"Slow Horses 5"

مسلسل "Slow Horses 5".. سخرية جاري أولدمان تنقذ الخيول البطيئة من السقوط

إيهاب التركي
16 نوفمبر 2025

كأن لندن نفسها – تلك المدينة الرمادية التي تتنفس الضباب والأسرار – تعيش كوابيس الحاضر في حلقات الموسم الخامس من مسلسل "الخيول البطيئة" (Slow Horses)، الذي بثته شبكة Apple TV مؤخرًا، حيث تتدفق الأحداث كأنهار تحت الأرض، غير مرئية للعيان لكنها تهدد بغمر الجميع في لحظة غفلة. هذا الموسم، الذي يعتمد على رواية "قواعد لندن" لميك هيرون، يأخذنا إلى قلب الانتخابات البلدية، حيث يندلع إطلاق نار جماعي يهز أركان المدينة، وتتحول الشائعات إلى قنابل موقوتة، ويصبح فريق المُخابرات المغضوب عليه من MI5 – تلك الخيول البطيئة – الخيط الوحيد الذي يربط بين الفوضى والنجاة. يقف جاري أولدمان، في دور جاكسون لامب، كصخرة متآكلة في عاصفة، ويلعن الجميع بكلماته الحادة كسكاكين صدئة.

دوامات تحت نهر التايمز 

الحبكة في الموسم الخامس تشبه نهر التايمز، يجري ببطء ظاهري لكنه يحمل تيارات قوية تحت السطح، جاهزة لسحب الجميع إلى الأعماق. تبدأ القصة بإطلاق نار جماعي في ساحة عامة، يستهدف حملة الانتخابات البلدية لزافار جافري (نِك محمد)، المرشح المتهم بـ"اللين تجاه الجريمة" من قبل خصمه اليميني المتطرف. هذا الحدث ليس مجرد استهلال درامي؛ إنه مرآة للتوترات الاجتماعية في بريطانيا المُعاصرة، حيث تندلع تفجيرات سيارات عشوائية تُعزى إلى ناشطي المناخ، ويصبح عضو مكتب الخيول البطيئة الهاكر المتعجرف رودي هو (كريستوفر تشنج)، محور شكوك بسبب صديقته الجديدة المريبة تارا (هبة بناني). أما شيرلي داندر (إيمي-فيون إدواردز)، عضوة فريق الخيول البطيئة، فترى في كل ظل قاتلاً محتملاً، مستذكرة موت ماركوس في الموسم السابق. وفي الوقت نفسه، يحاول ريفر كارت رايت (جاك لوودن) التعامل مع إرث أبيه الخائن، مُحاولًا كسب ثقة جهاز الأمن الداخلي البريطاني MI5 والعودة إلى مكانه الأصلي هناك. هذه الحبكة تتفوق في نسج الخيوط المتعددة كأنها نسيج من الدخان، حيث تتقاطع الخطوط السياسية – اليمين المتطرف، الإرهاب البيئي، والتدخل الأجنبي – دون أن تفقد الإيقاع. في الحلقة الثالثة "Tall Tales"، حيث تتجمد لندن تحت وطأة عمليات التخريب، يصبح الفريق محاصراً في سيارة، وتتحول محادثاتهم الساخرة إلى مفتاح لكسر الشيفرة، حيث يُصبح الضغط النفسي سلاحًا أمضى من الرصاص. هذا التوتر يمنح الموسم عمقاً سياسياً، يربط بين الواقع والخيال، كأن المؤلف هيرون يكتب تاريخاً بديلًا لبريطانيا اليوم، مع لمسات كوميدية ساخرة تحول التوتر إلى ضحكة مرة.

الخيول البطيئة في الضباب 

ومع ذلك، يُقدم العمل حبكة مشوقة تنطلق إلى الأمام بحماس ثم تتباطأ فجأة، مما يجعل بعض الجوانب تبدو مندفعة أو غير مكتملة. على سبيل المثال، التركيز المفرط على رودي في البداية يتلاشى ويخفت، كأنه خيط يُقطع قبل أن يربط العقدة، مما يترك الشخصيات الثانوية مثل تارا معلقة في الفراغ، أو مثل إنسحاب لويزا (روزاليند إليزار) المفاجيء من الفريق. هذا يتسبب في تشتت الخيوط الاجتماعية دون حلول قاطعة. فيصبح الزحام فاقدًا للجوهر، وتتحول الشخصيات إلى أشباح في حبكة تفتقر إلى التركيز.

ر

في قلب هذا الموسم، يقف جاري أولدمان في دور جاكسون لامب، الرجل الذي يلعن العالم بينما ينقذه بذكائه الخفي، يبدو مثل صُعلوك متشرد يُخفي داخله فارس نبيل حاد الذكاء. أداؤه هنا ليس مجرد تمثيل؛ بل إنه يبث الحيوية في جسد يحتضر، كشبح يتجول في ممرات MI5، تفوح منه رائحة الخيانة والفكاهة السوداء وقلة العناية بالنظافة الشخصية. بجانبه، يتمايل فريق الخيول البطيئة كأوركسترا مشتتة، كل عازف يعزف نغمته الخاصة في فوضى متناغمة. يسرق أولدمان الكاميرا في كل مشهد، خاصة في مونولوج الحلقة الثالثة. هناك، يروي قصة ماضيه كأنها حكاية من داخل صفحات رواية "1984" الديستوبية لجورج أورويل – مليئة بالسخرية والألم. يجمع لامب بين الدقة الداخلية الصارمة والفوضى الخارجية، فيصبح مرآة للنظام الفاسد.

