
"حلم الوقوف على المسرح يتحقق بالراب".. الفنانة "بيري" في حوار خاص مع "هي"
خاضت الفنانة المصرية بيري رحلة صعبة ومليئة بالتحولات قبل أن تصبح نجمة راب بارزة في مصر حالياً، قدمت نفسها بقوة لأول مرة في أغنية "Shigella" في 2020، واستمرت في تواجدها وتطورها بالعديد من التجارب والألبومات، أحدثها ألبوم "إنفينتي" في نهاية العام الماضي، وEP "زمن الحب الكئيب" في بداية العام الجاري.
بيري تحكي رحلتها الفنية: "أحب الصعوبة لأنها تشعرني بقيمة الأشياء"
لم تروج بيري لنفسها بصفتها ابنة الفنان الراحل عمر الحريري والفنانة المغربية المعتزلة رشيدة رحموني، واكتفت باسم "بيري" فقط، ووصلت إلى المرحلة الحالية بعد دراسة وسفر وتعلم والعديد من التجارب الحياتية والفنية، وهي الرحلة التي تشاركنا تفاصيلها وأهم محطاتها في هذا الحوار:

كان الانطباع الأول عنك في أول أغنية، هو أنك مشروع ممثلة، خاصة بعد اكتشاف الجمهور أنك ابنة الفنان الراحل عمر الحريري.. وبالفعل لديك حضور قوي على الشاشة وطاقة مميزة، ولكن في النهاية استمريتِ في الغناء والراب.. هل هذا الانطباع صحيحاً؟
نعم في الأساس كنت أريد التمثيل قبل الغناء، والمرة الأولى التي صعدت بها إلى المسرح كنت في عمر 8 سنوات في عرض مسرحي في المدرسة، في حين كان صعودي إلى المسرح للغناء في عمر 13 عام، وكنت سعيدة للغاية لأن والدي شاهدني على المسرح قبل وفاته، وحضر جميع مسرحياتي في المدرسة وكان يحرص على مشاهدتي في عرض المدرسة كل عام.
وكيف حدث الانتقال من التمثيل إلى الغناء؟
التدرج الذي حدث لي في مسيرتي مع الغناء كان في عمر 11 عام، بدأت حينها كتابة الأغاني، ووقتها كنت أسمع الرابر الأمريكي "ليل وين" وكنت أحاول تقليده.. وكنت أتعلم البيانو، وكانت هناك 3 أشياء تسير في حياتي بالتوازي وهي الرسم والتمثيل والموسيقى، ولكن الرسم انحنى جانباً بعد ذلك، ولكن فادني كثيراً في الموسيقى وفي بناء التصورات عنها، لأني أرى الألوان في الموسيقى.. وبعد ذلك انحنى التمثيل جانباً وأصبح مؤجلاً في مسيرتي، لأنني أشعر أن التمثيل عالم ليس سهلاً، وأحاول اختبار وتقديم موهبتي في التمثيل من خلال الكليبات الخاصة بي.

ماذا يمنعك من تحقيق حلم التمثيل الآن؟
أصبح لدي شعور الآن مع التمثيل أنني لست بـ"الشطارة الكافية" لتحمل المسئولية وأقدم للناس قدراتي التمثيلية، لأنني سأتعرض للمقارنات أو الربط بيني وبين والدي، وهذا حق الجمهور لأنه والدي في الأساس..وأهلي كانوا دعم كبير لي، ولو اتهمني البعض بالواسطة فمن حقهم، ولكن مشواري هو الفارق في الأمر، ولم أقدم نفسي في مشواري الغنائي كإبنة عمر الحريري واكتفي باسم "بيري"، والبعض لا يعرف من هو والدي وأتمنى أن يستمر ذلك.. وسأقدم نفسي دائماً كـ"بيري" فقط.
لديك رحلة مميزة أيضاً ما بين الدراسة والعيش في مصر ولندن، والعمل في عدة مجالات فنية.. كيف ساهمت هذه الرحلة في تحقيق ما أنتِ عليه الآن؟
في عمر 16 عام بدأت العمل في الموسيقى من خلال الإنتاج الموسيقي والتوزيع، ودخلت في مجال "الدي جي" في أول عام لي في إنجلترا، ولكن لم أحبه، وتوقفت عن الموسيقى تماماً لعدة أشهر بعدها.. كانت دراستي في الجامعة الأمريكية في القاهرة في الفلسفة والرياضيات، وأقنعتني والدتي بدراسة الموسيقى في إنجلترا، وبالفعل درست هندسة الصوت والمسرح، وكانت دراسة ممتعة، وعملت لفترة بعد التخرج في إنجلترا كمنتجة إبداعية، وعدت إلى القاهرة في فترة جائحة كورونا ووجدت نفسي عالقة في القاهرة على عكس خطتي بالبقاء في إنجلترا، وبدأت وقتها أنشر مقاطع راب فريستايل على السوشيال ميديا بالإنجليزية، وكانت بدايتي الفعلية مع أغنية "شيجيلا"، وكنت وقتها لا أتحدث العربية بطلاقة ولا أكتب بها. والآن أصبحت أفكر أنني لن أستطيع العيش في الخارج مرة أخرى.

