
"عن الرجوع إلى الوطن بالموسيقى".. المغنية زينة في حوار خاص مع "هي"
لم تحتج زينة سوى مقطع لا يتجاوز ثواني معدودة باللغة الفرنسية لتعرف نفسها إلى الجمهور العربي، تحولت به إلى ظاهرة غنائية جديدة على "تيك توك" ومواقع التواصل مؤخراً، وكانت الثواني كافية لالتقاط الجمهور الروح العربية في صوت وشخصية زينة رغم غنائها بلغة أخرى.
كان المقطع من أغنية "ألو مين" مع المغني وليد، واشتهرت الأغنية بمقطع زينة بالفرنسية "Bébé t'as chaud"، وأعيد استخدامه آلاف المرات وبأشكال مختلفة على تيك توك مؤخراً. ولم يكن انتشارها السريع ضربة حظ، بعدما واصلت حضورها بأغنيتها الأخيرة "Jananto"، مكررة حالة "ألو مين" نفسها.
زينة Zeina Mates.. صوت قادم من حرارة الصحراء إلى منتصف عاصفة ثلجية شتوية
حضورها المتزايد عربياً كما لو كان متوقعاً ومنتظراً، كنتيجة للعالم الذي بنته زينة بعملها المستمر وتجاربها على مدار 8 سنوات تقريباً من الأغاني الفردية والألبومات، عالم تتنقل به بسلاسة بين الأنواع والإنتاجات الموسيقية المختلفة، من البوب إلى التراب إلى R&B وغيرها، وتستمد حيويتها من خلفياتها الثقافية المتعددة، ما بين حاضرها في كندا وجذورها العربية في لبنان ومصر وذكرياتها في السعودية، تستدعي هذا المزيج الثقافي وتشير إليه في جملة لحنية أو رقصة شرقية أو في تركيبة لغوية خاصة من الفرنسية واللبنانية والإنجليزية والمصرية وغيرها.
تطمح زينة إلى ما أبعد من هذا النجاح الأخير، ربما يمثل فقط محطة لتجاوز المزيد من الحدود الفنية والجغرافية في المستقبل، وهذا ما اكتشفناه في حوارنا معها، للتعرف إليها عن قرب بعد أصداء أعمالها الأخيرة، وفوزها بأول نسخة من جائزة R&B Music Award، من مؤسسة SOCAN، ومن قبلها ظهورها الأول في قائمة "Billboard Hot 100" في كندا بأغنية "Hooked"..

في البداية، كيف كانت بداية اكتشاف مواهبك في الموسيقى؟
لما كنت صغيرة، كان أروح بباص المدرسة إلى الحضانة، كنا نغني بالباص أغاني الأطفال، وكنت حافظة كل الأغاني وأغنيها من قلبي، المشرفة بالباص خبرت أمي إن كل الطريق روحة ورجعة ما وقف عن الغناء، كان عمري حوالي السنتين ونصف ومع مرور الوقت نما وزاد شغفي للموسيقي والغناء.
لديك خلفية ثقافية مميزة للغاية، ونشأة مختلفة أيضاً، قرأنا أن لديك أصول مصرية بجانب اللبنانية.. هل هذا صحيح؟ بالإضافة إلى عيشك في السعودية لفترة، كل ذلك بجانب كندا.. إلى أي مدى ساهمت هذه التفاصيل في تكوينك كفنانة حالياً؟
أصولي لبنانية ومصرية، أول خمس سنين من عمري عشت بالسعودية مع أهلي، وأهلي تركوا لبنان بأواخر السبعينات بسبب الحرب وهاجروا إلى السعودية، إمي كانت عم تشتغل بالسعودية وتساعد أهلها وتعرفت على أبي بالسعودية، وبسبب ظروف العمل ما قدرت تنجب إلا بعمر الثلاثين.. ولما صار عمري قريب الخمس سنين هاجروا الى مونتريال في كندا.
من الجو الصحراوي الحار إلي الجو الثلجي البارد، كان تغير صادم و كرهت هالتغيير بس مع الوقت تعودت عليه و صار الواقع الجديد لحياتي، ببيتي بكندا بتفكر انك بعدك بمنطقة الشرق الأوسط بسبب ديكور البيت، الموسيقى، الطعام واللغة.. ولكن خارج البيت أنا في أمريكا وأشعر بأن هذا المزيج ساعد في تحديد ورسم إطار موهبتي في الغناء والموسيقى.

كيف تستغلين هذه الخلفيات الثقافية في عملك بالموسيقى؟ هل ترين أنها ميزة إضافية لك أم غير مؤثرة لهذه الدرجة في صعودك؟
أشعر أن البيئة التي عشت فيها ساعدت في صقل موهبتي، أصولي العربية ونشأتي في مدينة لغتها الفرنسية، والإعلام في القارة التي كنت فيها، جميعاً لعبوا دورا مهما في موسيقاي وألحاني.
ما الصعوبات الإنتاجية والفنية التي واجهتيها في بداية مسيرتك الاحترافية خاصة مع ألبومك الأول؟ وكيف اختلفت عن اللحظة الحالية في مسيرتك؟
في البداية لم أكن أعرف كيف أوجه نفسي، كنت أظن أن تقليد ما هو محبوب و شائع هو أفضل الطرق، وأحياناً الهروب من هويتي الحقيقية هي الوسيلة الوحيدة للاندماج.. أظن أن كوني من العرب في القارة الأمريكية، لم يكن لدينا في ذاك الوقت ما يشجع بأن أكون ما أنا أو أن اندمج.. الآن أنا بعيدة كل البعد عن هذا التفكير وكل ما يهمني المصداقية في عملي وأن أكون أقرب ما أستطيع إلى ذاتي الحقيقية.

