فيلم سيكو سيكو

فيلم سيكو سيكو".. حبكة ضعيفة بمُعالجة مُعاصرة أنقذتها افيهات النجوم الجدد

إيهاب التركي
22 يونيو 2025

عُرض فيلم "سيكو سيكو" في موسم سينمائي يواكب الأعياد، ورغم استمرار نجاحه في دور العرض بدأ عرضه على منصة البث الرقمي يانجو، وفي الحالتين حظى بقدر جيد من الإستقبال الجماهيري والإيرادات، الفيلم من الأعمال الكوميدية الخفيفة سريعة الإيقاع، مستندًا إلى قصة تتناول إرث صعب على هيئة شحنة مخدرات، يجمع الإرث بين أبناء عم بينهما عداء قديم في رحلة مليئة بالمفاجآت والمُغامرات الكوميدية. الفيلم من إخراج عمر المهندس، وبطولة طه دسوقي وعصام عمر، إلى جانب نجوم شباب مثل تارا عماد وديانا هشام وضيوف شرف مثل باسم سمرة وخالد الصاوي.

كوميديا البحث عن الإرث

تيمة الإرث الصعب وصراع الورثة للحصول على الثروة واحدة من التيمات القديمة في الأعمال السينمائية، قدمها إسماعيل يس مثلًا في في فيلم "بيت الأشباح" عام 1951 عن قصة علي الزرقاني وإخراج فطين عبد الوهاب، وتناول الفيلم حكاية عائلة تضطر للبقاء معًا رغم العداء بينهم؛ من أجل الحصول على الإرث، و بعدها بعام قدم إسماعيل يس فيلم أخر بنفس المضمون عنوانه "حلال عليك" عن قصة وإخراج عيسى كرامة، وفيه تسعى عائلة للعثور على ثروة تركها الجد الأكبر على هيئة لغز عليهم حله.

كوميديا البحث عن الإرث في "سيكو سيكو"
كوميديا البحث عن الإرث في "سيكو سيكو"

تدور أحداث "سيكو سيكو" حول سليم ويحيى، أبناء عم يرثان ميراثًا غامضًا من عمهما المتوفي، ليكتشفا لاحقًا أنه شحنة مخدرات. في محاولة للتصرف بها دون جلب الانتباه، يبتكران خطة غريبة: إطلاق لعبة إلكترونية كغطاء لعملية البيع، مستعينين بمجموعة تشمل شخصيات غير محترفة. لكن الخطة تنقلب رأسًا على عقب مع ظهور زعيم عصابة يدعي ملكية الشحنة، مما يطلق مطاردة مثيرة تضع حياة الجميع في خطر. الفكرة تبدو مشوقة، تجمع بين الكوميديا السوداء والتشويق، مستوحاة من ديناميكيات العلاقات العائلية المعقدة، لكن السيناريو يغرق في الفوضى بسرعة. المشاهد تتقطع كأنها أجزاء من لعبة فيديو، حيث يغيب الربط المنطقي، وتتحول القصة إلى سلسلة من الأحداث العشوائية، والمواقف المقتبسة من عالم الاسكتشات الكوميدية، شخصية رجل الأمن مؤمن الحناوي مثلًا. النهاية، التي تعتمد على حيلة مبتذلة لإنقاذ الوضع، تبدو متسرعة، تاركة المشاهدين أمام فراغ درامي يُظهر ضعف التنفيذ.

قصة فيلم "سيكو سيكو"
قصة فيلم "سيكو سيكو"

طاقة شبابية

من بين النقاط الإيجابية، يبرز أداء طه دسوقي وعصام عمر اللذين يضفيان على الشخصيات طاقة شبابية تستطيع فك شفرة كوميديا تجذب جمهور الأجيال الأحدث. دسوقي يقدم أداءً سلسًا، يعكس حضورًا طبيعيًا يمنح سليم المُسالم الساذج عمقًا عاطفيًا، بينما يحاول عمر إضافة ديناميكية ليحيى العدائي الصاخب من خلال ردود أفعال مبالغ فيها تضفي لمسة كوميدية. بعض الشخصيات المُساعدة قدمت أداء جيد، مثل علي صبحي في شخصية تاكسي، ديلر صغير يتورط في عملية توزيع مخدرات ضخمة. حضور خالد الصاوي وباسم سمرة لم يضف الكثير بسبب ضعف كتابة شخصياتهما.

الطاقة الشبابية تسيطر على فيلم "سيكو سيكو"
الطاقة الشبابية تسيطر على فيلم "سيكو سيكو"

التصوير، بإشراف فريق مهني، يقدم لقطات مبهرة في أسواق القاهرة وشوارعها الضيقة، حيث يبرز اختيار المشاهد الخارجية كعنصر يعزز أجواء المغامرة. مشاهد المطاردات تحمل إيقاعًا سريعًا يعكس رؤية المهندس الدقيقة وحسه السينمائي والكوميدي، مما يمنح الفيلم لحظات مشعة تُخفي بعضًا من عيوبه. تحمل المخرج مُهمة صعبة وهي بث روح الكوميديا في شريط سينمائي لا يعتمد تمامًا على الافيهات التي يُطلقها الثُنائي عصام ودسوقي؛ مُستخدمًا الصورة والمونتاج والموسيقى وزوايا التصوير، وهذا الأمر منح الفيلم حس كوميدي في مشاهد الحركة والمواقف الكوميدية.

