ميسا قرعة

المطربة ميسا قرعة لـ"هي": أكتب موسيقى تشبهني وأريد للمرأة أن ترى قوتها في صوتي

ليندا عيَاش
2 ديسمبر 2025

في رحلة تتقاطع فيها الجرأة مع الشغف، تواصل الفنانة اللبنانية- الأميركية ميسا قرعة رسم ملامح هوية فنية خاصة تجمع بين جذورها الشرقية وآفاقها العالمية. من قيادة أول أوركسترا نسائية من نوعها، إلى خوض تجارب استثنائية على أهم المسارح والتعاون مع كبار الموسيقيين، ونجاح أغنيتها "تيتي" وصولاً إلى مشاركتها العالمية في ساوندتراك American Hustle  وترشيحها المرتبط بغرامي، كلها خطوات وأعمال أكدت فيها الفنانة أن الفن الصادق يفتح أبوابا لم تكن مطروقة، وأن المرأة تستطيع أن تستعيد حضورها.

فالفنانة ميسا قرعة ترى اليوم دورها كجسر حيّ بين الشرق الأوسط والعالم، كما ظهر جليًا بحسب ما تقوله، في أغنية This Is Our Time  خلال إكسبو 2020 دبي، وفي احتفائها ببيروت عبر أغنيتها نتلاقى ببيروت التي تعيد إحياء الشغف والانتماء. كما أنها تؤمن أنها لا تلاحق المستقبل بل تعيش اللحظة، وتسمح لفنها أن يقودها وتواصل رسم موسيقى تشبهها، وتترك أثرًا يمتد أبعد من الحدود.

مع ميسا قرعة كان لنا هذه المقابلة:

ي
ميسا قرعة

ما الذي ألهمك لكتابة أغنية «متى بتعود»؟ وهل تحمل الأغنية قصة شخصية أم حالة وجدانية عامة؟

كتب أنطوني من فرقة «أدونيس» هذه الأغنية لتعبر عن حالة نعيشها كثيرًا اليوم: شخصان تفصلهما المسافات، لكن الذكريات ما زالت قريبة، لا تنطفئ ولا تزول. إنّها أغنية عن الشوق، وعن الوقت أيضًا… كيف يمضي بنا بلا رحمة، وكيف نظل نتمسّك بلحظات مضت أو بأشخاص مرّوا في حياتنا وتركوا أثراً لا يمحى.

أنا شخصيًا أشعر بهذا الإحساس كثيرًا، فكل واحدٍ منّا عرف يومًا معنى أن ينتهي شيء، ومع ذلك يستمرّ بالانتظار. «متى بتعود» تحمل مسحة شخصية، لكنها في الوقت نفسه مرآة يستطيع أي شخص أن يرى نفسه فيها؛ فهي تتحدّث عن تلك المسافة الدقيقة بين من رحل وبقي أثره في الداخل، بين أن نمضي قدمًا… أو نبقى عالقين في الانتظار.

 الأغنية تمزج بين موسيقى الـIndie  والأسلوب العربي العاطفي، كيف ولد هذا المزيج في ذهنك؟

لطالما عرفت بشغفي بدمج الأنماط الموسيقية المختلفة في الأعمال التي أقدّمها، وفي أغنية «متى بتعود» يتجلّى هذا المزج بوضوح؛ فالإحساس غربي الإيقاع، لكن الروح عربية خالصة. قضيتُ ما يقارب ثلاثة عشر عامًا في الولايات المتحدة، وهذا جعلني أميل تلقائيًا إلى صهر التأثيرات العربية داخل الإطار الموسيقي الغربي، حتى أصبح هذا الدمج جزءًا من هويتي الفنية.

وقد جاءت هذه الخلطة بطريقة طبيعية تمامًا؛ فالموسيقى العربية تحمل عمقًا وأحاسيس متفجّرة، بينما تحمل موسيقى الإندي صدقًا وعفوية تُكملها بانسجام جميل. وعندما كتب أنطوني الأغنية، شعرنا معًا بأن الحفاظ على الروح العربية مع منحها طابع الإندي العصري سيجعل المشاعر أكثر نفاذًا… كأننا نقرّب عالمين مختلفين يجمعهما قلب واحد ونبضة واحدة.

