
فيلم The Thursday Murder Club... ألغاز الجريمة في دار المسنين أو كوميديا كولومبوس المدهشة!
يرتبط اسم المخرج كريس كولومبوس في أذهاننا بأفلامه الأيقونية، مثل الجزء الأول والثاني من Home Alone وفيلمين من سلسلة Harry Potter، وفي فيلمه الجديد (نادي الخميس للجريمة The Thursday Murder Club) يقدم لغزًا سينمائيًا جديدًا من نوعية تعكس مزيجًا من أسلوب "أجاثا كريستي" في المزج بين الجريمة والنقد الاجتماعي، وروايات الكاتبة البريطانية إنيد بليتون الشهيرة، مؤلفة سلسلة "المغامرون الخمسة"، حيث يقوم خمسة مراهقين أذكياء بحل جرائم حيرت الشرطة. في فيلم كولومبوس، نتابع مغامرات أربعة من العجائز المتقاعدين النشطين في نادٍ سري لحل جرائم قديمة لم تحلها الشرطة أبدًا؛ يعيش المحققون الهواة في مجمع راقٍ للمتقاعدين، في قرية كوبرز تشيس البريطانية، لا يقل حماسهم - رغم التقدم في السن - عن حماس الشباب.
الشيخوخة ضد الرتابة
الفيلم مستوحى من رواية ريتشارد أوسمان الصادرة عام 2019، وتندمج فيها الفكاهة الخفيفة مع الغموض العميق، مع لمسة درامية اجتماعية تعكس حياة المتقاعدين في بريطانيا المعاصرة. تبدأ الحبكة من قلب دار التقاعد في كوبرز تشيس، حيث يُشكل أربعة من العجائز المتقاعدين ناديًا أسبوعيًا. عندما يُعثر على جثة مقاول بناء يمتلك دار رعاية للمسنين، وتتكشف حكايات عن فساد تجاري، ورغبة شركاء القتيل في تحويل مبنى المسنين التاريخي إلى مجمع سكني فاخر، يتحول أعضاء النادي إلى فريق تحقيق خاص يعتمد على خبراتهم السابقة وتفكيرهم غير نمطي. القصة تتأرجح بين تفاصيل الزمن المعاصر وذكريات قضايا لم تحل من الماضي، مما يرسم لوحة غامضة تكشف تدريجيًا عن أسرار تتعلق بماضي الشخصيات.

الحبكة تقدم رؤية نقدية لطيفة عميقة للشيخوخة، حيث يتحول النادي إلى رمز للنشاط والمقاومة ضد الرتابة، وهو ما يميزه عن أفلام الغموض البوليسي التقليدي، التي تركز على الشباب النشط. في أحد المشاهد، نرى مجموعة المتقاعدين يجلسون حول مائدة الشاي، حيث يتبادلون أفكارًا مضحكة لفك شفرة الجريمة، لكنها تضيف طبقة من الذكاء، مما يجعل الفيلم تأملًا في كيف يمكن أن تكون السن المتقدمة فرصة لبداية مغامرة جديدة. كولومبوس يلتقط هذه الحبكة لاستكشاف فلسفة الشيخوخة كمرحلة من الصراع الإنساني، حيث كل لغز يعكس ذكرى أو جرحًا دفينًا، وهو يرسم أيضًا لوحة لطيفة للشخصيات المسنة وكيف توظف البطء والتأمل إلى قدرة على رؤية الوقائع بنظرة أعمق.