سمعت قصتك حول تعلم اللغة العربية من جديد.. ما الذي دفعك لخوض هذه الرحلة الشاقة وتعلم اللغة والمنافسة بها غنائياً بعد ذلك؟
أحب الصعوبة لأنها تشعرني بقيمة الأشياء أكثر، وكنت أشعر بخجل لأنني لا أعرف لغتي الأصلية بشكل كافٍ، واللغة العربية صعبة للغاية ولم أدرسها بشكل كافٍ من قبل، خاصة أن بيئتي وأسرتي تتحدث الفرنسية، وكانت العربية اللغة الثالثة لي، والآن أسمع نفسي في الأغاني، وأشعر مثل أنني لن أصدق لو أخبرني أحد أنني سأغني بهذه الطريقة قبل سنوات!
ومازلت احتفظ بقاموس اللغة العربية إلى الآن الذي بدأت التعلم من خلاله، وهو فاتحة الخير علي، واستخدمه إلى الآن، ومن المصادر الأخرى للعربية هو مشاهدتي للأفلام العربية وأراها مثل المعجم ومصدر للإلهام في كتابة الأغاني، وأثقف نفسي لغوياً وفنياً من خلالها، لذلك يجدني الجمهور أكتب بطرق مختلفة في الأغاني لتنوع المصادر التي أحصل منها على الإلهام.
هل كانت مسيرتك ستختلف في حال بقائك في مصر وعدم عيشك ودراستك في لندن؟
بقائي في مصر ليس شرطاً أن يجعل مسيرتي مختلفة عما هي الآن، فوقتها قد تكون لغتي العربية هي الأولى بالطبع، ولكن كنت أيضاً في بيئة شبه مغلفة في مناطق محددة، مثلاً لم أزر وسط القاهرة أبداَ، ولكن رحلة سفري للخارج ومن بعدها رحلة إتقان اللغة العربية فادتني كثيراً في مسيرتي خاصة في تعرضي للعديد من الشخصيات من مختلف الثقافات والبيئات، مثلاً اندمجت لفترة مع أشخاص من مناطق شعبية مصرية وكانوا يشعرون أني أجنبية وكنت أشعر في البداية بصدمة حضارية، ولكن بعد ذلك استفدت كثيراً، واعتدت على أن أكون منفتحة وأستفيد من كل المصادر والشخصيات من حولي، وأعتقد ذلك سيساعدني في التمثيل بسبب هذه الصفة التي اكتسبتها من سرعة الملاحظة ومراقبة الآخرين وغيرها.