ميسا استطاعت أن تدمج بين الروح الشرقية والبوب العالمي
ميسا استطاعت أن تدمج بين الروح الشرقية والبوب العالمي

تعاونت في هذا العمل مع أنطوني من فرقة «أدونيس». كيف تصفين الكيمياء الفنية التي جمعتكما؟

سبق لي ولأنطوني أن غنينا معًا في أكثر من مناسبة، ومنذ ذلك الحين أصبحت فعلًا من أكبر المعجبين بعمله. حتى قبل تعاوننا الرسمي، كنت دائمًا أتعلق بحسه في الكتابة؛ فله أسلوب في التعبير أشعر أنه يلامسني مباشرة ويقترب كثيرًا من طريقتي في الإحساس بالأغنية.

والكيمياء بيننا لم تكن وليدة المصادفة. لم يكن الأمر مجرّد تعاون بين موسيقيَّيْن؛ بل علاقة طويلة فيها معرفة حقيقية، وتقدير متبادل، وفهم عميق لطريقة تفكير كلٍّ منّا ولرؤيته الفنية. وهذا ما جعل أنطوني يكتب الأغنية بروح تشبهني وتشبه هويتي الموسيقية إلى حدّ كبير.

وقبل بدء التنفيذ، جلسنا لنتحدث بحرّية عن كل التفاصيل: الاتجاه الذي نريد أن تأخذه الأغنية، موضوعها، والإلهامات التي استندنا إليها. هذه الجلسات جعلت العملية منذ بدايتها واضحة ومنظّمة.

ميسا ترى دورها كجسر حيّ بين الشرق الأوسط والعالم،
ميسا ترى دورها كجسر حيّ بين الشرق الأوسط والعالم،

وبرأيي، ما جعل كل شيء يسير بسلاسة هو تلك المعرفة القديمة بيننا، وذلك الاحترام العميق لموسيقى بعضنا البعض. قد يكون التعاون تأخّر سنوات، لكنه حين حدث… جاء طبيعيًا، ناضجًا، وكأنّه كان ينتظر اللحظة المناسبة ليولد.

الفيديو كليب الذي أخرجه إيلي فهد يُشبه قصيدة بصرية عن الغياب والحنين. كيف كانت تجربتك في تصويره؟

تجربتي مع إيلي كانت دائمًا تجربة استثنائية. فبيننا كيمياء طبيعية نشأت عبر سنوات من العمل المشترك، وهذا في الواقع ثالث فيديو كليب نجسّده معًا. يمتلك إيلي قدرة فريدة على خلق بيئة تجمع بين الاحتراف والراحة في آنٍ واحد؛ ومعه أمام الكاميرا أشعر بالثقة والطمأنينة، دون أن أتكلّف أو أشعر بأنني أؤدّي دورًا، وهذا ما يجعله ينتزع مني حضورًا صادقًا وطبيعيًا.

وكان هذا الفيديو تحديدًا ذا مكانة خاصة في قلبي، فقد أُنجز خلال فترة صعبة من حياتي، والتعاون مع إيلي في تلك المرحلة منحني شعورًا عميقًا بالأمان والدعم. وبصراحة، يسعدني دائمًا العمل مع الطاقات اللبنانية، لأننا نشعر بأننا نرفع بعضنا بعضًا، وهذا المشروع كان ترجمة واضحة لهذا الإحساس.

ميسا تقول ان الفنّ  مساحة لتكتشف فيها ذاتها
ميسا تقول ان الفنّ  مساحة لتكتشف فيها ذاتها 

وما يميّز إيلي أكثر من كونه يعرفني كفنّانة، أنه يعرفني كإنسانة أيضًا. وكما قلت عن أنطوني، استطاع أن يعكس حقيقتي كما هي، لا ميسا الفنّانة فحسب، بل ميسا الإنسانة بكل ما تحمل من صدق وعمق.

هل تعتبرين «متى بتعود» انعكاسًا لمرحلة جديدة في أسلوبك الفني؟

لا أرى هذه المرحلة انتقالًا جديدًا بقدر ما أعتبرها امتدادًا طبيعيًا للمسار الذي أسير فيه منذ البداية. فأسلوبي الفني وهويتي الموسيقية ينضجان ويتبلوران مع الوقت، ومع كل إصدار أشعر أنني أقترب أكثر من الصوت الذي يمثّلني حقًا. وفي هذا العمل تحديدًا، شعرت بأن الإنتاج يلامس ما أرغب في قوله، ويعكس طريقة تعبير صوتي كما أحبّ أن أقدّمها. لذلك، نعم، هو خطوة أقرب إلى هويتي الفنية، لكنه قبل كل شيء استمرار طبيعي لطريقي، لا قفزة نحو مرحلة مختلفة تمامًا.