نادي الملكة وبوند وغاندي
الفيلم يضم فريقًا من النجوم الذين يحولون الشيخوخة إلى لوحة مليئة بالألوان العاطفية العميقة والمرح والذكاء. هيلين ميرين، كإليزابيث، تبرز بأداء يمزج بين الحنكة كمحققة استقصائية والفكاهة الخفيفة. هي سيدة عجوز صغيرة الحجم، لا يلتفت إليها أحد، مما يوفر لها غطاء جيد حينما تتحرى، ترتدي أحيانًا زيًا بسيطًا أثناء تحركاتها في القرية، يشبه زي الملكة الراحلة إليزابيث في جولاتها الريفية، وهي نكتة مزدوجة تذكرنا بدورها في The Queen، تضيف ميرين لمسة دافئة تجعل شخصيتها مركز القصة، خاصة في مشاهد تلمح إلى ماضيها كعميلة سرية غامضة في جهاز الاستخبارات البريطاني MI6، حيث تعكس نظراتها صراعًا بين الذكاء والحنين.
بيرس بروسنان، جيمس بوند الأسبق في دور رون، النقابي السابق، الذي لا يزال يحمل حماس الشباب الثوري، يقدم أداءً يجمع بين الخشونة الخارجية والعاطفة الداخلية، لكنه يضيف عمقًا يعكس كيف يحمل المتقاعدون ذكرياتهم كأحمال ثقيلة، خاصة في مشاهد يواجه فيها أعداءه السابقين.

بن كينجسلي، الطبيب النفسي المتقاعد، في دور إبراهيم عارف، يضيف طابعًا فلسفيًا يعزز الجانب النفسي، رغم أن دوره قد يبدو أحيانًا هامشيًا، يذكرنا بلمحات من حكمة وهدوء شخصية غاندي التي قدمها في فيلمه الشهير الفريد. سيليا إمري، كجويس، العضوة الجديدة التي تجلب براءة مرحة تضفي حيوية على المجموعة، وتجعل المشاهد الجماعية مليئة بالحياة، كأنها ترسم لوحة للصداقة اللطيفة في مرحلة الشيخوخة.
تعزز شخصية الشرطية دونا (ناعومي آكي) قوة مجموعة المحققين، إذ تجسد شخصية شرطية شابة، لطيفة ودمثة الأخلاق وذكية، لكنها تعاني من الرتابة المهنية والإقصاء من قبل كبير المحققين، تقوم بمساعدة مجموعة نادي الخميس بإمدادهم بمعلومات تساعدهم في تحرياتهم، وتساهم في التحقيق.
التناغم بين الأداءات يعكس الروح الجماعية للنادي، لكن الفيلم يركز على إليزابيث في أغلب المشاهد، مما يجعل الشخصيات الأخرى تبدو في الظل أحيانًا، ربما كان سيناريو الفيلم يحتاج إلى توازن أكبر ليبرز جميع الشخصيات.

رؤية كولومبوس
كريس كولومبوس يثبت في The Thursday Murder Club قدرته على تحويل الكوميديا إلى أداة درامية، مستخدمًا أسلوبًا يمزج بين اللقطات الهادئة والكوميديا النقدية واللحظات المثيرة. الإخراج يعتمد على كاميرا ديناميكية تتبع الشخصيات في المشاهد الخارجية، مثل حدائق القرية. حيث يبني التوتر عبر زوايا غير متوقعة، مما يعزز الجو الكلاسيكي الفريد للكوميديا البريطانية مع لمسات حديثة. جرأة كولومبوس في استخدام الفلاشباكات لكشف الأسرار تدريجيًا تدفع المتفرجين ليشعروا بالانخراط، لكنه ينزلق أحيانًا إلى الإفراط في تقطيع المونتاج، حيث يصبح الفيلم معقدًا في بعض النقاط، مما يفقده التوازن الدقيق في الجمع بين الفكاهة والجدية.

يستغل المصور جوناثان روس المناظر الطبيعية لقرية كوبرز تشيس لإبراز التباين بين الهدوء الخارجي والاضطراب الداخلي، مع إضاءة ناعمة تعزز الدفء النفسي مع لمسات قاتمة في مشاهد التحقيق. الموسيقى التصويرية لمارك كورفن تضيف طبقة من التوتر عبر نغمات هادئة تتصاعد في لحظات الاكتشاف، مما يخلق تناغمًا صوتيًا عميقًا يعزز الجو الغامض، خاصة في مشاهد المكائد التي تكشف الأسرار.
المؤثرات البصرية، المستخدمة في تصميم المشاهد الخارجية مثل الغابات المظلمة، تتميز ببساطتها المقصودة، مما يجعل الغموض أكثر واقعية ويعزز فكرة الفيلم عن الألغاز كجزء من الحياة اليومية. الديكورات، مثل المنازل البسيطة مقابل أثاث النادي الفاخر، تعكس التباين الاجتماعي، مما يضيف عمقًا بصريًا، ويجعل الفيلم تجربة بصرية ممتعة.