ك

رودي والأداء الكاريكاتوري

جاك لوودن في دور ريفر، يتألق في انتقاله من دور الشاب الغاضب إلى الرجل المكسور، خاصة في مواجهته مع إرث أبيه – كمشهده في الحلقة السادسة "Scars"، حيث يواجه الندوب الجسدية والنفسية بعد رحلته الشاقة لإصلاح أخطائه. أما شيرلي (إيمي-فيون إدواردز)، التي تُعاني اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية، فهي كسيف ذو حدين: دؤوبة ومخلصة وساخرة ولاذعة في مواجهة سلاطة لسان لامب. ويصنع هذا التناقض والتنافر بين الشخصيات "الكيمياء القوية" بين الفريق.

رودي (كريستوفر تشنج) يقع في فخ الكاريكاتير، حيث تصبح الشخصية مثيرة للضحك إلى حد يجعل حبكتها تفتقر إلى الجدية، كأنك تُشاهد شارلي شابلن يؤدي شخصية الصعلوك في فيلم جاسوسية جاد، بل مما أضعف مصداقية عالم المسلسل الذي شاهدناه في المواسم السابقة. في الحلقة الرابعة "Missiles"، يتحول رودي إلى مهرج يلوح بسيف في لحظات تهديد بالقتل، مما يُفقده عمقه والغموض الذي أعطاه إياه الموسم الثالث.

ب

أُسند إخراج الموسم الخامس إلى ساول متزستين، الذي يعود للمسلسل بعد الموسم الثالث. هو يحول لندن إلى لوحة حية من الرماد والأضواء المتلألئة – كأن كل إطار قصيدة فيلم نوار مكتوبة بدماء العملاء. إخراجه بطيء الاحتراق، يبني التشويق كغليان ماء في قدر مغلق، وفي الوقت نفسه تكون المدينة نفسها جزءاً من التوتر.

لوحة من الرماد

يتفوق ساول متزستين في دمج الفكاهة مع التشويق – كمشهد الحلقة الثانية "Incommunicado"، حيث يقطع لامب الطريق على قاتل في ممر مظلم. الإضاءة الخافتة تحول المشهد إلى لوحة فنية قاتمة، بل مع حركة كاميرا تتبع الخطوات كأنها نبض قلب يخفق بالخوف. فيعزز الإيقاع السريع. في الحلقة الخامسة "Circus"، تتحول التحقيقات إلى رقصة جماعية مُتصاعدة الإيقاع. كما يلتقط الإخراج جوهر لندن كمدينة حية، مع لقطات واسعة لنهر التايمز كشريان ينبض بالخطر.

يفقد الإخراج حدته أحياناً – كأنه سيف صدئ. مشاهد الأكشن في الحلقة السادسة تبدو مقتضبة، مثل المطاردة في حديقة الحيوانات. تشبه فوضى بدون بريق، فتغلب السرعة على الدقة – غير أن التركيز على الفكاهة خفف الكثير من التوتر مقارنة بالمواسم السابقة.

ب

الموسيقى التصويرية لواليدرام أوليفييه – مع نغمات إلكترونية مشحونة بالتوتر – تعزز التشويق في مشاهد الأكشن. كما يبرز التصميم الإنتاجي في إعادة بناء مكتب فريق الخيول البطيئة كمبنى متداعٍ. رمزٌ للنظام الفاسد. غير أن بعض نقلات المونتاج تبدو متعجلة – مثل نقلات مشاهد الاستجواب التي تفتقد سلاسة الإيقاع – بل مما يجعل عناصر المشهد تبدو مجهدة وفوضوية أحيانًا.

الأكشن في هذا الموسم ليس انفجارات هوليوودية؛ بل يعتمد على الذكاء أكثر من القوة. كأن كل مطاردة مباراة شطرنج في الظلام. ففي مشهد اعتراض لامب للقاتل في الحلقة الثانية، فتتحول المطاردة إلى لعبة قط وفأر نفسية – مع حركة كاميرا تتبع التنفس، مما يجعل المتفرج قريبًا من الشخصيات، كأنه منخرط معها في المطاردة.

م

ندوب الزمن

الموسم الخامس أقل إشراقاً من المواسم السابقة – لكنه يحمل بذور التغيير. مقارنة بالموسم الرابع، الذي كان "شخصياً ومرهقاً ويفتقر روح عمل الفريق"، فيأتي هذا الموسم أخف وزنًا وأقل قتامة، يركز على الفكاهة والتجاذبات الجماعية أكثر من الدراما العائلية لريفر.

في نهاية المطاف، يترك الموسم الخامس ندوباً حية كقدم لامب المحروقة – رمزاً لماضٍ يطارد الحاضر. ويعد بموسم سادس أكثر عنفاً. بل لكنه يذكرنا: الخيول البطيئة لا تسقط؛ إنها تتعثر لتعود أقوى – كلندن التي تنهض من رمادها من جديد، تُحاول التخلص من أخطائها ومواصلة طريقها نحو الأمام.
و