القصص

خاص "هي" رسالة مهرجان البحر الأحمر: "القصص" .. كل الحكايات تستحق أن تُروى 

محمد عبد الرحمن
9 ديسمبر 2025

الناس العاديون هم الأبطال الحقيقيون، فيما السياسيون أبطال فقط في نشرات الأخبار، تلك التي تمر سريعا حيث الأخبار الجديدة تلغي القديمة، لكن السينما غير، السينما توثق كيف عاش الناس كل مرحلة وماذا فعل فيهم الساسة ورجال الاقتصاد وقادة الحرب.

"القصص" شريط أبو بكر شوقي الجديد المشارك ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر ينطلق من يوم عادي لأسرة عادية من الطبقة المتوسطة المصرية في صيف 1967، حيث الضجيج يغطي على كل شئ، حر خانق وأحلام مبتورة لأبناء ثلاثة والدهم مهندس زراعي والأم ربة منزل تعتبر وصفات الطعام سرا حربيا، لكن "شوقي" وهو أيضا مؤلف الفيلم لا يكتفي بالأسرة الصغيرة بل تتسع العدسة لتلتقط لنا أشقاء الأب والجيران في مشهد بانورامي يكشف الكثير دون مباشرة، الكبار يهربون من أزماتهم بوسائل شتى أبرزها مباريات الكرة فكل الأسرة تشجع الزمالك، النادي الكبير المنحوس دائما، والصغار تمنعهم الحرب التي اندلعت في الدقائق الأولى للفيلم عن وضع أي خطة للمستقبل.

أم وأب وثلاثة أبناء 

اختار "شوقي" هواية "المراسلة" لتكون هي مفتاح سرد "القصص" ، حيث يراسل الابن "أحمد" فتاة نمساوية بهدف تقوية اللغة أولا، قبل أن يقع في غرامها لاحقا، فيما شقيقه التوأم يستدعى للتجنيد قبل هزيمة يونيو بساعات والأخ الأصغر حلمه أن يصبح لاعبا في الزمالك دون أن يملك أي امكانات لتحقيق ذلك .

تتسارع وتيرة الأحداث، يقسم المخرج الشريط إلى 4 أقسام، حسب مراحل زمنية اعتبرها محورية في تاريخ الأسرة، وتاريخ مصر وحتى في مسيرة نادي الزمالك، 1967 الهزيمة، 1973 النصر الذي لم يمنح عازف البيانو "أحمد" حياة أفضل، 1977 أحمد يرتبط بالفتاة النمساوية، 1984 تتحقق انتصارات مؤجلة تجعل الحياة أكثر احتمالا.

ب

من جمال عبد الناصر، لأنور السادات، لحسني مبارك، يقدم أبو بكر شوقي للجمهور رأيه هو فيما جرى في مصر عبر 20 عاما بدأت بالهزيمة، المعنى الذي يلتقطه الجمهور بوضوح باختلاف الجنسيات والثقافات، أن القصة لم تكن أبدا في شخص القائد وإنما في نظام عام، الأب "راغب" يشعر في النهاية أن "العيب فينا" أي في الناس وليس في النظام، لكن عندما تتغير الأمور للأحسن يتأكد للجميع أن الناس في المحروسة يختلقون مبررات من أجل احتمال قسوة الخيبات.

دقة لافتة في الديكورات والملابس

الفيلم المتخم بالأحداث والتفاصيل والشخصيات على مدار 120 دقيقة يلعب فيه مونتاج وولفانج تاهلر دورا رئيسيا في ضبط الإيقاع، خصوصا مع اللقطات الوثائقية للرؤساء الثلاثة وكذلك لقطات مذيع التلفزيون الحكومي العابر للعصور والذي جسده ببراعة حسن العدل، تصوير "رولاند شتوتيجر" جاء مميزا ومعبرا خصوصا باللقطات القريبة عما يعتمل داخل كل شخصية، فيما كان منطقيا أن يسند شوقي مهمتي الديكور والملابس لفنانين مصريين، هند حيدر وريم العدل على الترتيب، حيث دقة التفاصيل بين بيوت وملابس المصريين 1967 وصولا لـ 1984، تلك الفترة التي تبدو لمن يتابعها بسطحية وكأنها متصلة غير منفصلة لكن الفيلم في أحد مساراته المضمرة يرصد أيضا تأثير الهزيمة ثم العبور ثم الانفتاح على ملابس المصريين وأثاثات منازلهم وهو ما برع فيه فريق العمل دون ترك ثغرات تلحظ. 

ك

نيللي كريم في أفضل حالاتها

القصص التي يرويها الفيلم، يمكن أن تكون قصة واحدة عن حراك مجتمع في بلد عاني كثيرا إبان تلك الفترة، ويمكن أن تكون قصصا لأشخاص كُثر، كل منهم يعيش همه الخاص، أي أن كل منهم بطلا لقصته وهو ما دفع شوقي للاستعانة بممثلين محترفين من كل الأجيال بشكل يجعل من الصعب اختيار الأفضل منهم حتى مع تفاوت المساحات، نيللي كريم تبدو في أفضل حالاته على الشاشة، مقارنة بمسلسلاتها التلفزيونية الأخيرة، حيث استعادة ألق شخصية "ذات" أبرز شخصياتها التلفزيونية على الإطلاق، مشهد وفاتها أثر بشدة في المتفرجين، أثر وصل للجالسين على المقاعد من الأداء المبهر كالعادة للفنان المخضرم أحمد كمال (جسد والدها في مسلسل ذات)، فيما يضيف صبري فواز دورا بارزا لسجله الحافل بالشخصيات المميزة حيث "أبيه أحمد" العازف في فرقة أم كلثوم، المشجع المخلص للزمالك، الذي لا يرى غيره والذي يستسلم للموت تزامنا مع انتفاضة يناير 1977 وبعد عامين من وفاة "الست" حيث ترك العزف وترك كرسيه الأثير في منزل الأسرة، شريف دسوقي وأسامة عبد الله قدما ثنائيا لافتا حيث اكتمال مجموعة الأب "راغب" أي أحمد كمال، فيما قدم أحمد أزعر الشهيد "حسنوف" بأداء جيد للغاية رغم  صغر مساحة الدور، وأكد خالد مختار أنه لديه الكثير كممثل بشخصية "شرف" اللاعب الموهوم، ووبالمقارنة بأداءه في هيبتا منح أبو بكر شوقي لكريم قاسم مساحة مغايرة قدم من خلالها شخصية العازف "الميديوكر" الوصولي الذي نافس "أحمد" أو أمير المصري طويلا لكنه لم يمنعه في النهاية من الوصول للناس، الأمر نفسه ينطبق على عمرو عابد العائد بعد غياب في شخصية البلطجي المعتزل أحد أبرز الشخصيات المتطورة دراميا في الشريط، فيما  يؤكد أمير المصري مجددا قدرته على تجسيد مختلف الشخصيات بما يناسب امكاناته الفنية وشكل ديو جيد للغاية مع الممثلة النمساوية "فاليري باشنر" التي جاءت إلى مصر على أمل أن تنفصل عن أحمد عندما ترى واقعه فاندمجت فيه حتى ظهرت على شاشة التلفزيون تردد نفس ما قاله والد زوجها ليلة حرب يونيو 1967 حيث لا شئ تغير أو هكذا تقول "القصص". 

ن