن المنطق، لكنها أرادت الجمع بين كل شئ، بين شريط كوميدي وإجتماعي عن زواج غير متكافئ طبقيا، وبين خط مرتبط بمؤامرة ضد هذه الزواج فشلت في النهاية لكن دون تفاصيل تجعل المتفرج يخرج من السينما وقد شعر بإمكانية حدوثها وأحس بالسعادة لأن الزيجة تمت رغما عن الجنازة.
اختارت أميرة دياب موقع تصوير ساحر للغاية، في قلب الصحراء، واستخدمته لعزل الأسرة عن كل شئ، لكن لم يكن من المنطقي أن يكون هناك راعي غنم وحيد قريب ومؤثر لهذه الدرجة، وأن تتعامل "تمارا" متأخرة مع غيرة أختها، وأن تظل الأسرة الثانية متمسكة فقط بعدم الظهور دون المستوى، وكأن الشخصيات غير قادرة على التفكير فيما يجري حولهم من غرائب، وكأنه لا يوجد أخرون قادرون على التدخل .

مرة ثانية، لو أن الفيلم من البداية تجريبي أو لنقل "غرائبي"يعتمد على مواقف غير متوقعة من الجميع ربما كان استقباله سيكون أفضل بكثير، لكن المجهود المبذول في صياغة الأحداث الدرامية تعرض للاهدار بسبب الجمع بين التقليدية في القصة و"العجائيبة" في التفاصيل.
فيلم "جوازة ولا جنازة" بطولة نيللي كريم وشريف سلامة وكلاهما شكلا دويتو متفاهم على الشاشة ربما لأنهما الشخصيتين الأكثر اكتمالا بين باقي الشخصيات، فيما لم يستفد الفيلم كثيرا من إمكانات الممثل اللبناني البارز عادل كرم، وقدمت لبلبة دورا ليس جديدا عليها لكن خبراتها ظهرت على الشاشة بوضوح، فيما تحملت انتصار ومعها محمود البزاوي الكثير من أجل دفع الملل عن المتفرجين، وأجاد أمير صلاح الدين في شخصية "البدوي المتفلسف" لكنها شخصية تحتاج إلى عمل أخر حتى تظهر بوضوح ولا تكون مجرد وسيلة لتحريك الأحداث.
