فيلم The Naked Gun

فيلم "The Naked Gun".. إعادة إحياء كوميديا الفوضى في عصر الأكشن الجاد"

إيهاب التركي
25 أغسطس 2025

في أحد أيام الثمانينيات، كان فرانك دريبين، الشرطي الساذج الذي يحمل اسم ليسلي نيلسن، يتعثر بحماقة بينما يحاول إنقاذ العالم من كارثة كوميدية في فيلم "The Naked Gun". الآن، في 2025، يعود هذا الإرث بصورة جديدة، حيث يمسك ليام نيسون بمسدس دريبين جونيور في جزء جديد يحمل روح الثمانينيات المرحة، محاولًا إعادة صياغة تلك الضحكات في عالم أصبح الأكشن فيه أكثر جدية. الفيلم الذي يحمل عنوان "The Naked Gun"، أيضًا، أخرجه أكيفا شافر، ليس مجرد إعادة إنتاج للفيلم القديم؛ هو محاولة لإحياء روح كوميديا الفوضى الحديثة التي أسسها ديفيد زوكر في الثمانينيات، وهي امتداد لكوميديا "slapstick comedy" التي قدمها في بدايات السينما نجوم أمثال تشارلي تشابلن، باستر كيتون، ولوريل وهاردى، لكنه، أكيفا شافر يواجه تحديًا كبيرًا في عصر يفضل الأكشن العنيف على الضحك البدائي.

فوضى الثمانينيات!

نجحت سلسلة أفلام "The Naked Gun"، التي بدأت في نهاية الثمانينيات، في دور العرض الأمريكية والعالمية، رغم أنها مقتبسة من المسلسل الكوميدي "Police Squad!"، الذي فشل وأُلغي عام 1982 بعد 6 حلقات فقط؛ بسبب عدم استيعاب الجمهور لأسلوبه الكوميدي المتقدم، الذي يتطلب تركيزًا كاملًا. شبكة ABC أنتجت المسلسل وهي تظن العمل رائعًا، والكوميديا به أصيلة وغير مسبوقة، بينما المشاهدون يفوتون النكات إذا غاب انتباههم عن الشاشة للحظة. في كل لحظة من أفلام السلسلة، تأكد أن خلفية المشهد ليست مهملة تمامًا، بل تحتوي على نكات تحتاج انتباه وتركيز حتى تلمحها، وسرعة استيعاب حتى تفك رموزها وتفهم سياقها، أو حتى تدرك عبثيتها وسخافتها؛ من الوارد أن تفوت نكتة لأنك لا تزال مستغرقًا في الضحك على نكتة تسبقها.

 

كيف نشأت سلسلة أفلام "The Naked Gun"
كيف نشأت سلسلة أفلام "The Naked Gun"

نشأت سلسلة "The Naked Gun" في أواخر الثمانينيات كنتيجة طبيعية لثورة الكوميديا الساخرة التي اجتاحت هوليوود، حيث كانت أفلام الأكشن والشرطة، مثل "Dirty Harry" و"James Bond"، تهيمن على الشاشات بطابعها الجاد والمبالغ فيه، فجاءت السلسلة لتسخر منها بجرأة، مستفيدة من الجو الثقافي الذي شهد صعود أفلام البارودي مثل "طائرة" "Airplane!" إنتاج (1980)، من ابتكار نفس الثلاثي الإبداعي "إبراهام، زوكر، وزوكر"، وهو نسخة ساخرة من سلسلة أفلام شهيرة ظهرت في السبعينيات والثمانينيات عن اختطاف الطائرات المدنية أثناء تحليقها في الجو.

سلسلة "The Naked Gun" أحدثت ثورة في الكوميديا الساخرة
سلسلة "The Naked Gun" أحدثت ثورة في الكوميديا الساخرة

 

بين الجدية والهزل!

