
فيلم "Fountain of Youth".. مغامرة بلا روح وسيناريو تائه بين الطموح والفراغ
من الأفلام المُنتظرة لعام 2025، برز فيلم "Fountain of Youth" ("يُنبوع الشباب") كفيلم واعد على منصة أبل تي في+، حاملًا بين جناحيه سينما مغامرات وتشويق تستحضر أعمالًا خالدة مثل "Indiana Jones" ("إنديانا جونز") و"National Treasure" ("كنز وطني"). الفيلم من إخراج جاي ريتشي، وبطولة جون كراسينسكي وناتالي بورتمان، في دوري مُحتال مُهتم بالآثار وشقيقته، بدا العمل كدعوة لرحلة خاصة تبحث عن ينبوع الشباب الخرافي، يجمع بين الألغاز التاريخية والمطاردات الملحمية.
البحث عن الخلود
تبدأ حبكة "Fountain of Youth" بمشهد مشحون يلقي بنا في مطاردة محمومة عبر شوارع بانكوك، حيث يسرق لوك بيردو (جون كراسينسكي) لوحة ثمينة ليبدأ رحلته نحو ينبوع الشباب، الكشف الذي سيُغير وجه التاريخ. تنضم إليه أخته شارلوت (ناتالي بورتمان)، التي تُجبر على ترك حياتها الهادئة كمديرة متحف لمساعدته، بدافع من ملياردير مريض (دومهنال جليسون) يطمح للخلود. الفكرة الأولية تبشر بمغامرة تجمع بين الألغاز التاريخية والمطاردات، مستندة إلى لوحات عصر النهضة كمفاتيح للغز، مما يمنح الفيلم طابعًا ثقافيًا يمكن أن يكون نقطة قوة. لكن، مع تقدم الأحداث، تنحرف القصة نحو تكرار ممل، حيث تتكرر المشاهد من سرقة اللوحات والمعارك البدنية دون تطوير درامي عميق. الشخصيات تتحرك في دوامة من الأحداث السطحية، حيث يغيب التركيز على تطوير العلاقات أو الدوافع، مما يجعل الرحلة تبدو كسلسلة من المشاهد المقطوعة بدلاً من قصة متماسكة. النهاية، التي تكشف عن قدرة الينبوع على تجديد خلايا جسم الإنسان ومنحه الخلود، تبدو متسرعة ومفتعلة، كأنها وضعت لإغلاق قصة لم تجد لنفسها إيقاعًا متماسكًا، تاركة المشاهدين في حيرة من أمر الغرض من هذا التحول. هذا الضعف يعكس رؤية إخراجية لم تستطع الجمع بين الطموح والتنفيذ، مما يجعل الفيلم يشبه سفينة ضائعة في بحر من الأفكار غير المكتملة.

بريق بصري وأداء واعد
من بين نقاط القوة، يبرز التصوير البصري الذي استفاد من تصوير المشاهد في مواقع حقيقية مثل فيينا وبنكوك والجيزة، مما أضفى على الفيلم طابعًا سينمائيًا جذابًا يعزز من أجواء المغامرة. المشاهد الخارجية، خاصة مطاردات الدراجات النارية، تحمل لمسة جاي ريتشي المميزة، تعكس إيقاعًا سريعًا يذكر بأفلامه المبكرة مثل "Snatch"، حيث كان يجيد دمج الحركة مع التوتر الدرامي. أداء جون كراسينسكي يضيء الشاشة بكاريزمته الخفيفة، حيث يجسد شخصية لوك بثقة تجمع بين الجرأة والفكاهة، مما يمنحه حضورًا يناسب بطل المغامرة. ناتالي بورتمان تضيف عمقًا عاطفيًا لشخصية شارلوت، رغم محدودية دورها، حيث تبرز قدرتها على التوازن بين الجدية والانفعال في المشاهد العائلية مع شقيقها، ومع زوجها وإبنها، حيرتها بين الالتزام الأخلاقي وحبها للمغامرة، إخفاقها في استمرار ارتباطها الزوجي. دعم أدائها الجسدي في مشاهد الأكشن يعكس التزامًا بإبراز تنوع مواهبها، مما يمنح الفيلم لحظات مشعة تعزز من جاذبيته البصري. كما أن اختيار الموسيقى في بعض المشاهد، مثل تلك التي ترافق المطاردات، يحمل إيقاعًا يدعم الحركة، لكنه لم يُستغل بالشكل الكافي لتعزيز التوتر العام.