هل رحلة دراستك وعودتك وكل ذلك أمور تجعلك تشعرين أنك مميزة عن زملائك ومنافسيك؟
لا أفكر بهذه الطريقة، أو في كوني مميزة عن الآخرين بسبب ظروف نشأتي ودراستي، لأن شعوري أنني مميزة عن زملائي يعني أنني أقارن نفسي بهم، وأنا لا أقارن نفسي بأحد، ولا أعرف من هو الشخص الذي أقارن نفسي به، قد يكون لديه مميزات أخرى لا يعرفها أو لم يكتشفها بعد.
بعد عودتك ودخولك مجال الراب.. ما أكثر الصعوبات التي واجهتيها في البداية؟
مشواري لم يكن سهلاً، كل شيء كان صعباً في البداية، الشعور بأنك شخص غير مرحب بك أو غير مرغوب بك، وأن تتعرض للتقليل من قدراتك، ليس لأني امرأة فقط، ولكن لأنني من بيئة مختلفة تماماً، وتخيل امرأة من بيئة مختلفة! ولكم أكن أفهم في البداية سبب عدم تقبل هذا الأمر، لأنني كنت أتقبل الجميع وأرى أن ذلك هو الطبيعي، واستوعبت هذا الأمر بعد 3 أو 4 سنوات.
الوسط الفني يختلف عن وسط الراب، فالأخير وسط أكثر قسوة وعدوانية، ربما بسبب التنافسية الشديدة أو الشعور بالذات بشكل أكبر، وقد تلاحظ ذلك من أغانينا، والمبالغة في تضخيم الذات وغيرها من المشكلات النفسية التي نتعرض لها.

ماذا اختلف في هذه الصعوبات الآن؟
الآن أصبحت مفروضة عليهم، في البداية كنت مثل: "أهلا أنا هنا! ممكن تسمعوني؟" واكتشفت بعدها أنني لا احتاج إلى ذلك، ولا احتاج على الحصول على الاعتماد من السابقين في هذا المجال، وأبني الثقة في نفسي مع الوقت والتجارب، ولا يفرق معي اعتمادهم لي.
في 2022 مثلاً تعرضت لهجوم واسع لم أتعرض له في حياتي من قبل، في معركة من معارك الراب، وتعرض لأهلي للسب.. رغم أني لم أفعل شيئاً، وتعرضت لهجوم بغرض التشكيك في قدراتي، مثل أنني لا أكتب الأغاني بنفسي.. "أنا مابكتبش؟! مين اللي بيكتبلي؟! عايز أقعد معاه لأن شكله جامد!".. شعرت أن تطوري في الكتابة جعل الناس تشكك في قدراتي، لأن التطور لم يكن طبيعياً، وأشعر أن أي سيدة كانت ستفعل نفس الأمر ستتعرض للتشكيك والتقليل، وهي اتهامات تنتهي مع الوقت من نفسها ولا أحتاج إلى نفيها أو الرد عليها، ولكن وقتها "وجعتني" لأنني شعرت أن كل المجهود الذي بذلته غير مقدر.
وما المشكلة في الاستعانة بكاتب في أعمالك؟ كما يحدث في أغاني البوب مثلاً؟
شخصيتي لا تليق على الأغاني العادية أو الاستعانة بكاتب، وأنا شخص صوتي عالي ولدي أفكار، وأشعر بالاستغراب من طلب فنان من شخص آخر أن يكتب له كلمات لأغانيه.. أين الجهد والتعب؟ هي في النهاية مدارس ولكن لا أتفق مع هذه المدرسة.

هل جمهور الراب مشترك في صعوبات وقسوة هذا المجال؟
جمهور الراب عنيف جداً أحياناً، ولكن يحبك كثيراً أو يكرهك كثيراً، ووالدي كان يخبرني أن الجمهور هو الترمومتر الخاص بالفنان، من الممكن أن يصعد به إلى سابع سما أو يهبط به إلى سابع أرض.
وماذا عن صعوبات أن تكوني امرأة في مجال الراب؟
مثلاً أنا بحارب حرب غير عادية إن أجري يكون نفس أجر الرابر من الرجال في كل شيء، وأقارن سعري بمن هم من نفس نجوميتي، خاصة أنني أفعل نفس الشيء وربما أكثر، ويجب أن يكون هناك توافق فرص وتوافق أجور، وهناك أحياناً فرص للرجال أكثر من السيدات، والبعض بالفعل لديه جماهيرية أكبر، وأشعر أحيانا أن الرابرز السيدات أحياناً في حاجة إلى دعم من رابرز رجال حتى تحصل على التقدير الكافي، وهذا شيء مستفز للغاية بالنسبة لي.