ضحكات الحاضر وآلام الذكريات
تعتمد الكوميديا في الفيلم على سخرية لطيفة تعكس حياة المتقاعدين، حيث تتحول كل لحظة من التحقيق إلى ضحكة دافئة مليئة بالحنين. النكات، مثل تلك التي تدور حول نقاشات الشاي أو سوء فهم التقنية الحديثة، تعيد خلق روح الكوميديا البريطانية الكلاسيكية الفريدة، مع لمسة حديثة تجعلها ملائمة لجمهور 2025. من المزايا، التوازن بين الفكاهة والجدية، حيث يتحول المنزل إلى مسرح للضحكات الممزوجة بالتوتر، ربما جاء ذلك على حساب استكشاف الجانب المظلم للحياة في واقع المسنين.
يقدم الفيلم نسخة سينمائية ديناميكية، حيث يعمق كولومبوس الصراع العمري باستخدام الصور البصرية التي تعزز الرواية. التي ركزت على الصداقة كمحرك للتحقيق، واللمسات الدرامية مثل مشاهد الصراع مع الماضي، مع إضافة بعض الدراما الاجتماعية المعاصرة، مثل نقد سلبيات رعاية المتقاعدين، مما يجعلها أكثر ارتباطًا بقضايا اليوم مثل الشيخوخة في عصر العزلة.
الفيلم يحافظ على روح الحبكة في تصوير التحقيق كمغامرة، لكنه يقوم بتعزيز الشخصيات عبر الأداءات، على سبيل المثال، مشهد الكشف عن هوية القاتل في الفيلم يصبح استعارة لتسوية الحسابات، ربما بسط السيناريو بعض التفاصيل، مما جعل الفيلم أكثر خفة، رغم أنه يعكس إلى حد ما رؤية الكاتب في الجمع بين الفكاهة والعمق.

الجرأة والإيقاع
النهاية، التي تحاول ربط كل الخيوط، تبدو متسرعة، لكن الإخراج بشكل عام يحمل بصمة كولومبوس في تحويل القصص البسيطة إلى ملاحم عاطفية، الفيلم كان يحتاج إلى إيقاع أكثر سلاسة ليحقق تأثيرًا أعمق.
في سياق السينما الحديثة، يمثل الفيلم محاولة جريئة لكولومبوس لاستكشاف زاوية جديدة. مستفيدًا من خبراته في الكوميديا والدراما الجادة ليصنع قصة متعددة الطبقات تعكس فلسفة الشيخوخة كمرحلة من الصراع الإنساني. التعليقات الذكية على التقاعد، مدعومة بأداءات قوية من المجموعة، التي أضافت حيوية وجاذبية، عززت التقلبات بين الصداقة والتحدي. ربما ظهر الضعف في الإيقاع، حيث يظهر السرد أقل تماسكًا في بعض اللحظات، خاصة مع التويستات المتسارعة.

الفيلم يقدم رؤية فريدة للكوميديا الغامضة، مع حبكة تعكس فلسفة الشيخوخة كرحلة إنسانية، مقارنة بأعمال كولومبوس السابقة، يشكل خطوة إبداعية، لكنه كان يحتاج إلى هيكلة أكثر سلاسة ليصبح عملًا كلاسيكيًا. لعشاق الكوميديا الخفيفة، هو تجربة ممتعة، لكن مع نظرة متعمقة، يبقى عملًا يحمل بذور إبداع أصيل لم ينضج بشكل كامل.
الصور من حسابات نتفليكس وصناع الفيلم على انستجرام.