المخرج علي سعيد لـ "هي":فوز فيلمي "ضد السينما" بجائزة بمهرجان القاهرة محطة مهمة بمسيرتي و المرأة بطلة حقيقية في الحراك السينمائي السعودي
مجموعة من النوادر الزمنية والكنوز السينمائية تجتمع مع حالة العرض الأول للفيلم الوثائقي السعودي الطويل "ضد السينما" على الأراضي المصرية؛ تلك النشوة الفنية التي دعمت صناعه منذ نشأتهم، وغمرتهم فور وصولهم لشارة كلاكيت التصوير الأولى خلف الكاميرا، متتبعًا بلحظة التصفيق الحار والنجاح الجماهيري والنقدي المؤثر بعد سنوات من العمل الجاد والشاق.
"هي" التقت بالمخرج والكاتب السعودي علي سعيد عقب فوزه بجائزة مرموقة في الدورة الـ 46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن فيلمه "ضد السينما" أحد أهم أفلام هذا العام؛ في حديث خاص عن الصناعة وتطورها ونشأته الملهمة، فضلاً عن الكواليس الاستثنائية التي تكتسب قيمتها من لحظة ما ساكنة مجهولة مع بدايات العروض السينمائية قبل عام 1979؛ وتشهد تسليم ريادتها لجيل جديد من صناع الأفلام السعوديين الواعيين بدور المرأة والمجتمع في صياغة الفن السابع وتأثيره عالميًا.
نجاح كبير لفيلمك "ضد السينما" جماهيريًا ونقديًا عَبر السوشيال ميديا وداخل أروقة المهرجان السينمائي بمصر، كذلك فوزه بجائزة لجنة التحكيم "صلاح أبو سيف" من مسابقة آفاق السينما العربية.. دعنا نبدأ بماذا تمثل لك مشاركتك في الدورة 46 لمهرجان القاهرة السينمائي؟
المشاركة بهذا المهرجان الكبير العريق من أفضل المحطات المهنية المهمة التي يحظى بها صناع السينما العرب؛ تظاهرة سينمائية متفردة ومتميزة؛ كذلك تصنيفه ضمن مهرجانات الفئة (A) دوليًا بحسب اتحاد المنتجين العالمي.

لكن أنت سيناريست ومخرج الفيلم السعودي الوحيد المشارك بالمهرجان المصري العريق هذا العام.. هل توقعت كل هذا الاحتفاء الضخم مع العرض الأول لفيلم "ضد السينما"؟
ككل صانع أفلام عربي كنت أترقب بشغف أجواء عرضه العالمي الأول، والذي فضلته لمُشاهدي السينما بالعاصمة المصرية القاهرة؛ جمهور يمتلك حساسية وذائقة فنية استثنائية، تتبعت بقوة ردود أفعالهم داخل القاعة في أثناء العرض، واحتسبت تفاعلهم المتميز بالولادة الحقيقية لفيلمي "ضد السينما"؛ سعدت للغاية بتصفيقهم الحار وتعاطفهم مع أبطاله ومتحدثيه وأصواتهم وتنهداتهم على مشاهده واستمتاعهم به دون الشعور بملل خلال ساعتين عرض؛ انغرمت كذلك بانحياز وتعليقات النقاد والصحفيين المصريين والمخرج الكبير يسري نصر الله وإشادته الثرية لي، أتوجه بالشكر والتقدير لهم جميعًا.
ما بين العرض على المنصات الرقمية أو التجول في المهرجانات؛ أيهما ستختار لمحطة العرض المقبلة لفيلمك "ضد السينما"؟
الفيلم ينحاز بفكره ومضمونه للسينمات؛ فسيكون عرضه الرئيسي والأول والأهم داخل صالات العرض خلال الفترة الحالية؛ مستكملاً جولاته بالمهرجانات.

يقدّم فيلم "ضد السينما" تحية لافتة للمرأة السعودية، مع حضور صانعات سينما بارزات مثل هيفاء المنصور وشهد أمين وجواهر العامري وهند الفهاد كبطلات. كيف تعاملت مع الجانب النسوي في السرد؟ وهل كان الاحتفاء بدور المرأة جزءًا واعيًا من رؤية الفيلم أم نتيجة طبيعية لمسار تطوّر السينما السعودية؟
هن بطلات حقيقيات في الحركة السينمائية السعودية بجانب المخرجين السعوديين؛ تتقدمهن الرائدة المخرجة الكبيرة هيفاء المنصور، التي خاضت تجارب مهمة وما زالت محورًا مؤثرًا في الحراك السينمائي وأمام الرأي العام. كذلك المخرجات المشاركات طوال عرض "ضد السينما"؛ لا شك اختيارهن عن وعي كبير وعلى مستوى كتابة السيناريو أيضًا؛ وتخصيص مساحتهن المناسبة في السرد وتشكيل المشهد الثقافي السعودي بصورة صادقة للمشاهدين؛ تحية لدور المخرجات السعوديات في صناعة السينما العربية الحديثة.