تنقلت بين بيروت وبوسطن وأبوظبي، كيف أثرت هذه المدن الثلاث على رؤيتك الفنية وشخصيتك؟

عشتُ بين بيروت وبوسطن ولوس أنجلوس وأبوظبي، وكلّ مدينة تركت في داخلي أثرًا مختلفًا وصنعت جزءًا من هويتي الفنية والإنسانية.

في بيروت اكتشفتُ موهبتي وشغفي بالموسيقى، ومنها انطلقت رحلتي الحقيقية عبر التعليم والفرص الأولى التي فُتحت أمامي.

أما بوسطن فهي المدينة التي اتخذتُ فيها القرار بأن تكون الموسيقى مهنتي ومساري. هناك طوّرتُ مهاراتي خلال دراستي في جامعة بيركلي للموسيقى، وتخرّجت عام 2012 من واحدة من أهم المؤسسات العالمية في الموسيقى المعاصرة.

ميسا تقول كلّ مدينة تركت في داخلها أثرًا مختلفًا وصنعت جزءًا من هويتها الفنية
ميسا تقول كلّ مدينة تركت في داخلها أثرًا مختلفًا وصنعت جزءًا من هويتها الفنية 

ولوس أنجلوس كانت محطّة العبور إلى الاحتراف؛ فيها أسّستُ شركتي الخاصة، وأطلقت أولى أعمالي، وشهدت صدور أول أغنية لي ضمن فيلم في هوليوود. في تلك المرحلة شعرت بأنني دخلت المهنة فعليًا بثقلها ومسؤوليتها.

واليوم، تمثّل لي أبوظبي مكانًا أعيد فيه موسيقاي إلى جذورها في منطقتنا. إنها المدينة التي تجمع بين عالميْ الشرق والغرب، تمامًا كما يفعل أسلوبي الموسيقي. وإلى جانب عملي كفنّانة، يتيح لي دوري كمديرة فنية في بيركلي أبوظبي أن أدعم المواهب الصاعدة في المنطقة، وهو امتداد طبيعي ومهم لهذه الرحلة التي ما زالت تتشكّل يومًا بعد يوم.

تعرفين بقدرتك على الجمع بين الروح الشرقية والبوب العالمي. ما التحدي الأكبر في هذا التوازن؟

لم أدمج بين العالمين لأن ذلك كان موضة، بل على العكس… حين بدأت لم يكن هذا الاتجاه شائعًا أصلًا، لكنّه كان التعبير الأصدق عن رحلتي الشخصية. فقد نشأتُ في بيروت، ثم عشت ما يقارب ثلاثة عشر عامًا في الولايات المتحدة، فكان طبيعيًا أن يخرج صوتي محمولًا على تأثيرين يكمّل أحدهما الآخر. هذا المزيج بالنسبة إلي ليس مجرّد أسلوب موسيقي… إنّه أنا، بكل ما عبرتُه وتشرّبته خلال مسيرتي.

واليوم، قد يكون هذا الأسلوب الذي جاء من مكان شديد الصدق بات يصنف كـ"تراند"، وهنا يكمن التحدّي الحقيقي: أن أحافظ على حقيقتي، وأن يظلّ الجمهور يرى أنّ هذا المزيج نابع من تجربتي ومن ماضيَّ، لا من موجةٍيفرضها السوق.

وبصراحة… لم أفرض هذا الأسلوب يومًا على موسيقاي، كان يتكون وحده بلا تعمد. ولأنني أكتب وألحن أعمالي، أشعر دائمًا أن علي أن أعود بين الحين والآخر إلى ذاك الجذر الأوّل، إلى المكان الذي ولدت منه قصتي الفنية، حتى يبقى ما أقدّمه صادقًا، نابضًا، ومحمولًا من داخلي قبل أي شيء آخر.