عرض أول فيلم من سلسلة أفلام "The Naked Gun" في 1988، حيث حقق نجاحًا تجاريًا هائلًا رغم ميزانيته المتواضعة، وذلك بفضل أسلوبه في الضحك البدني واللفظي السريع، الذي كان يعتمد على إفيهات بصرية ونكات غير مترابطة، مما جذب جمهورًا يبحث عن هروب من الجدية والواقع المتوتر في حقبة الحرب الباردة.

في النسخة الجديدة لعام 2025، يبدو التناقض جليًا مع نجاح أفلام الأكشن الحديثة مثل سلسلة أفلام "جون ويك"، التي تركز على مطاردات مصممة بأسلوب درامي جاد يعتمد على الانتقام الشخصي والفنون القتالية الدقيقة، أو "مهمة مستحيلة" التي تبرز مجازفات عالية التقنية ومؤامرات دولية معقدة، حيث يسخر فيلم "The Naked Gun" الجديد من هذه الجدية بتحويل الأسلحة إلى أدوات فوضى مثل قاذفات اللهب في مطعم مغطى بالثلج، مما يخلق تناقضًا مرحًا بين الثمانينيات الساخرة والألفية الجديدة الجادة. ومع ذلك، يتأثر الفيلم بأجواء الثمانينيات بشكل واضح من خلال الحفاظ على الضحك البدني والنكات اللفظية غير المترابطة، لكنه ينجح جزئيًا في استيعاب حبكات الأكشن الحديث بإضافة عناصر مثل الغاز السام الذي يحول الناس إلى آلات، مما يقدم أفكار بارودي ملائمة تسخر من الاعتماد المفرط على التكنولوجيا في أفلام مثل "John Wick: Chapter 4" أو "Mission Impossible - Dead Reckoning"، حيث يصبح البارودي ليس مجرد تقليد، بل تعليقًا على كيف تحولت الأسلحة من رموز قوة إلى أدوات فوضى اجتماعية في عصرنا، رغم ذلك، يظهر الفيلم أقل ابتكارًا بسبب التركيز على إفيهات حديثة قد تبدو مفتعلة.

فيلم "The Naked Gun" الجديد يحول الأسلحة إلى أدوات تهريج
فيلم "The Naked Gun" الجديد يحول الأسلحة إلى أدوات تهريج

الضحك بصوت عالي

الحبكة في "The Naked Gun" تبدأ بمشهد كلاسيكي: فرانك دريبين جونيور (ليام نيسون)، شرطي فاشل يحاول إثبات نفسه كوريث لوالده الأسطوري، يتورط في مؤامرة إرهابية يقودها ريتشارد كين (داني هيوستن)، رجل أعمال يخطط لإطلاق غاز سام يحول الناس إلى آلات طيعة مسلوبة الإرادة. البلدة تتحول إلى فوضى، مع أحداث تتضمن سيارات متفجرة، حفلات فاشلة، ومطاردات كوميدية، كل ذلك في إطار يحاكي النسخة الأصلية من 1988، حيث كان التهديد محاولة اغتيال الملكة إليزابيث.

من المزايا، الحبكة تحتفظ بروح الفوضى التي ميزت السلسلة الأصلية، مع تويستات غير متوقعة تضيف لمسة حديثة، مثل استخدام أسلحة تكنولوجية تذكر بأفلام الجاسوسية مثل "Kingsman"، أو تلك التي تكشف عن هوية الشرير كجزء من فرقة موسيقية مخفية؛ المشهد الذي يتعثر فيه دريبين بين أسلحة الغاز، محاولًا إنقاذ حفلة زفاف، يعيد خلق الكوميديا البدنية بطريقة تجعل الجمهور يضحك بصوت عالي. لكن العيب الأبرز هو الاعتماد المفرط على الكليشيهات، حيث تبدو المؤامرة متوقعة وغير مبتكرة، خاصة في النصف الثاني الذي يعتمد على مطاردات طويلة تفقد بريقها.