وما اللحظة التي فاجأتك في أثناء الحوار مع هؤلاء المخرجات المتميزات ضمن كواليس تصوير فيلم "ضد السينما"؟
كل كواليس قصص المخرجات صدقًا؛ على سبيل المثال ما يتعرضن له وسط ضغوطات وتحديات مجتمعية وعائلية؛ بما فيها القصة المثيرة للاهتمام للمخرجة هند الفهاد؛ والمؤثرة هيفاء المنصور أول سعودية شجاعة تصور فيلمًا سعوديًا روائيًا طويلاً خلال عام 2012 داخل الأراضي السعودية؛ كذلك يقدم "ضد السينما" كواليس لأول مرة ترُوى عن آليات ومراحل تصوير "هيفاء" لمشاريعها واختبائها في سيارة أو خيمة وسط إشرافها.
5 أعوام في صناعة فيلم وثائقي فترة ليست بالبسيطة، كيف وجدت التوازن بين السرد الشخصي (رؤيتك) والطرح العام (في ضوء تطورات السينما السعودية) بفيلم يتناول تاريخًا ووعيًا يخص مجتمع كامل تجاه الفن؟
نعم.. مراحل طويلة ومرهقة رغم متعتها؛ لم أشك للحظة أنه لن يخرج للنور كما أريد، قبل التصوير استغرقنا وقتًا للتحضير وولادة الفكرة وكتابة المشروع، من يناير 2021 إلى مطلع سبتمبر 2025 تشمل فترات التصوير المتقطعة ومتضمنة فترات البحث الشاملة. أمًا حالة التوازن من المهم أن يكون صوت المخرج حاضرًا بالأفلام السينمائية وهو ما ترينه بالرؤية حقًا؛ لكي نشعر بالمصداقية الحقيقية بالفيلم ويزيد موضوعية القصة؛ خاصة لو كان شاهدًا عن قرب للأحداث الواقعية وزمنها كما تعايشت مع التجربة ومحطات الحراك السينمائي السعودي كاملاً عَبر عملي بالصحافة وكتابة السيناريو في تلك الفترة.

لك عدة إصدارات أدبية "الحقيبة الجلدية"، و"الدانة"، و"كونيكا 19"، و"عين الصقر".. هل تضمن أرشيف "ضد السينما" أي من الوثائق المنشورة بهم؟
لا، لكنني استعنت بأرشيفي الصحفي ضمن مقاطع الفيلم؛ أي لقطات لتقارير ومقالات كتبتها سابقًا، أرى أن الصحافة جزء من الأدب. أجريت مقابلات الفيلم المصورة بنفسي وهي مهارة اكتسبتها من عملي بالصحافة قبل عام 2017، كذلك ألهمتني للإشارة إلى التواريخ ضمن السرد البصري بالاستعانة بقصصات الجرائد؛ تجنبًا للتناول المباشر السطحي والممل.
يتعمق "ضد السينما" في السيرة الذاتية للمكان؛ سيرة لبلد يتغيّر وذاكرة تُروى عَبر تحوّلاته، تتقاطع مع فيلموجرافيا متشعبة لصانعات وصانعي السينما. أيّ مقاربة كانت الأقرب إلى رؤيتك في أثناء صناعة الفيلم: سيرة المكان أم تاريخ السينما؟ وهل كان توثيق تحوّلات البلد جزءًا مقصودًا من البناء أم نتيجة طبيعية لتعمّقك في الذاكرة البصرية؟
بالطبع.. "ضد السينما" هو نسيج سينمائي؛ يدمج بين مستويات مختلفة من السرد؛ بين التاريخي والحاضر وسرد الأفراد؛ أي إن هناك طبقات من السرد الروائي داخل الفيلم الوثائقي إلى جانب السرد الشخصي، وهو تتابع بصري تلقائي صُنع بفطرتي الفنية إن جاز التعبير وصفًا لأسرار كتابة الحبكة وتجسيد روابطها بصريًا على الشاشة؛ ما أدركه حقًا هو دراستي لكل محور بالفيلم واحتياجاته للتعبير عنه بدقة واحترافية؛ تمامًا كما فعلت مع محور تشكيل تاريخ السينما السعودية وبناء علاقة معه وأعيد صياغتها وسردها بطريقة تتوافق مع الأجزاء السابقة واللاحقة للفيلم.