8- الفن بالنسبة لك وسيلة للتعبير أم مساحة للبحث عن الذات؟

بالنسبة إلي، الفنّ هو أداة للتعبير ومساحة أكتشف فيها ذاتي بعمق. فقد تعلّمت الكثير عن نفسي من خلال الموسيقى، ومن خلال العمل مع الآخرين، ومن خلال اختيار المواضيع التي أجد نفسي فيها وأرغب حقًا في قولها. وعندما أكون على تماس صادق مع داخلي، ومع ما أريده فعلًا أن يصل، يتحول هذا الاتصال بشكل طبيعي إلى موسيقى تنطق عمّا أشعر به.

وبهذه الطريقة، كثيرًا ما أحس أن صوتي لا يتحدّث عني وحدي… بل يعبر أيضًا عن أشخاص يشاركونني الإحساس نفسه، وكأن الموسيقى تصبح لسانًا مشتركًا بيني وبينهم.

ميسا شغوفة بدمج الأنماط الموسيقية المختلفة في الأعمال التي تقدمها
ميسا شغوفة بدمج الأنماط الموسيقية المختلفة في الأعمال التي تقدمها

تقودين مشاريع موسيقية تدعم المرأة، منها أوركسترا نسائية بالكامل. ماذا تعني لك هذه الخطوة؟

لم تكن قيادة الأوركسترا النسائية مجرد مشروع مُلهِم يجمع النساء، بل كانت فرصة حقيقية لصناعة مساحة تتألّق فيها المرأة داخل مجال ما يزال حتى اليوم يغلب عليه الطابع الذكوري. فقد منحت هذه الأوركسترا منصة ضرورية لعدد كبير من الموسيقيّات كي يتدرّبن، ويقدّمن فنّهن بثقة واحتراف.

وكثير من العازفات، ولا سيما اللواتي لديهن عائلات وأطفال، شعرن بأن متابعة مسيرتهن في عالم الموسيقى أصبحت أكثر صعوبة. وجود الأوركسترا منحهن نافذة يعدن من خلالها إلى فنّهن، يطوّرن مهاراتهن، ويشعرن بأن هناك مكانًا حقيقيًا لا يزال ينتظرهن. لقد خلقت بيئة داعمة تمكّنهن من إظهار مواهبهن، وجعل أعمالهن مرئية، والحصول على المساحة التي يستحقِقنها عن جدارة.

كثير من أغنياتك تحمل رسائل تمكين وتقبل للذات كما في Titi  ما الذي تريدين أن يشعر به الجمهور بعد سماعك؟

تحتل أغنية "تيتي" مكانة خاصة جدًا في قلبي، لأنها كانت اللحظة التي استطعت فيها أن أتحرّر من الكثير من الحدود والقوالب التي وضعتها لنفسي دون أن أنتبه. في هذه الأغنية شعرت بأنني حرة تمامًا في موسيقاي؛ أقول ما أريد قوله، وأعبر كما أشعر، وأترك العمل يتشكل بعفويته وبصدق اللحظة التي ولد منها.

أما الفيديو، فله أيضًا مساحة عميقة في داخلي. فقد جسدت فيه شخصيات نسائية متعددة، كل منها مستوحى من نساء عبر التاريخ تركن أثرًا كبيرًا في مفهوم القوة والأنوثة. أردت أن أُجسّد طاقاتهن، وأن أُكرم المرأة في كل وجوهها وتجلياتها.

وبالنسبة إلى جمهوري، إذا كانت امرأة واحدة فقط شاهدت "تيتي" وبدأت ترى نفسها بمحبة وقبول أعمق، بعيدًا عن الأحكام والضغط، واستعادت صلتها بجوهرها الحقيقي… فهذا بالنسبة إلي هو النجاح بأبهى معانيه.

ميسا قرعة
ميسا قرعة

تعاونت مع أسماء عالمية مثل A.R. Rahman وAndrea Bocelli  ما الذي يميز هذه التجارب بالنسبة لك؟

كان من دواعي الشرف الحقيقي بالنسبة إليّأن أقف على المسرح نفسه مع موسيقيّين تركوا أثرًا عميقًا في مسيرتي وفي الطريق الذي سلكته في حياتي. كان شعورًا بالغ الفخر، وفي الوقت ذاته تذكيرًا حيًّا بقدرة الموسيقى على أن تفتح أمامنا أبوابًا لم نتخيّل يومًا أننا سنعبرها، وأن تقودنا إلى أماكن ما كانت لتخطر لنا.