تقومين تقريباً بجميع الأدوار في أعمالك، ما بين الإنتاج المادي والموسيقي والكتابة وغيرها.. ما المميزات والعيوب من وجهة نظرك بين العمل بمفردك والعمل مع آخرين أو شركات إنتاج؟
تعلمت من الجامعة الإنتاج لنفسي، وأفعل ذلك وعمري 16 عام، وأشعر أنني لا احتاج للتعامل مع شركات الإنتاج، لأنني أحب أن يكون لي الكلمة الأخيرة في أعمالي الفنية، وأحياناً الشركات تسيطر على الفنانين مستغلة احتياجهم للدعم المادي، ولكن الإنتاج الذاتي صعب في عملي خاصة حين أحتاج تصوير أعمالي الفنية التي تحتاج لتكلفة كبيرة.
الإنتاج سيصل عند نقطة ما ولن يستطيع تلبية هذه التكاليف، وأنا أفعل جميع الوظائف، وتنفيذ الأغاني كنسخ صوتية لا يكلفني أي شيء، واعتدت على عدم الاعتماد على أي شخص، خصوصاً مسألة التعاون مع الآخرين بها العديد من الأشياء التي تعطل سير العمل في حال عدم التفاهم.. والعمل الذاتي يختصر الوقت ويوفر فرص التعلم والاكتشاف والتجارب والخبرات وتفيد نفسك أولاً.
ولكن عيوبه هو الاستنزاف والتأخر أحياناً وكذلك الحرمان من اكتشاف قدراتك من رؤية خارجية، لأن العمل الذاتي يدفعك إلى المنطقة الآمنة لصوتك باستمرار.. لذلك في ألبوم "إنفينتي" استغرفت عام بعد تسجيله لكي أحكم عليه، وهناك ألبوم قبله حذفت جميع أغانيه ولم أطرحه بسبب شعوري أنني قدمت مثله من قبل.. في النهاية، الكتابة والإنتاج الموسيقي عملية مرهقة للغاية وأحياناً أكرهها، ولكن أفعل ذلك لأن هذا ما يجعلني أصعد إلى المسرح، وهذا أكثر شيء يسعدني في حياتي.

من وجهة نظرك ما هي مواصفات أو مقومات الراب المثالي؟ هل الكلمات هي أهم شيء أم الإيقاع أم ماذا؟
للأسف الكاريزما، ولكن الجواب الذي أقوله الآن قد يتغير مع الوقت، ولكن الآن الكاريزما، ممكن متبقاش أقوى صوت في العالم أو أقوى كلمات، ولكن الكاريزما تقنعك بكل شيء، بغض النظر عن الجودة. الأساس في الموضوع هو الكلمات ولكن وصلنا إلى مرحلة لا نهتم بالكلمات والاهتمام بالكاريزما وهذا ما يحدث الآن، وهناك ضحايا لهذه النظرية والحياة غير عادلة في النهاية.. وأجمد كاتب لا يحصل على التقدير الكافي، ولكن الحضور شيء مهم، ولا يوجد نموذج مثالي للراب ولا قواعد ولو هناك قواعد لكان الأمر سهلاً، ولو كان هناك نموذج واحد كنا سنتشابه جميعاً.
قلت في لقاء سابق إن "الراب مبيأكلش عيش".. كيف نصدق ذلك ونجوم الراب يتفاخرون بنجاحاتهم وتحققهم في أعمالهم؟
احنا بنحلم! من أكثر الأشياء التي تجعل الفنان قادر على الكتابة هو تخيل نفسه في وضع آخر أو بيئة مختلفة غير التي يعيش بها، وأغلبنا على هذا الحال. مثلاً أنا لست مليونيرة ولكن تحدثت عن هذه الحياة.

وماذا ينقص مجال الراب وصناعة الموسيقى في مصر حتى يتغير الحال؟
أولاً لدينا مشكلة، لأنه لدينا أشخاص تعمل في صناعة الموسيقى، ولكن ليس لدينا صناعة موسيقى يعمل بها الناس، مثلاً ليس هناك ثقافة التعاقدات، وهناك مشكلة في الشركات الخاصة بالتوزيع الرقمي للأغاني وحماية الحقوق، وكون هناك صناعة يعني هناك عوائد مادية، ولكن لا أحد يضمن حقه.. من تجربتي مثلا تعاقدت مع شركة لمدة عامين وحصلت على هذه المدة على مبالغ زهيدة وغير معقولة.. الشركات فيها مشاكل.
هناك مصادر أخرى مثل الحفلات والإعلانات والصفقات التجارية أيضاً، ولكن هناك مشكلة في تنظيم الحفلات لأن تنظيم الحفل نفسه مكلف ويحتاج إنفاق خاص على التجهيزات وغيرها، ونحتاج إلى مسارح مجهزة أكثر وعدد حفلات أكثر وتسهيلات أكثر، والحفلات الخارجية أصبحت إحدى مصادر الدخل الجديدة للفنانين. وهناك مشكلات في الحفلات الجماعية أيضاً بسبب عدم تعاون إدارات أعمال الفنانين في هذا الأمر، بجانب هناك مشكلة أخرى بسبب تدخل الرعاة للحفلات.. في النهاية احنا عندنا جمهور كبير وكله بيسمع.