الحبكة في "The Naked Gun" حافظت على الروح الكوميدية
الحبكة في "The Naked Gun" حافظت على الروح الكوميدية

مقارنة بـ"The Naked Gun: From the Files of Police Squad!" إنتاج 1988، الذي كان يعتمد على سخرية سريعة وغير مرتبطة بقصة معقدة، يبدو النسخة الجديدة أكثر جدية في بعض اللحظات، مما يخفف من الضحك التلقائي. السيناريو، المكتوب من دان جريجور ودوج ماند، يحاول تحديث القصة بإضافة عناصر اجتماعية مثل الصراع مع التكنولوجيا، لكنه يفشل في الحفاظ على التوازن، مما يجعل الفيلم أشبه بمحاولة إعادة الرحيق لوردة ذابلة.

نيسون يتحدى نيلسن

التمثيل في "The Naked Gun" يعتمد بشكل كبير على ليام نيسون، الذي يلعب فرانك دريبين جونيور بمزيج من الجدية التي عرفناها في "Taken"، والفوضى الكوميدي. نيسون ينجح في تجسيد الشرطي الفاشل، مع تعبيرات وجه جامدة تضيف لمسة من الفكاهة، خاصة في مشاهد مثل تلك التي يحاول فيها إيقاف قنبلة باستخدام حذائه، أو عندما يخطئ في التعرف على الشرير بسبب نظاراته المكسورة. هذا الأداء يبرز قدرته على التحول، مما يجعله خلفًا جديرًا لليسلي نيلسن في النسخة الأصلية، حيث كان نيلسن يعتمد على التعبيرات الباردة لخلق الضحك.

باميلا أندرسون تضيف لمسة من الجاذبية كجين سبنسر، حبيبة دريبين، مع أداء يمزج بين الغباء الكوميدي والذكاء الخفي، مما يذكر بأدوارها في "Baywatch" لكن بطابع أكثر فوضى. كيفن دوراند في دور سيج جوستافسون يقدم شخصية شريرة مبالغ فيها، مع حوارات طريفة تجعل المشاهد يضحك بصوت عالي. الشخصيات الثانوية، مثل كودي رودس، وبيزو بيبي، تضيف تنوعًا كوميديًا، لكن بعض الأداءات تبدو متكررة، خاصة في المشاهد الجماعية حيث يفقدون البريق. مقارنة بالأصل، حيث كان نيلسن يسيطر على الشاشة بكاريزما فريدة، يبدو نيسون أكثر جدية، مما يجعل الكوميديا أقل تلقائية في بعض اللحظات، رغم أن هذا يضيف لمسة حديثة تجعل الفيلم يناسب جمهور 2025.

 "The Naked Gun" يعتمد بشكل كبير على ليام نيسون
"The Naked Gun" يعتمد بشكل كبير على ليام نيسون

الكوميديا بأسلوب SNL

أكيفا شافر، المعروف بعمله في Saturday Night Live، يقود "Naked Gun" بأسلوب يعتمد على تقطيع سريع وكاميرا متحركة تجعل المشاهد الكوميدية أكثر ديناميكية، مثل تلك التي يتعثر فيها دريبين في حفلة، حيث يستخدم زوايا منخفضة لتعزيز الفوضى. هذا النهج يعيد خلق روح الثمانينيات، لكنه يضيف لمسات حديثة مثل استخدام التكنولوجيا المتطورة في الأسلحة.

من المزايا، جرأة شافر في المزج بين الرعب الكوميدي والأكشن، مما يجعل الفيلم تجربة ممتعة لجمهور يبحث عن الضحك. لكن العيب يكمن في الفوضى في بعض المشاهد، حيث يصبح الإيقاع سريعًا جدًا، مما يفقد بعض النكات تأثيرها، ويجعل متابعتها صعبًا. مقارنة بإخراج زوكر في الأصل، الذي كان أكثر بساطة، يبدو شافر أكثر حداثة، لكنه يفقد بعض التلقائية التي ميزت السلسلة القديمة. الإخراج يعكس خلفية شافر في الكوميديا التلفزيونية، مما يجعل الفيلم وكأنه حلقة طويلة من SNL، لكن مع ميزانية هوليوودية ضخمة.