سيناريو فاقد الروح

يعاني الفيلم بشكل أساسي من سيناريو محمد الدباح الذي يفتقر إلى التماسك، حيث تعتمد النكات على حوارات سطحية تُطلق بسرعة دون تراكم درامي. الشخصيات الثانوية، مثل تارا عماد وديانا هشام، تظهر كإضافات هامشية بلا أبعاد. العلاقة بين سليم ويحيى، التي كانت تبدو واعدة كصراع عائلي بين شخصيتين متناقضتين، تتحول إلى تبادل نكات باهت دون استكشاف حقيقي لجذور الكراهية بينهما. الإخراج، رغم محاولات المهندس إضفاء طابع حديث ولمسات كوميدية بصرية، يعاني من تقلبات غير مبررة، حيث يركز على تجويد مشاهد الأكشن على حساب التفاصيل النفسية للشخصيات. هذا الاختيار يعكس رؤية عجولة، حيث يبدو الفيلم كمحاولة لملء الشاشة بصخب أكشن وافيهات دون هدف فني واضح. الموسيقى التصويرية، التي كان يُفترض بها أن تدعم التوتر، تبقى هامشية، مما يجعل المشاهد تبدو كقطع منفصلة تفتقر إلى الانسجام.

سيناريو فيلم "سيكو سيكو" افتقد التماسك
سيناريو فيلم "سيكو سيكو" افتقد التماسك

من الناحية التقنية، يقدم الفيلم جهودًا في تصميم الديكورات، خاصة تلك التي تعكس أجواء الأسواق والمباني القديمة ومنزل عصام عمر، لكن الاعتماد الزائد على المؤثرات الرقمية أضعف المصداقية في مشاهد المطاردات، حيث بدت كإضافات اصطناعية. الإضاءة حاولت خلق أجواء مشحونة، لكنها كانت متغيرة بلا هدف، تاركة المشاهد الداخلية غامضة ومبعثرة. هذا التناقض يشير إلى ضعف في الرؤية الجمالية، حيث أخفق الفريق في دمج العناصر البصرية مع السرد. المونتاج، رغم سرعته وجاذبيته في المشاهد الحركية، كان متعثرًا في الأجزاء الكوميدية، حيث بدت الانتقالات مفاجئة وغير متسقة، مما أفقد الكوميديا تماسكها الدرامي.

كوميديا بلا جوهر

"سيكو سيكو" يمثل انعكاسًا لتجربة سينمائية طموحة أضاعت نفسها في التشتت. نقاط القوة تكمن في الدفع بنجوم جدد مثل دسوقي وعمر ومُخرج لديه شغف بلغة السينما، لكنها تُطمس بواسطة سيناريو ضعيف وإخراج متردد. الفيلم، كان يمكن أن يكون تحية للكوميديا المصرية الكلاسيكية، لكنه تحول إلى تجربة سطحية تفتقر الإلهام والتماسك. الاعتماد على فكرة المخدرات كمحرك درامي كان يمكن أن يُنتج عملًا عميقًا لو تم التركيز على جذور الصراعات العائلية بدلاً من الجري وراء المطاردات. الفيلم نجح ربما في مُداعبة لغة فُكاهة الشباب دون الاهتمام بالجودة الفنية والأصالة.

الفيلم يعتمد على فكرة الثراء السريع، وحلم إمتلاك الثروة، وهي تيمة لم تنضج بشكل كافِ في الفيلم، حيث بدأ الأبطال سريعًا في التعامل مع أزمة الإرث الملوث والمعايير الأخلاقية بإستخفاف، حتى البلوت تويست في نهاية الفيلم بدا مُضللًا وهو يُقدم مكافأة التوبة للأبطال من نفس إرث العم تاجر المخدرات الراحل.

الكوميديا لم تكن على القدر المنتظر في "سيكو سيكو"
الكوميديا لم تكن على القدر المنتظر في "سيكو سيكو"

"سيكو سيكو"، رغم طاقته الشبابية وإيراداته التجارية، يبقى درسًا في أهمية التوازن بين الفكرة والتنفيذ. عمر المهندس، بكل طموحه، لم ينجح في صياغة رحلة سليم ويحيى كسرد متكامل، حيث تحولت من فكرة كوميدية إلى مطاردة باهتة. الفيلم، حاول أن يكون ملحمة كوميدية تصنع ضحكات طازجة تترك أثر عميق، لكنه لم يُنتج أكثر من ضحكات تتبخر بعد المشاهدة. ربما يكون هذا العمل دعوة لصناع السينما لاستعادة روح الكوميديا الذكية، ودعوة للمنتجين للتركيز على العمق بدلاً من الجري وراء الأرقام.

الصور من حسابات صناع الفيلم على انستجرام.