
خاص "هي" رسالة مهرجان فينيسيا 2025- فيلم "The Smashing Machine".. فرصة لتذكر رائعة مارتن سكورسيزي وروبرت دي نيرو
الأفلام التي تقدم مسيرة رياضي ما، سواء مستوحاة من شخصية واقعية أو تأتي بشخصية خيالية، عادة ما يكون لها بناء محدد وواضح، لا يحمل الكثير من المفاجآت، والمشاهد على علم بذلك تمامًا، ولكن هذا لا يمنعه من الاستمتاع بها، نظرًا لما تحتويه من عناصر كثيرة ممتعة، مثل المنافسة، ولحظات الهزيمة السابقة السابقة للانتصار، ورحلة الشخصية نفسها للوصول إلى شكلها النهائي.
هناك استثناءات بسيطة لهذا البناء، والتي تميل إلى عرض البطل المهزوم، وأشهرها رائعة مارتن سكورسيزي "Raging Bull" (الثور الهائج) الذي أبدع خلاله روبرت دي نيرو في شخصية الملاكم جيك لاموتا. فيلم "The Smashing Machine" (آلة التحطيم) للمخرج بيني صافدي يذكرنا بشكل ما ب"الثور الهائج"، لكن هل كان هذا في مصلحة الفيلم؟
يقدم "آلة التحطيم" مرحلة من حياة مارك كِر (دواين جونسون) البطل الأمريكي المعتزل لرياضة "فنون القتال المختلطة" الأمريكي والتي تجمع كما يبدو اسمها بين عدة رياضات منها الملاكمة والكاراتيه. يركز الفيلم على فترة زمنية قصيرة بين نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، وخلال هذه الفترة نتابع مسيرته الرياضية تحديدًا في البطولات المقامة في اليابان وعلاقاته الشخصية مع حبيبته دون (إيميلي بلانت).
يبدو كِر منذ ظهوره الأول شخصًا هادئًا ولطيفًا، عكس ما يوحي به مظهره الضخم لا يشغله شيء سوى تدريباته. في الحقيقة الأداء الذي قدمه دواين جونسون هو أفضل عناصر الفيلم، بل لا نبالغ إن قلنا إنه رفع مستوى الفيلم ككل. نظريًا يبدو جونسون -أو "ذا روك" كما كان يدعى سابقًا- ملائمًا للشخصية على المستوى الجسدي، ويضيف المكياج المميز المزيد من المصداقية للشكل، ولكن فعليًا كان اختيار المخرج له في هذا الدور هو مغامرة، إذ أنه اشتهر بأدوار الأكشن أو الكوميديا التي لا تتطلب منه الكثير من المجهود عادة، بينما هذا الدور يضم الكثير من المشاعر بجانب المجهود البدني. وتأتي إيميلي بلانت في مواجهته في اختيار ملائم أيضًا وجديد عليها، في صورة الفتاة التي لا تهتم إلا بمظهرها وحبيبها، ولكن العلاقة بينهما شديدة الاضطراب وهنا تظهر أولى مشكلات الفيلم.
تتكرر المعارك بين كِر ودون بشكل غير منطقي، وكانت مقبولة ومفهومة في البداية لتوضيح ملامح هذه العلاقة، ولكن لاحقًا لم تقدم أي جديد يُذكر خاصة ونحن لا نرى أية أبعاد حقيقية لشخصية دون، ولا نستطيع تكوين أية عاطفة سلبية أو إيجابية تجاهها، وهذا الأمر ينطبق أيضًا على شخصية صديق كِر ومنافسه في الآن ذاته مارك كولمان (ريان بدر). المفترض أن كولمان هو الداعم الأكبر لكِر لكنه يظهر ويختفي خلال الأحداث بشكل غير مفهوم، وفي أحد فصول الفيلم تنتقل الأحداث لتتابعه مع زوجته بشكل أكبر وكأنه تحول إلى بطل موازٍ قبل أن يتراجع مرة أخرى للخلفية. يضيف عبئًا إلى هذا الخط الأداء الضعيف وغير المقنع للرياضي ريان بدر والذي كان جليًا عدم خبرته بالتمثيل، خاصة في المشاهد التي تحتاج إلى انفعالات واضحة عندما يتعرض كِر لوعكة صحية، فجاء أداؤه باردًا ومرتبكًا، حتى يمكن أن نظن لوهلة أنه لا يهتم لأجل صديقه.
وإن كان ما يحدث مع شخصية كولمان هو نموذج مصغر للفيلم ككل، فهناك نقص كبير في الترابط وفي التوجه العام للفيلم. إذ ذكرنا في البداية "الثور الهائج" فإن هذا الفيلم كان نموذجًا لكيفية صناعة خط واضح خلال فيلم يتحدث عن بطل رياضي، الاختيار كان طرح كيف يمكن تحول البطل الرشيق إلى شخص ممتلئ فاقد الشغف، ويأتي هذا من خلال تحليل عميق لنفسيته، لتصبح مشاهد الملاكمة -رائعة التنفيذ- هي مرحلة داخل حياة الشخصية، وليست هي الهدف الأساسي من الفيلم. بينما في "آلة التحطيم" لا ندري تحديدًا ما الغرض من الفيلم، وهذا يستمر حتى السطور التي تُكتب قبل تترات النهاية، والتي تذكر أن مارك كِر ساهم في شهر رياضة "فنون القتال المختلطة" في حين أن الفيلم لا يدور بالأساس عن هذه الرياضة حتى يكون تأثيره عليها محور اهتمامنا في النهاية، وفي الآن ذاته لا يمكن أيضًا أن نعده فيلمًا رياضيًا تقليديًا نتحمس خلال مشاهدته للمباريات ونهتف للبطل، إذ جاء تصوير هذه المباريات أقرب للشكل التلفزيوني في النقل.
ربما كان "آلة التحطيم" ممتعًا في بعض أجزائه، ومحطة مهمة لدواين جونسون، ولكنه ليس كذلك بالنسبة لمخرجه بيني صافدي، خاصة وهو يأتي بعد فيلمه السابق شديد التميز "Uncut Gems" (جواهر غير مصقولة).