فيلم "Naked Gun" يعتمد على تقطيع سريع وكاميرا متحركة
فيلم Naked Gun يعتمد على تقطيع سريع وكاميرا متحركة

صورة مبهجة

العناصر الفنية في "The Naked Gun" تبدأ بتصوير سينمائي حيوي من جوناثان سابيلا، الذي يستغل الألوان الزاهية لإبراز الفوضى، مثل مشاهد المطاردات في لوس أنجلوس حيث تتداخل الألوان لتعزيز الكوميديا البدنية. الموسيقى التصويرية لإيرا نيوبورن تضيف نغمات كلاسيكية تذكر بالأفلام القديمة، مع لمسة حديثة في لحن يصاحب مشهد الغاز السام. الـCGI، المستخدم في التأثيرات الكوميدية مثل انفجارات الأسلحة، جيد جدًا وغير مفرط، مما يجعل الرعب الكوميدي أكثر واقعية مقارنة بأفلام مثل "Scary Movie".

من المزايا، الديكورات تعكس التباين بين الجدية والفوضى الكوميدية، مثل مكتب دريبين المزدحم بالأشياء الغريبة، أو الستائر المتحركة في مشهد الحفلة. لكن العيب يكمن في التأثيرات الصوتية، مثل صوت الانفجارات المتكرر في كل مشهد، أو ضجيج السيارات المتشابه في المطاردات، أو صوت الضحك المسجل الذي يتكرر في المشاهد الجماعية، التي تبدو مكررة في النهاية، مما يقلل من الإثارة. مقارنة بالأصل، حيث كانت العناصر الفنية بسيطة وفعالة، يبدو النسخة الجديدة أكثر تطورًا، لكنها تفقد البساطة التي جعلت السلسلة أيقونية.

 

 "The Naked Gun" تميز بتصوير سينمائي حيوي من جوناثان سابيلا،
 "The Naked Gun" تميز بتصوير سينمائي حيوي من جوناثان سابيلا،

دروس التجديد

الكوميديا في الفيلم تعتمد على أسلحة غير تقليدية، مثل استخدام الهواتف كأدوات تجسس أو سيارات تتحول إلى آلات كوميدية، مما يخلق ضحكات عفوية. النكات البدنية، مثل تعثر نيسون في حفلة، تعيد خلق روح الثمانينيات، السخرية من الأكشن الجاد، مثل سخرية نيسون من أدواره السابقة، مثل مشهد يقول فيه "أنا لست هنا لأخذ أسماء، أنا هنا لأخذ... شطيرة"، أو عندما يتوقف أمام الشرير ويقول بنبرة مبالغ فيها "كنت أعد الأعداء، الآن أعد... الساندويتشات!"، في إشارة ساخرة إلى جمل حوارية مشهورة من فيلمه "Taken". من العيوب الاعتماد على نكات جنسية رخيصة في بعض المشاهد، مما يجعلها تبدو مبتذلة وليست مضحكة.

 

فيلم "The Naked Gun" ينجح في إعادة إحياء كوميديا
فيلم "The Naked Gun" ينجح في إعادة إحياء كوميديا

فيلم "The Naked Gun" ينجح في إعادة إحياء كوميديا الفوضى والهجاء، مع حبكة ممتعة وتمثيل قوي من نيسون، لكنه يتعثر في التكرار والابتذال. الإخراج الجريء والعناصر الفنية الجذابة تجعله يبرز في سينما 2025، رغم أن الكوميديا تفقد بعض بريقها مقارنة بالأصل. لعشاق النوستالجيا، هو تجربة ممتعة، لكنه فنيًا، يبقى درسًا في إشكالية تحديث الكلاسيكيات دون فقدان الروح.

الصور من صفحات الفيلم على السوشيال ميديا.