
خاص "هي" رسالة مهرجان فينيسيا 2025- فيلم "نجوم الأمل والألم".. هل يمكن أن يأتي أي منهما دون الآخر؟
هذا الفيلم أشبه بحدوتة رومانسية بسيطة، على الأقل في فصليه الأول والثاني، ولكن لأن الحواديت الرومانسية في بعض الدول العربية، لا يمكن أن تكون سعيدة تمامًا، فإنه ضم في ثناياه الكثير من الألم.
”نجوم الأمل والألم“ للمخرج سيريل عريس، هو فيلمه الروائي الطويل الأول ويشارك ضمن مسابقة ”أيام فينيسيا“ (Giornate degli Autori)، حيث حصد جائزة الجمهور مناصفة مع فيلم "ذاكرة" (Memory) إخراج فلادينا ساندو.
تدور الأحداث في لبنان خلال عدة أعوام قبل، حيث نتابع الثنائي نينو (حسن عقل) وياسمينا (مونيا عقل) اللذين يرتبطان بقصة حب منذ الطفولة، وخلال مراحل قصة الحب تلك نشاهد في خلفية الأحداث ومقدمتها أيضًا ما يحدث في لبنان عبر السنوات.

من النادر جدًا أن يخرج فيلم لبناني دون أن تلقي الحرب الأهلية (1975 - 1990) بظلالها عليه. ولكن تاريخ لبنان المعاصر حمل ما هو مؤلم أيضًا بخلاف هذه الحرب، مثل الانهيار الاقتصادي وانفجار مرفأ بيروت، ولهذا تبدو الحياة اليومية هناك في ظل هذه الظروف أشبه بمعجزة.
يستعين الفيلم بجماليات الأفلام الرومانسية التي يحبها الجمهور، بداية من اختلاف طباع طرفي القصة إلى تاريخ علاقتهما ثم لقائهما مرة أخرى بطريقة "سينمائية"، مشاهد الحب، الخطابات المكتوبة، وغيرها من الأفكار التي شاهدناها في أفلام رومانسية من قبل. نينو شاب متحمس دائمًا وحالم وطائش بعض الشيء، يدير مطعمًا في بيروت، بينما ياسمينا مستشارة قانونية، منظمة إلى أقصى حد وواقعية جدًا. بعد أن كانا معًا في المدرسة وافترقا منذ الطفولة، يلتقيان معًا في حادث غريب لا يخلو من طرافة بعد العديد من السنوات، وشخصيتيهما تشكلت وتغيرت عن مرحلة الطفولة، لكن هذا لم يمنع من اشتعال جذوة الحب التي كانت في قلبيهما.

كل التغيرات السياسية التي تحدث في لبنان تظهر جلية على قصة الحب، حتى لا نبالغ إن قلنا إنها تتدخل بشكل واضح في كل خطوة في حياة الشخصيتين، فبينما ترى ياسمينا أن ظروف البلد لا تصلح لتكوين أسرة، ولا تصلح للحفاظ على الأسرة حال تكوينها، فإن نينو لا يكف عن محاولة التشبث بالبقاء داخل لبنان والتأقلم مع تغيراته التي لا تتوقف، ولا تتجه إلى الأفضل. يبدو نينو وياسمينا وكأنهما اضطراب المشاعر الذي يغزو أي شخص مرتبط بوطنه ويفكر في مغادرته لظرف أو لآخر. الحيرة بين الرحيل وترك الأقارب والذكريات والأماكن والأصدقاء، والبقاء دون استقرار مادي أو وضوح للخطوات التالية أو شعور بالأمان. ورغم اختلاف شخصيتيهما، فإن سيناريو الفيلم لا يفصل بينهما بشكل قاطع، بل على العكس يضع من كل شخصية في الأخرى، ويزداد هذا التداخل بينهما مع مرور السنوات. فنجد أن ياسمينا تستعين بالخطابات المكتوبة للحديث عن مشاعرها التي لا تود أو لا تقدر على التصريح بها، وهو أمر لا يشبه شخصيتها القوية، بينما نينو يُقدم يتوصل إلى بعض الحلول العملية قرب نهاية الفيلم والتي لم يكن ليتخذها نينو الشاب الحالم.

رغم صعوبة رحلة البطلين خلال الأحداث فإن سيريل عريس يفضل التخفيف من هذه الأجواء باستخدام تون كوميدي واضح، على الأقل في الفصل الأول، قبل أن يخفت تدريجيًا في الفصلين التاليين، مع تصاعد الأحداث، وهو ما لم يكن خيارًا سهلًا، إذ أن الاختلاف بين بداية الفيلم ونهايته يمكن أن يضر بتماسكه، ولكن الانتقال بين الفصول كان سلسًا ومنطقيًا. تجدر الإشارة هنا إلى الأداء التمثيلي الجيد والمناسب للفيلم، خاصة من بطليه مونيا عقل وحسن عقل، فبجانب التفاهم الكبير بينهما على الشاشة، فإن كلاهما حافظ على روح الشخصية خلال الأحداث، ولهذا أمكننا تصديق أن نينو المرح هو نفسه المكتئب المغلوب على أمره في نهاية الأحداث، وياسمينا الجادة، هي نفسا التي تستسلم للحب ولقرارات نينو المندفعة أحيانًا. لا يتركنا الفيلم مع نهاية محددة أو شعور واحد، بل يلقي بكل هذه المشاعر إلينا ويدعنا نفكر في مصير الشخصيات بعد تترات النهاية.
"نجوم الأمل والألم" هو بداية قوية لمخرجة في مجال الأفلام الروائية، ونظرة مكثفة على لبنان المعاصر، دون تجميل أو تشويه.