نغم متميز: أمجاد أيمن تبوح لـ "هي" بقصة صوت تشكل بين التقنية والإحساس

نغم متميز: أمجاد أيمن تبوح لـ "هي" بقصة صوت تشكل بين التقنية والإحساس

رهف القنيبط
26 يونيو 2025

كما تبدأ المقطوعة بنغمة أولى تُمهّد للّحن، امتدادًا لمقالة "نغم متميز" المنشورة في عدد شهر يونيو من مجلة هي، والتي تسلّط الضوء على سعوديات يُشكّلن حاضر الموسيقى المنفردة ويضعن بصمتهن على ملامحها القادمة.

في هذا اللقاء، نستمع إلى تجربة صوتية مختلفة مع الفنانة أمجاد أيمن التي صنعت حضورها بين التقنيات والطبقات، بين الجوقة والصوت الفردي، بين الذاكرة والتجريب. فنانة وُلدت في بيئة فنية، وتشكّلت مهنيًا في عالم التسويق، لكنها اختارت أن تتّبع نداء الصوت حين أصبح أكثر وضوحًا من أي مسار آخر. في حديثها لـ"هي"، تكشف كيف يتحوّل التسجيل إلى مرآة، وكيف يتقاطع الشعور مع المعرفة ليخلق صوتًا لا يُقلّد بل يُصغى إليه.

بين طفولة غنية بالحرف والفن في جدة، وتجربة أكاديمية في هندسة نظم المعلومات، متى بدأت ملامح هويتك الصوتية تتشكّل فعليًا؟ وهل كان هناك صوت داخلي رافقكِ عبر هذه التحولات؟


لطالما كنتُ أتعامل مع العالم من زاوية صوتية دون أن أعي ذلك — أرسم وأنا أدندن، أعمل على تصميم معيّن فينطلق من داخلي لحن عفوي دون قصد. لكن ملامح الهوية الصوتية بدأت تتّضح حقًا خلال سنوات الجامعة. حين بدأت أستخدم برامج التسجيل والمكساج، شعرت كأنني أستمع إلى صوتي للمرة الأولى بطريقة مختلفة. هذه التجربة التقنية فتحت لي بابًا لفهم ذاتي بشكل أعمق، بعيدًا عن الأداء التلقائي الذي كنت أمارسه من دون وعي.

أمجاد أيمن
أمجاد تقول:" المغنية السعودية اليوم مطالبة بالكثير بأن تعبّر، وأن تمثّل، وأن تكون قدوة."

بعد سنوات قضيتها في مجال التسويق، ما اللحظة التي دفعتكِ إلى تغيير المسار كليًا والتركيز على الغناء؟ وهل كان القرار تدريجيًا أم حاسمًا؟


كان القرار يتشكّل تدريجيًا، لكن لحظة المواجهة مع الذات كانت حاسمة. أتذكّر جيدًا حين كنت أراجع مشروعًا صوتيًا عملت عليه، وشعرت حينها للمرة الأولى أن هذا الجانب من صوتي يستحق أن أضعه في المقام الأول — لا كمجرد مساحة إبداعية جانبية، بل كمسار مهني يمكن أن أتبنّاه بجدية. لم يكن التحوّل مفاجئًا، لكن الإحساس الداخلي كان واضحًا: حان وقت التغيير.

انضمامكِ إلى كورال الشرقية ومن ثم الأوركسترا الوطنية كان منعطفًا احترافيًا مهمًا. لكن متى شعرتِ أن الأداء الجماعي لم يعد كافيًا، وأنكِ بحاجة إلى مساحة خاصة تعبّرين فيها عن "صوتك الشخصي"؟


التجربة الجماعية كانت مدرسة حقيقية — تعلّمت منها الانضباط، والالتزام، والاهتمام بأدق التفاصيل. لكنها، مع الوقت، كشفت لي أن لديّ أسلوبي الخاص، ونفَسي المختلف في التعبير. كلما عملت على مشاريع فردية — سواء عبر تسجيلات خاصة أو مقاطع صوتية مستقلة — شعرت أن ثمة نوعًا من التعبير لا يظهر إلا من خلالي وحدي، وأنه يحتاج إلى مساحة لا يمكن أن تتكرّر في السياق الجماعي.

في مجتمع يتغير بوتيرة متسارعة، ما التحدّي الأكبر الذي تواجهه المغنية السعودية اليوم — الجمهور؟ الإنتاج؟ أم التوقعات المرتبطة بها؟


برأيي، التحدّي لا يكمن في عنصر واحد، بل في إيجاد التوازن. فالمغنية السعودية اليوم تخاطب جمهورًا أكثر وعيًا واطلاعًا، لكنها في الوقت ذاته مطالبة بالكثير — بأن تعبّر، وأن تمثّل، وأن تكون قدوة. التحدّي الحقيقي يكمن في الحفاظ على الصدق الفني وسط كل هذه التوقعات، دون أن تفقد الفنانة صوتها الشخصي، أو تُدفَع إلى تلبية صورة نمطية مفروضة عليها.

بشرى الحمود
تقول أمجاد:"ملامح الهوية الصوتية بدأت تتّضح حقًا خلال سنوات الجامعة. حين بدأت أستخدم برامج التسجيل والمكساج"

تعملين على صوتك في الاستوديو، وتستخدمين أدوات التسجيل والمكساج — هل ساعدكِ هذا الجانب التقني على اكتشاف طبقات جديدة في صوتك لم تكوني لتعرفيها على المسرح؟


بلا شك. التسجيل يمنحني فرصة للاستماع إلى صوتي دون مؤثرات خارجية — بلا جمهور، بلا رهبة، بلا لحظة تمضي بسرعة. أتمكّن من سماع أدق التفاصيل: النفس، الاهتزاز، الهدوء، القوة. كل تجربة تسجيل كانت بمثابة مرآة صوتية ساعدتني على استكشاف إمكانياتي، وصقلت إحساسي بالنغمة وبوزن الكلمة.

من أم كلثوم إلى ويتني هيوستن، تأثيراتك الصوتية متعددة المدارس. كيف توفّقين بين هذه المرجعيات المختلفة لبناء أداء يحمل بصمتك الخاصة؟


أنا أتعامل مع هؤلاء الفنانات كمدارس شعور أكثر من كونهن مدارس غنائية. كل واحدة منهن تركت أثرًا مختلفًا في وجداني: أم كلثوم في الهيبة، أسمهان في الشفافية، ابتسام لطفي في الأصالة، سيلين ديون في العمق التعبيري، ويتني هيوستن في التوازن بين القوة والرقة، جوليا بطرس في الالتزام بالرسالة، عبير نعمة في الذكاء الفني، ورشا رزق في العفوية الصادقة.

لم أسعَ إلى تقليد أيٍّ منهن، بل سكنّ ذاكرتي الصوتية، وكل واحدة تركت بصمتها التي أصبحت جزءًا من نسيج صوتي الخاص.