سيناريو فارغ وإخراج متعثر
مع ذلك، يعاني الفيلم من ضعف سيناريو جيمس فانديربيلت، الذي يعتمد على حوارات توضيحية مكررة تفقد التشويق وتُشعر المشاهد بالملل. الشخصيات، مثل إيزمي (إيزا جونزاليز) والملياردير جليسون، تبدو سطحية، حيث لم تُمنح مساحة لتطوير دوافعها، مما يجعل العلاقات بينها تبدو مصطنعة وغير مقنعة. على سبيل المثال، علاقة لوك بإيزمي، التي كانت تبدو واعدة كصراع درامي، تحولت إلى تبادل حوارات سطحية دون عمق عاطفي، مما أضعف تأثيرها. الإخراج، على الرغم من طاقة ريتشي، يفتقر إلى التوازن، حيث تتحول المغامرة إلى سلسلة من المعارك البدنية دون أساس درامي، مما يذكر بأعمال هوليوود الروتينية التي تهدر مواهبها. اختيار ريتشي للتركيز على الأكشن على حساب التفاصيل النفسية للشخصيات يعكس رؤية متسرعة، حيث بدا الفيلم كمحاولة لملء وقت الشاشة دون هدف واضح. الموسيقى التصويرية، التي كان من المفترض أن تعزز التوتر، بقيت هامشية، مما أضعف تأثير المشاهد الملحمية وجعلها تبدو كجزء من محتوى متدفق عابر بدلاً من عمل سينمائي مستقل.

من الناحية التقنية، قدم الفيلم جهودًا ملحوظة في تصميم الديكورات، خاصة تلك التي تتعلق بالمعابد القديمة وأماكن السرقة، لكن الاعتماد الزائد على المؤثرات الرقمية أضعف المصداقية البصرية في بعض المشاهد، مثل تلك التي تتضمن الينبوع نفسه، حيث بدا التصميم باهتًا وغير متجانس. الإضاءة، التي حاولت محاكاة أجواء المغامرة الكلاسيكية، لم تكن متسقة، حيث تحولت من إضاءة درامية في المشاهد الخارجية إلى إضاءة فاقدة للعمق في الداخلية. هذا التناقض يعكس ضعف الرؤية الفنية، حيث لم يتمكن الفريق من الجمع بين العناصر البصرية والسردي، مما جعل التجربة تبدو مشتتة. كما أن المونتاج، على الرغم من سرعته في المشاهد الحركية، كان متعثرًا في الجزء الدرامي، حيث بدت الانتقالات بين المشاهد مفاجئة وغير مبررة، مما أفقد الفيلم الانسجام.

تجربة تُنسى
من وجهة نظري، "Fountain of Youth" هو انعكاس لتجربة سينمائية طموحة أضاعت نفسها في التكرار. نقاط القوة تكمن في التصوير وأداء النجوم، لكنها تُطمس بواسطة سيناريو ضعيف وإخراج متذبذب. الفيلم، كان يمكن أن يكون تحية لأفلام المغامرات الكلاسيكية، لكنه تحول إلى محتوى أكشن باهت، يفتقر الإلهام الذي يجعل الرحلة تستحق المطاردة. اختيار أبل لتقديم الفيلم مباشرة على المنصة، بدلاً من الإطلاق السينمائي، يعكس ربما رؤية تجارية أرادت استغلال النجومية دون الاهتمام بالجودة الفنية. هذا النهج أنتج عملًا يشبه الوجبة السريعة: سريع الإعداد، لكنه يفتقر النكهة التي تجعل التجربة لا تُنسى. ربما كان الأفضل التركيز على بناء شخصيات أعمق وتطوير القصة بدلاً من الاعتماد على المطاردات والمؤثرات.
في سياق 2025، حيث تسيطر المنصات مثل أبل تي في+ ونتفليكس على السوق، يبدو "Fountain of Youth" كجزء من ظاهرة الأفلام التي تُنتج كـ"محتوى" يستهدف الحفاظ على المشاهدين متصلين دون مطالبتهم بالانغماس العميق. هذا النهج، الذي يعتمد على النجوم ومواقع التصوير الخارجية، يناقض فلسفة الأفلام الكلاسيكية التي كانت تركز على السرد والشخصيات. مقارنة بالأعمال مثل "Raiders of the Lost Ark" ("لصوص التابوت المفقود")، الذي اعتمد على شخصية إنديانا جونز كرمز ثقافي، يفتقر الفيلم الحالي إلى تلك الرؤية الشاملة، مما يجعله يبدو كتجربة عابرة تُنسى بسرعة. هذا التحول يدعو إلى التساؤل: هل أصبحت السينما المتدفقة مجرد أداة للترفيه السطحي، أم أنها تحتاج إلى إعادة تعريف لاستعادة روحها الفنية؟
الصورة من حساب منصة آبل تي في +