وبمناسبة جذورك المغربية.. ما المختلف بين مصر والمغرب في هذا الأمر؟
في المغرب هناك صناعة موسيقية قائمة بذاتها أكثر، ابتدى يبقى عندنا حقوق مجاورة مثل المغرب، ولكن عالم الهيب هوب في المغرب صناعة كاملة، كل فنان لديه فريق خاص به، مثل مدير أعماله ومنظم حفلاته ومسئول العلاقات العامة والأزياء وغيرها، وهو ما يبني "البراند" الخاص به، والمغرب مفتوحة على العالم الغربي أكبر، مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، خاصة بسبب وجود الجاليات المغربية- وهنا أتكلم عن المغرب العربي ككل مثل الجزائر وتونس والمغرب- وتلقائياً يسمعون هذه الأغاني، لذلك ينظمون حفلات في الخارج، وهي فرصة للتعرف على عالم صناعة الموسيقى في أوروبا ويستفيد الفنان من هذا الاحتكاك ويصبح لديه فرصة في التعاون مع فنانين من هناك وغيرها، وهناك ليس لديهم أحزاب وشللية مثلنا.
ولكن يقال إن سوق الفن وصناعة الإعلام والدعاية المفيدة للفنانين في مصر أكبر؟
أعتقد في مصر سوق الفن أكبر ولدينا وسائل للظهور أكبر، ولكن مثلاً في 2019 مين من وسائل الإعلام في مصر كان يستضيف فنانين الراب؟ ابتدى في 2021 بعد دخول الرابر لمجال الإعلانات فقط، وكانت هناك أغاني شهيرة وضاربة في مصر ولكن الإعلام كان يتجاهلها، والمهرجانات تعرضت لحروب كثيرة ولم تستطع المقاومة، ولكن عرفنا نقاوم أكثر، والفن طبقي أحياناً في مصر، والراب استفاد من ذلك بسبب النظرة المختلفة إلينا عن المهرجانات، مثل النظر إلينا باعتبارنا نتاج لثقافة غربية وحصلنا على تعليم جيد وغيرها من هذه الأمور".

