
فيلم "Ballerina".. رقصة الباليرنا المتعثرة ونسخة نسائية باهتة من عالم جون ويك
رفعت سلسلة أفلام "جون ويك" سقف الأكشن السينمائي، خلق إنتقام القاتل المأجور التائب، عالمًا مميزًا بصريًا أصيلًا على شاشة السينما، ووضع أفلام الأكشن والفنون القتالية في مأزق منافسة سلسلة الأفلام الشهيرة. عالم جون ويك مؤسس على قصة نظام صارم تديره مؤسسات جريمة دولية غامضة، تصنع من الشخصيات الوحيدة أو اليتيمة مثل جون ويك آلة قتل لا ترحم. يأتي فيلم "Ballerina" كجزء جديد من عالم "جون ويك" المعروف بأسلوبه العنيف والمثير، مع صيغة أنثوية تختلف عن جون ويك في التفاصيل، بينما تشترك في الوسائل والهدف؛ القتال العنيف والإنتقام.
بين الإثارة والفراغ السردي
قدم المخرج لين وايزمان، بمساعدة المؤثرات التي قدمها تشاد ستاهلسكي في مشاهد الحركة، قصة ثأر جديدة بطلتها آنا دي أرماس في دور إيف ماكارو، راقصة الباليه المتحولة إلى قاتلة محترفة. دخول الباليرينا هذا العالم كمنافسة تبدو مهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة، وإختيار آنا دي أرماس بقامتها الصغيرة وملامحها الرقيقة لا يوحي بمولد نجمة أكشن ذات إمكانيات خارقة للعادة، ولكنها بلا شك عامل جذب تجاري في هوليوود والعالم.
تبدأ حبكة "Ballerina" بمشهد درامي يعكس مأساة الطفولة، حيث نشاهد إيف وهي تشهد مقتل والدها على يد عصابة تابعة للقنصل (جابرييل بيرن). هذا الحدث يشكل الدافع الأساسي لرحلتها اللاحقة كقاتلة تدربها عصابة روسكا روما تحت إشراف المديرة (أنجليكا هيوستن). الفيلم يقع زمنيًا بين "جون ويك: الفصل الثالث - بارابيلوم" و"الفصل الرابع"، مما يضعه في سياق زمني معقد يحتاج إلى ترابط مع الأحداث السابقة. الهدف الرئيسي لإيف هو الانتقام، وهو موضوع مألوف في سلسلة "جون ويك"، لكن المشكلة تكمن في أن الحبكة تعتمد بشكل مفرط على هذا المحفز دون بناء درامي عميق.
في ظل كيانو ريفز
من الناحية الإيجابية، يقدم الفيلم لحظات أكشن مبهرة، خاصة في الثلث الأخير، حيث تتطور المطاردات والمعارك إلى مستويات غير متوقعة تشمل استخدام اللهب والأسلحة غير التقليدية. هذه اللحظات تعكس الروح اللافتة للسلسلة بعد مشاهد نمطية لا تُقدم جديد، حيث يتماشى الإيقاع السريع مع طموح الجمهور الذي يبحث عن التشويق. لكن، من الناحية السلبية، تبدو الحبكة خالية من العمق العاطفي أو التنوع في الشخصيات الثانوية. القصة تعتمد على سلسلة من المعارك المُتلاحقة دون تطوير كافٍ للدوافع أو الصراعات الداخلية لإيف، مما يجعلها تبدو أحيانًا كآلة قتالية أكثر من شخصية بشرية.
الفيلم حاول أن يضيف لمسة نسائية إلى هذا العالم الدموي، مستفيدًا من تراث الامتياز السينمائي الذي بناه كيانو ريفز، ظهور جون ويك كان قصيرًا وأشبه بحافز ترويجي لإرضاء المعجبين، دون أن يضيف قيمة جوهرية للسرد. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الفيلم من ثغرات زمنية ومنطقية، خاصة مع محاولة ربطه بأحداث الأفلام السابقة. الجزء الأول من الفيلم بطيء وفاتر، حيث يركز على إعداد بطيء لخلفية الأحداث قليلة التفاصيل بدلاً من الانتقال مباشرة إلى الأكشن. هذا النهج قد يكون مقصودًا لإعطاء الجمهور سياقًا، لكنه يفقد التوازن عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على الاهتمام. في المقابل، الثلث الأخير ينقذ الفيلم بفضل تصميم معارك مبتكرة، مثل مواجهة إيف مع قرية بأكملها من القتلة، مما يعطي انطباعًا بأن الإخراج استفاد من تجربة تشاد ستاهلسكي في إعادة التصوير.
آنا دي أرماس في ظل كيانو ريفز
أداء آنا دي أرماس كإيف ماكارو يمثل إحدى نقاط القوة البارزة في الفيلم. تقدم دي أرماس أداءً جسديًا قويًا، حيث تظهر مهاراتها في الفنون القتالية، تعبيراتها توازن بين القوة والضعف، مما يعطي إيف بعدًا إنسانيًا يميزها عن جون ويك الذي يبدو أحيانًا كتمثال بدون مشاعر. على سبيل المثال، مشاهد انهيارها العاطفي بعد مواجهاتها الدموية تضيف لمحة إنسانية لشخصيتها المرتبكة شديدة التعقيد.