وأكثر ما شدّني في هذه التجربة هو التواضع الذي يتحلّى به فنّانون بهذا المستوى. العمل إلى جانبهم ذكّرني دائمًا بأن أبقى صادقة، متّصلة بجوهر حبّي للموسيقى، ومتمسّكة بتلك الروح الأولى التي جعلتني أختار هذا الطريق.

عندما قدمت النسخة العربية لأغنية في فيلم American Hustle، هل شعرتِ أنها لحظة مفصلية في مسيرتك؟

كان فيلم American Hustle نقطة تحوّل حقيقية في مسيرتي. فقد شكلت مشاركتي في الساوند تراك خطوة ضخمة، أن يكون لي عمل موسيقي ضمن فيلم هوليوودي وصل إلى الترشّح لجوائز الغرامي. وبالنسبة لمغنية عربية، كانت تلك اللحظة مصدر فخر كبير، وأعتقد أنّني كنت أوّل فنانة عربية تصل إلى هذا النوع من الترشيحات، وأن تبلغ أغنية عربية هذا المستوى من الإنتشار والإندماج في المشهد الموسيقي العالمي، كان أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة إلي.

هذه التجربة فتحت أمامي أبوابًا كثيرة، وقدّمت لي فرص تعاون مع أسماء كبيرة في عالم الموسيقى، ووسّعت آفاق عملي بطرق لم أكن أتخيّلها يومًا.

كيف تتعاملين مع فكرة أن تكوني فنانة عربية تنتمي إلى أكثر من ثقافة في آنٍ واحد؟

أنا لا أرى نفسي ممثِّلة لثقافات متعدّدة بالمعنى المباشر، لكن كل ما أقدّمه، في هويتي وفي موسيقاي، يعود إلى جذوري وإلى المكان الذي أنتمي إليه. ومن هذا الانطلاق بالتحديد أشعر بأن دوري الحقيقي هو بناء جسر يصل الشرق الأوسط بالعالم، فهناك فقط يتحقّق الأثر العميق.

ولعل هذا هو السبب الذي جعلني الصوت الذي يمثّل هذه المساحة في أغنية This Is Our Time خلال إكسبو 2020 دبي. فقد كان جوهر مشاركتي في هذا العمل هو تجسيد ذلك الجسر بين الشرق والغرب، وإظهار كيف يمكن لموسيقانا وهويّتنا أن تبلغا العالم بصوت صادق، قوي، ويشبه حقيقتنا.

بيروت حاضرة في أعمالك كما في أغنية «نتلاقى ببيروت» ماذا تمثل لك المدينة اليوم؟

تمثل لي بيروت كل شيء. هي المدينة التي فتحت عيني على العالم، وكشفت لي ملامح موهبتي الأولى. مدينة أحبّها رغم كل التحدّيات، بل لعلّ البعد عنها يجعلني أدرك أكثر فأكثر اتّساع هذا الحبّ وعمقه.

أغنية "نتلاقى ببيروت" هي احتفاء بالناس الذين يجتمعون رغم المسافات. كنت قد تعبت من كلّ الخطاب السلبي الذي يُحاصر صورة بلدنا، وأعرف أنّ قلب كلّ لبناني يعيش في الخارج يبقى معلّقًا بالعودة. أردتُ للأغنية أن تكون تذكيرًا… تذكيرًا بالفرح، وبذلك الشعور الذي يغمرنا حين نعود إلى البيت، وحين تعود بيروت لاحتضاننا من جديد.

اغنية متى بتعود امتداد للمسار الذي اسير فيه
اغنية متى بتعود امتداد للمسار الذي اسير فيه

بعد كل هذه التجارب، ما هو الحلم أو المشروع الذي تتمنين تحقيقه في المرحلة المقبلة؟

أصبحت أكثر وعيًا لمدى أهمية أن نحيا الحلم الذي نعيشه الآن، من دون أن ننشغل دائمًا بالخطوة التالية. ومع مرور الوقت، بدأتُ أدرك قيمة احتضان اللحظة، وأن نكون حاضرين فيها بكاملنا.

وبصراحة، أشعر أنني أسير في الطريق الذي كتب لي، وأن طموحي الحقيقي هو أن أتابع المسير فيه، أن أبقى مُحاطة بأشخاص يفهمون رحلتي، ومتعاونين يؤمنون بعملي، وجمهور يتفاعل بصدق مع الرسالة التي أسعى إلى تقديمها.