ما الصعوبات التي واجهتكم ضمن كواليس صناعة فيلم "ضد السينما"؟
الرحلة الأرشيفية والبحث عنه كان الأمتع والأصعب على الإطلاق؛ ما تتخيلين قدر السعادة الذي يغمرنا مع لحظات اكتشاف صور ووثائق نادرة؛ عملي بالصحافة دعمني فكريًا وعمليًا في سُبل وآليات المصادر الأرشيفية ومؤسساتها؛ التحديات تجسدت في الوصول لأرشيف بعض الشخصيات التي تركها أصحابها لما يقرب العشرين عامًا، وعلى سبيل المثال انتظرت أربعة أعوام مثابرًا حتى حصلت على أرشيف المواد الفيلمية لمهرجان العروض المرئية في جدة 2006، ولا أنسى صعوبات مراحل مونتاج "ضد السينما"؛ ليس من السهل الحصول على مونتير يقبل العمل على مشروع وثائقي لا يبدو أن له نهاية؛ عشنا التجربة مع عدد من المونترين؛ تحمس معنا في المرحلة الأولى أحمد الجارودي والأخيرة مع حمزة تونسي.
في فيلم "ضد السينما" يظهر حضورًا متنوعًا من أجيال وتجارب مختلفة. كيف حافظت على اتساق هذا التنوع داخل السرد؟
من خلال كتابة السيناريو ومعرفة قدر أهمية كل شخصية بالفيلم وقدرتها على الحكي والجلوس أمام الكاميرا والتوظيف الجيد لحضورها داخل "ضد السينما" ضمن سرد الحكاية روائيًا وثائقيًا؛ كان علينا التنقل بين أجيال مختلفة سابقة ولاحقة لفهم الحالة بأحداثها كاملة؛ كذلك تأثرت بآراء الجيل الجديد من الشباب المصري والعربي رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعد عرض الفيلم أيضًا.

نعود إلى اللحظة التي تحمست بها لهذا المشروع، فيلم "ضد السينما" يحمل رؤية نقدية وتأملية في آن واحد. ما أشعل رغبتك في صناعته؟
ولادة الفكرة في عام 2018؛ قرأت عدة كتب وقتذاك عن تاريخ السينما ولم أجد نصًا وثائقيًا حقيقيًا عن السينما السعودية؛ تعجبت وأثارت فضولي لطرح التساؤلات والتأريخ ليس بالمعنى الزمني لكن بتيمة التضاد؛ خاصة وأن الصراع نقطة مشتركة كجوهر الدراما، وهو ما يميز صناعة السينما السعودية أيضًا، وفي هذا السياق يُستثني "ضد السينما" بالروح الروائية والحس الوثائقي؛ انطلقت لحظة التقصي خلف الحقائق التي لا يدركها الكثيرون عن تاريخنا منذ السبعينيات ومحطات العثرات والإنجازات لصناعة الأفلام السعودية وقدر تأثيرها بالمنطقة عالميًا.
برأيك، هل أصبحت السينما السعودية (التجارية أو الفنية) جاهزة لتقديم سرديات أكثر جرأة وتجريبًا؟
نعم، مستعدة بالفنانين المتواجدين الشغوفين بالفعل؛ ونتمنى بالطبع أن تكون أكثر شجاعة في اقتحام أشكال فنية جديدة وعدم الاكتفاء بالشكل التقليدي؛ وهذا رهان أعي جيدًا قدرة السعوديين على اجتيازه.