ومع ذلك، يواجه أداؤها تحديًا كبيرًا بسبب الأثر العميق الذي يعكسه كيانو ريفز في شخصية جون ويك. ظهور ريفز، وإن كان قصيرًا، يسرق الأضواء بفضل حضوره المميز، مما يجعل إيف تبدو ثانوية في بعض اللحظات. ممثلون آخرون مثل أنجليكا هيوستن وإيان ماكشين قدموا أداءات جيدة، لكن أدوارهم محدودة، مما يترك انطباعًا بأن الفيلم يعتمد بشكل كبير على دي أرماس. نجمون مثل نورمان ريدوس وجابرييل بيرن لم يُستغلوا بأقصى إمكانياتهم، حيث ظهروا كديكورات دون تأثير كبير. هذا الاعتماد المفرط على البطلة الرئيسية قد يكون ناجمًا عن ضعف الكتابة، حيث لم تُمنح الشخصيات الثانوية مساحة كافية للتألق.
الرؤية المرتبكة
لين وايزمان، المعروف بأفلامه مثل "Underworld"، يحاول أن يضيف لمسته الخاصة على عالم "جون ويك"، لكنه يواجه تحديًا كبيرًا بسبب تدخل تشاد ستاهلسكي، رجل المجازفات المشارك في الإنتاج وإخراج سلسلة جون ويك وتصميم وبلورة مشاهد الحركة بها. ربما هذا التدخل انعكس على الإخراج، إذ يعاني من عدم التناسق بسبب إعادة التصوير التي قام بها ستاهلسكي، مما أدى إلى اختلاف في أسلوب التصوير والتوليف بين المشاهد. المشاهد المبكرة تفتقر إلى السلاسة التي اشتهرت بها أفلام "ويك"، حيث يعتمد وايزمان على حركة الكاميرا السريعة لإخفاء ضعف الأكشن، بينما تحسنت المعارك في الجزء اللاحق بفضل خبرة ستاهلسكي.
من الناحية الإيجابية، نجح وايزمان في تقديم تصميم بصري جذاب، خاصة في مشاهد القتال الداخلية، بينما إفتقرت المشاهد إلى الطابع الفريد الذي ميز أفلام "جون ويك" الأصلية، حيث يبدو الفيلم أحيانًا كمحاولة لتكرار النجاح دون إضافة جديدة. هذا التقاطع بين رؤيتين إخراجيتين خلق تجربة مشتتة، حيث يشعر المشاهد بالانتقال بين أسلوبين مختلفين دون ترابط واضح.
بين الإبداع والتكرار
من الناحية الفنية، يتميز "Ballerina" بتصوير سينمائي رائع بفضل رومان لاكورباس، الذي حافظ على لغة بصرية مشابهة لأفلام "جون ويك" مع إضاءة منخفضة وأضواء نيون تعزز الأجواء الدرامية. مشاهد القتال في الثلث الأخير، مثل مواجهة إيف في المطعم المغطى بالثلج، تبرز براعة تصميم المعارك والمونتاج، حيث يتماشى التصوير مع حركة المعارك بسلاسة. الموسيقى، بإشراف تايلر بيتس وجويل جيه ريتشارد، تضيف طابعًا ملحميًا يعزز التوتر، لكنها تبقى تقليدية ولا تقدم شيئًا جديدًا يميزها عن الأفلام السابقة.
تعاني العناصر الفنية من تكرار واضح. الديكورات والمواقع، مثل المطاعم والقرى الأوروبية، تشبه إلى حد كبير ما رأيناه في الأفلام السابقة، مما يقلل من شعور الابتكار. أدوات القتال، مثل قاذفات اللهب والأحذية المتزلجة، تحاول إضافة لمسة إبداعية، لكنها تبدو أحيانًا مبالغًا فيها، مما يفقد الفيلم بعض مصداقيته. التصميم الصوتي، على الرغم من قوته في تعزيز تأثير المعارك، لا يقدم تجربة صوتية متميزة تتجاوز ما عُرض سابقًا.
الفيلم يمثل محاولة جادة لتوسيع عالم "جون ويك" بطابع نسائي مميز بفضل أداء آنا دي أرماس وتصميم المعارك اللافت. لكنه يعاني من ضعف في الحبكة والإخراج، بالإضافة إلى تكرار في العناصر الفنية التي تجعله يبدو كجزء إضافي متوسط أكثر من تطور حقيقي. الثلث الأخير من الفيلم ينقذه فعليًا من الغرق، لكنه لا يكفي لتجاوز شهرة سلسلة "جون ويك". بالنسبة لمحبي الأكشن الخام، قد يكون الفيلم ممتعًا، لكن من يبحثون عن قصة عميقة أو إخراج مبتكر قد يجدون أنفسهم أقل إستمتاعًا.
الصور من حسابات الفيلم على السوشيال ميديا