وما الاختلافات على الجانب الفني بين الراب في مصر والمغرب؟
مشهد الراب في المغرب به انفتاح أكبر ويخوضون تجارب مختلفة أكثر، ولكن في مصر هناك أشياء مميزة مثل المزيج بين الراب والمهرجانات والموسيقى الشعبية، وهي شيء حقيقي ولن يخرج سوى من مصر، وهو مزيج تعرض للحروب ولكنه الشيء الحقيقي الوحيد في مصر، وهي الموسيقى التي تميزنا عن الراب الغربي لأن الأخير عبارة عن قص ولصق فقط ولا يوجد فرق سوى اللغة ورص الكلام.. والفنان يجب أن يكون مطلع على كل شيء، وفي مصر هناك أنواع وعوالم موسيقية مختلفة، ومفيش حاجة واحدة بس بتاعتنا! لدينا إيقاعات ومقامات موسيقية مختلفة وهناك أنواع غير مكتشفة.. وافتكر اللي بيعملها حلو جداً، وشغوف أوي في القصة دي هو مروان موسى، وهذا شخص تعلم في الخارج ولكنه يقدر جيداً هذا الجانب في أعماله.
على ذكر مروان موسى، أشعر أن لديكم نفس الطريقة في العمل الذاتي أو نفس الاهتمام بالجانب الصوتي في أعمالكم والتطور في هذا الجانب باستمرار؟
شيء يسعدني جداً، احنا الاتنين بنشتغل بإيدينا في الموسيقى والأعمال، وربما نعمل بنفس الوسائل التكنولوجية، لا أعرف هل هذا عنصر مشترك أم لا، ومروان أقدر عمله للغاية، وهو موهوب جداً ولكن لا استطيع تأكيد وجود عوامل أو صفات فنية مشتركة بيننا لأننا لم نعمل سوياً في صناعة أغنية مشتركة من قبل.
هل فكرت في استغلال جانبك المغربي في طرح أعمال غنائية مغربية؟ أو المنافسة في المغرب مثل مصر؟
لم أفكر في ذلك، لأني لا أحتاج أن أثبت ثقافتي المغربية، أنا الاتنين، وظفتها من قبل في أعمال لي، مثل تراك "الساعة 9" و ألبوم "12:01 AM" وفي الأعمال الجديدة هوظفها أكتر، وعمري ما هقدم أغاني مغربية خالصة لأني مش كدة، وشخصيتي الحقيقية هي مزيج من الإثنين، بتطلع وقت اللزوم ولم أشعر أني أحتاجها إلى الآن.
وأحب ثقافتي المغربية للغاية، وأقول دائماً أنني تربيت تربية مغربية لأن عائلة والدتي التي نشأت معها أكثر كانت مغربية، والشارع كان هو الجانب المصري في حياتي، وفخورة أنني من مصر والمغرب، والمغرب كونت شخصيتي، وأثرت على الموسيقى الخاصة بي، وكنت أسمع راي كثيراً وأغاني شعبية مغربية، وأمي كانت تحب الأغاني الفرنسية، ولم أكن أقدر ذلك الاختلاف في صغري ولكن الآن أشعر بتأثيره علي.

ذكرت في وقت سابق أن الأغاني أصبحت تنسى سريعاً في العصر الحالي.. ما تفسيرك لهذا الأمر؟
أكره هذا الأمر الآن، هناك أغاني قديمة تظل لمدة 20 عام، وأسمع أغاني من التسعينيات إلى الآن، الناس لم يصبح لديها انتباه والوقت أصبح سريعاً، وهناك عيوب أيضاُ في الدوافع وراء صناعة الأغنية، مثل صناعة أغنية بهدف أن تصبح تريند لحظي على تيك توك، ولا يفعل الفنان شيء هو يجبه ومقتنع به.
ولكن مقابل ذلك أصبحت صناعة الأغاني أكثر سهولة؟
نعم حقيقة، أصبحت أسهل ولكن أسرع، وعلينا أن نستغل ذلك في صنع أغاني ناجحة بدون وقت طويل في عملها، وقد تعيش لفترة طويلة، في النهاية هناك توازن بين الجانبين، وهناك وجهة نظر أخرى هو يجب فعل ذلك من أجل تحقيق الربح والشهرة، ولكن النظريتين لديهما المبررات والأعذار أيضاً.. وأنا كنت محظوظة ولدي ميزة أنني في فترة ما في حياتي كنت متحققة مادياً ولا احتاج إلى فعل ذلك في عملي كثيراً.
أشعر أن لدى نجوم الراب رفض دائم لتصنيفهم كمغنيين راب فقط، رغم أنه يبدو مفيد من الناحية التجارية.. ما السبب في رأيك؟
لأننا بالفعل لا نفعل شيء واحد، لإن بالنسبة لي لا أحب التصنيف لأني أفعل أشياء عديدة، وفي حال تصنيفي يعني أنك تتجاهل الأشياء الأخرى التي أفعلها، لذلك أنا أقدم موسيقى، وهذا عنواني حتى أخوض تجربة التمثيل مثلاً أو أعمل في مجال فني آخر، وهناك فنانون يحبون التصنيف وأرى أن هذه مشكلة لأنه في حال تصنيفي كمغنية راب سأغني بعدها "آه يا ليل" لإني أحب شعور مفاجأة الجمهور وإرباكهم، والناس اللي تسمعني جيداً تعرف أني أقدم أشياء عديدة، وأحب أن أكون فنانة شاملة لأن هذا يخلق تحدي وأحب التحدي وأحب التعب.