كيف ترى مسؤولية المخرج اليوم تجاه بناء صورة سينمائية سعودية عالمية؟
أن يكون صادقًا وموهوبًا وشجاعًا وجريئًا ومخلصًا لمكانه وشخصياته وعالمه. وصلت الكثير من المشاريع السعودية للعالمية ونتمنى المزيد في الفترة المقبلة؛ وصدقًا يعود سبب التطور الكبير في دعم المؤسسات والتي تتضمن هيئة الأفلام وصندوق البحر الأحمر.
تحمل أحدث جوائزك اسم المخرج الكبير صلاح أبو سيف، أحد أهم مؤسسي السينما الواقعية بوطننا العربي. هل ترى صلة فنية أو فكرية بين روح أعماله وما تحاول تقديمه أنت في "ضد السينما"؟ وكيف تلهمك تجربته في صياغة لغة سينمائية صادقة؟
سعادة تغمرني باسم هذا الهرم الكبير للفكر السينمائي العربي؛ بالمناسبة لو تتذكرين أحد أبطال "ضد السينما" تحدث بالفيلم عن تجربة مشاهدته "ريا وسكينة" أول شريط سينمائي بحياته بأحواش جدة؛ أي إن أفلام صلاح أبو سيف كانت تُعرض بالخمسينيات للجمهور السعودي؛ هذا السينمائي العملاق المؤثر بأعماله "القاهرة 30" عن رواية نجيب محفوظ، و"بداية ونهاية" وغيره الكثير، نشأنا على أفلامه المصرية وتجاربه الملهمة في كتابة السيناريو بجانب الإخراج أيضًا؛ والآن تجمعنا "المدرسة الواقعية" أهم خصيصة بأعماله وهي ركيزة صناعة الأفلام الوثائقية.
وهل ترى في الجائزة مساحة أوسع للتجريب بأعمالك المقبلة؟
بكل تأكيد.. خاصة وإن الجمهور ينتظر عملاً جديدًا بفكر مغاير وهذه مسؤولية كبيرة مُجددة المهام.
ماذا عن خوضك تجربة السينما التجارية.. مستبعد أم في طور التتفيذ؟
أخذت القرار بالفعل لكنني اسميها سينما جماهيرية وليست تجارية؛ أصنع أفلام للناس المتلقين وليست لي فقط، وهذه المعايير توفرت بالفعل في الوثائقي "ضد السينما" والذي حرصت على صياغة رسالته بشكل ممتع يلائم كافة الفئات والأعمار.
مَن الفنانين الذين تتحمس للتعاون معهم في فيلم سينمائي جماهيري؟
هناك مجموعة كبيرة من الفنانين المصريين والعرب؛ منهم: الجيل الأكبر محمود حميدة، والجيل الحالي محمد فراج، ومنى زكي، وياسمين رئيس، ومن العرب الأردني منذر رياحنة، ومن السعودية يعقوب الفرحان.
تمتلك عددًا من الأفلام نالت جوائز دولية، من بينها: "ليمون أخضر"، و"بوصلة"، و"ترياق". كما اختير فيلمك الروائي القصير "رقم هاتف قديم" فيلم الافتتاح بمهرجان الأفلام السعودية عام 2022، ونال جائزة أفضل فيلمًا عربيًا بمهرجان "البحرين السينمائي الدولي" عام 2023، فضلاً عن جائزة لجنة التحكيم في مهرجان "القدس السينمائي الدولي" بغزة عام 2022؛ فكيف اخترت القاهرة السينمائي محطة عرض "ضد السينما"؟
يتعلق مكان العرض وتقديمه بالمهرجانات بتوقيت انتهاء مراحل صناعة الفيلم؛ ولكنني تحمست "للقاهرة السينمائي" لعدة أسباب؛ طرازه الكلاسيكي العريق المتلائم مع ذائقة الفيلم وموضوعه، وقيمته الكبيرة كمهرجانات "فينيسيا" و"كان"؛ عرضه بالعاصمة المصرية القاهرة يعد بمثابة اختبار حقيقي للفيلم وسط حضور نخبة كبيرة من الجمهور السعودي أيضًا بجانب المصريين؛ لا يوجد تعارضًا ولا ننسى فضيلة صندوق البحر الأحمر بعد فوزه بمرحلة ما بعد الإنتاج ودعمه بمراحله الأولى.

من هُنا ومع قرب حلول الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي ديسمبر المقبل.. نختتم بما تطلعاتك ورؤيتك تجاهه؟
سعيد باستمرارية مهرجان البحر الأحمر السينمائي؛ وتطوره سريعًا عربيًا وعالميًا، بدعم وزارة الثقافة وهيئة الأفلام بقيادة الرئيس التنفيذي المخرج عبد الله آل عيَاف. ثراء هائل بهذا الزخم الفني واستقطابه الأفلام المهمة والأنشطة الثرية؛ وهذه الدورة للمهرجان يقودها الصديق الرئيس التتفيذي لمؤسسة "البحر الأحمر"، المنتج فيصل بالطيور، نتحمس كثيرًا حقًا لفعاليات هذا العام.