لديك أيضاً تنوع بالألوان الموسيقية، مثل الراب والبوب والهيب هوب والأر أند بي وغيرها.. برأيك هل انتهى زمن تصنيف الفنانين في نوع موسيقي واحد؟ وإذا كان بإمكانك أن تضعي تصنيفاً لنفسك، فماذا سيكون؟
إن التقيد بنوع واحد من الموسيقى لمن يرغب أمر مقبول، ولكن في عالمي لا ألزم نفسي بهذا الإتجاه.. نشأت وأنا أسمع مختلف أنواع الموسيقى، والقول أنني كنت أحب نوع معين لن يكون صحيحا، و مرة أخرى، إصراري على أن أكون صادقة مع نفسي فإن تحديد بنوع واحد من الموسيقى، لا يعكس ذاتي، و لذلك أعتبر أن نوع الموسيقى عندي عالمية وتعطيني الحرية في أن أفعل ما أريد.

هل نستطيع القول أن أغنية "ألو مين" هي البداية الحقيقية لعلاقتك مع الجمهور العربي؟ هل كان في خططك من البداية التوجه إلى الجمهور العربي؟
ما فاجأني أن مقطع اللغة الفرنسية هو الذي انتشر، وهذا كان أمراً يثير الاهتمام ويثبت أن الموسيقى ليس لها حدود، أستطيع ان أكتب كلمات باللغة الفرنسية على وقع الطبلة المصرية وسيغنيها الناس حتى ولو لم يفهموا المعنى وستعطيهم الشعور الجميل.
لم أكن أتوقع هذا التفاعل الكبير للأغنية، ولكن عرفت أن هذا المقطع من الأغنية سيحبه الناس لأني أنا نفسي لم أستطع أن أتوقف عن غنائه يومياً.. ولكن هل توقعت نجاح الأغنية لهذا الحد على تيك توك؟ لا، كانت مفاجأة.

وهل يدفعك هذا النجاح إلى تغيير خططك الفنية والاتجاه إلى الغناء بالعربية مثلاً؟
لا أظن أن نجاح هذه الأغنية فقط هو ما سيجعلني انتشر في الدول العربية، ولكن اعتبرها جزءا من الطريق الذي سيوصلني إلى هدفي وهو الوصول إلى المنطقة العربية، أريد من الموسيقى أن ترجعني إلى بيتي والوطن.
لديك علاقة مميزة مع متابعينك على تيك توك، وطريقة مميزة أيضاً في ربط الجمهور بأغانيكِ ورقصاتكِ وكذلك يومياتك.. كيف ترين استخدام تيك توك الآن في صناعة الموسيقى من خلال تجربتك الخاصة؟ هل أثر في طريقتك في صنع الموسيقى؟
يوفر تيك توك مستوى من الحرية للفنان لم تكن لديه من قبل، كما أن تيك توك يضفي نوعاً من الصعوبة في إيجاد فيديوهات مناسبة للموسيقى وخلق العالم الخاص بها.. لكن في نفس الوقت يعطي مساحة للفنان للتحكم بفنه، أنا شاكرة لهذه المنصة، في البداية قد لا تبدو هذه المنصة سهلة ولكن عندما تتمكن منها تكتسب التحكم بها.

برأيك ما الاختلاف خاصة في الناحية الإنتاجية والتنافسية بين البيئة الموسيقية في كندا والشرق الأوسط؟
الجيل الجديد للموسيقى العربية يتخطى الحدود، نحن الآن لا نعتمد فقط على الموسيقى التقليدية، بل نحاول خلق إيقاعات جديدة، رؤية حديثة وأنغام موسيقية من خلفيات متعددة.. اتمنى ان ننجح وتنتشر عالميا.. أما بالنسبة إلى كندا، فهناك عدد كبير من الجاليات العربية مما يعكس على تنوع الموسيقى وقربها من موسيقى الوطن وهذا ما يجعلني نوعا ما مرتبطة بها رغم البعد.
ماذا تتمنين أن يتحقق من أجل تحسين أوضاع الفنانين خاصة السيدات سواء من الناحية الإنتاجية أو الاقتصادية؟
التغطية الإعلامية العادلة وفرص توظيف، مما يضفي الضوء على الفنانين وفريقهم للأسباب الصحيحة وليس لمن أو لما ينتمون.

ما الشيء الذي كنتِ تتمنين معرفته في بداياتك الفنية، وتنصحين به من يخطط لدخول هذا المجال الآن؟
اتباع ما يميز الفنان ولو كان مصدرا لعدم الاستقرار والأمان.. هنا تكمن القوة الحقيقية.
أخيراً، ماذا عن إطلاقك "mateswav"؟ هل هو كيان إنتاجي خاص بك أم مبادرة؟ وماذا تخططين لها في المستقبل لها؟
"mateswav" هي علامة تجارية موسيقية أسستها مع شريكي طارق صالح، هي رمز للاستقلالية واستعادة السيطرة على أهدافنا ومشوارنا الفني.. من هذه المنصة، نهدف إلى ربط جسور الاختلاف الثقافي وتقديم الموسيقى التي تدمج ما بين الموسيقى التقليدية والحديثة بحيث نسمح لجميع جوانب هوية الناس بالتألق.
"Mateswav" ليست فقط علامة تجارية وإنما هي حركة لكسرالمعايير الحالية في عالم الفن، تشجع الثقافات المتعددة عن طريق الإبداع وتحدد كيفية ربط العالم عن طريق الموسيقى.
الصور من حساب زينة على انستقرام.