هل تمانعين في الإنتاج الموسيقي لفنان آخر؟
من الممكن طبعاً ولكن في النهاية يجب أن أكون بحبه حتى أعمل معه.. أفضل العمل مع أشخاص أحبهم شخصياً لأني شخصية صريحة وتلقائية وأريد قول آرائي الفنية بصراحة وأحياناً لا يتقبل أحد ذلك، لأني أريد أن يفعل الآخرين معي نفس الأمر لعدم تضييع الوقت، لأننا نريد صناعة أغاني ناجحة ومجالنا قاسي للغاية.
تقدمين شخصية مختلفة عنك على "تيك توك، كيف تساعدك المنصة في عملك؟
تيك توك مثل كتاب يومياتي، لا أفكر به كفنانة، ولكن أفكر أن أظهر شخصيتي الحقيقية للجمهور عكس الشخصية التي أقدمها في الأغاني، وأكتر تعليق ألاحظه هو قول البعض لي أنني شخصية طيبة بالفعل، ولا أعرف متى كنت شريرة! وأشعر كأن الأغاني مثل "ملابس الشغل"، لذلك تيك توك كان فرصة لتقديم الشخصية الأخرى خارج العمل، مثل جلوسي معك.. وأشعر في شخصيتي الحقيقة أنني خجولة أكثر.
هل تضعين حسابات في طريقة تعاملك مع الجمهور؟ أو قد يؤثر تعاملك ببساطة وتلقائية على عملك؟
الحياة بسيطة فعلاً، متعرفش ايه اللي يحصل بكرة؟ دي حقيقة الدنيا، وده بسبب أهلي برضه وتجارب الحياة لأني عشت تقلبات كثيرة من أعلى لأسفل ومن أسفل لأعلى.. وأكره أن أكون نموذج أو قدوة لأحد، لأنه لا يجوز لأي شخص أن يتخذ قدوة من أحد غير نفسه، ولأن الناس لا تعرف حقيقة هذا الشخص وأخطائه وماذا يفعل في حياته.. ولم أصل لشيء حتى الآن، وسعيدة وراضية لأنني وصلت لأحسن مرحلة من الممكن أن أصل إليها في الوقت الحالي، ولا أشعر أنني عبقرية وأشعر أن الله رزقني فقط، وأحب التواصل مع الجمهور والرد على تعليقاتهم ولازم أديك سبب أن ده يكون أجمل يوم في حياتك، وأن تشعر أنك تشهبني وأنا أشبهك ولا فرق بيننا، وأنا أحب أن أصبح صديقة لهم وأنه من السهل الوصول إليّ.

في النهاية، يبدو أن والدتك الفنانة رشيدة رحموني لديها تأثير كبير عليك في مسيرتك وتكوينك.. ما رأيها في مجال الراب وما تقدميه؟
والدتي لم تقتنع في البداية بعملي في الراب، ولكن حينما وجدتني أكتب وأسجل وأصنع هذه الأغاني بالكامل من داخل غرفتي الصغيرة في المنزل، وأحياناً أظل داخل الغرفة لعدة أشهر ولا أخرج سوى لممارسة الرياضة.. حينها بدأت في الاقتناع بما أقوم به، خاصة حين شاركت في أول حملة إعلانية وشعرت أن هناك نتيجة أو عائد قد يأتي من هذا العمل.. وشجعتني على الاستمرار.
خاصة أن والدتي تعرضت لمواقف صعبة كثيرة في العمل الفني، وكانت تغني وتمثل، وفي النهاية اعتزلت بسبب الضغوطات وبسبب رغبتها في التفرغ لتربيتي، وضحت ما تحبه لأنها تحب الغناء جداً..أريد تعويض والدتي عن كل تعب واجهته في حياتها، وأفديها بروحي لأنها أغلى شخص في حياتي، وواجهت صعوبات ومتاعب كثيرة من أجل مساندتي في عملي ودراسي في الخارج وتحقيق استقلاليتي المادية وغيرها، وهي سبب صمودي إلى الآن.
وأحاول أحياناً أن أسجل صوت والدتي ولكنها تندهش من التطورات التكنولوجية الفائقة في تسجيل الأغاني، وتشعر بالتوتر من ذلك لأنها اعتادت على الغناء في الاستديوهات التقليدية.. وأريد حمايتها من التعليقات السلبية وأحلم بتقديمها على الناس في مرحلة ما في حياتي أو في حفلة ضخمة لي وأقول للجمهور أن هذه السيدة هي من صنعتني..".
الصزر من حساب بيري على انستقرام.