إلهام علي من جلسة تصوير مجلة هي

خاص "هي": متعة سرد الحكايات.. مسلسلات خليجية كسرت الحواجز وأحدثت تأثيرا خارج الحدود

حميدة أبوهميلة
21 مايو 2025

الاستمتاع بسرد القصة وروايتها جعل لفن الحكي سطوة آسرة على القلوب والوجدان والعقول. وعلى مدى عشرات السنين صنع المشاهدون ذكريات مع مسلسلات خليجية من العلامات التي لا تنسى، وحمل نجوم كثر على عاتقهم الصعود بهذا الفن الصديق للعائلات والأكثر تفضيلا في الحقيقة إلى أعلى المستويات من خلال قصص هي ابنة المجتمع، وتشبه وتحاكي ما يشعر به أفراده بمختلف الطبقات، ولكن لا شك في أن السنوات الأخيرة شكلت منعطفا حقيقيا في الوصول إلى جمهور أكثر اتساعا واختلافا وتباينا، ولكن المفاجأة هي أن الحكايات ذات النكهة المحلية الخالصة، والتي تعبر عن خصوصية المجتمع في دول الخليج لا تزال هي الأكثر جذبا، حيث يبدو أن القطاع الأعرض من محبي الدراما يبحثون عن الأصالة والتنوع والثيمات التي تقدم صراعات ورومانسية وقضايا اجتماعية لا تقلد أحدا، بل تنتصر لتراثها وتقاليدها وهمومها الخاصة.

ولهذا كان لوجود منصات العرض الإلكتروني يد طولى في إيصال هذا المحتوى لجماهير متعددة، حيث تصدرت كثير من الأعمال الدرامية في هذا الصدد منصات المشاهدة عالميا، وترجمت ودبلجت لعشرات اللغات، وهو ما جعل الدراما أيضا لغة عالمية وجسرا بين الشعوب، وما زال الطلب من هذه المؤسسات يزداد، ولكن قبل وسيلة العرض التي فتحت أبوابا وفرصا هناك تميز المنتج الإبداعي الذي يحمل في طياته خبرات طويلة ونجاحات متراكمة.. أربعة نقاد عرب يخبروننا من وجهة نظر متخصصة عن ملامح الدراما الخليجية في السنوات الأخيرة، وكيف يمكن أن تستثمر خصوصية عالم حكاياتها الثري لإحداث تأثيرات متزايدة تتجاوز الحدود الجغرافية.

 

تحولات جوهرية وثراء مدهش

 بداية يرى الدكتور علي زعلة الناقد السينمائي السعودي، أن لمنصات البثّ بالطبع أثرا كبيرا في إيصال المنتج الدرامي الخليجي إلى المتلقي العربي والإقليمي وأحيانا إلى العالمي، لكنها تظل مرحلة لاحقة لمراحل ما بعد الإنتاج، موضحا أن العامل الرئيس في وجهة نظره هو أن الدراما الخليجية تشهد تحولا جوهريا على مستوى التقنيات الإنتاجية والعمليات الفنية، وبوجه خاص على مستوى جودة النصوص وجدّتها، بمعنى أن هناك اتجاها أكثر تنوعا من ذي قبل، يذهب إلى ثيمات لم تكن مطروقة في المسلسلات المعتادة السابقة، أو معالجة موضوعات مطروقة ولكن من زوايا نظر مختلفة، تمثل منظورات الأجيال الجديدة.

 الناقد الفني الدكتور علي زعلة أستاذ الأدب والنقد وصاحب المؤلفات المتعددة، يعدد أسبابا كثيرة لهذا التميز، ضاربا المثل بالدراما السعودية، ومشيرا إلى أنها استوعبت التنوع الثقافي والاجتماعي والجغرافي للبيئات المحلية التي تتشكل منها الهُوية السعودية الكبرى، وأتاحت لهذا الثراء في جغرافيتها الشاسعة أن يطلّ بقضاياه وتاريخه وقضاياه عبر الشاشة، في حالة من المزاوجة بين القضايا التاريخية التي تستعيد إرثا في التاريخ الاجتماعي القريب، والقضايا الاجتماعية التي تعكس الحراك الاجتماعي ومتغيّراته المتصاعدة يوما بعد آخر. يضاف إلى ذلك بروز نجوم جدد على الساحة الدرامية، جعل الدراما السعودية تتصدر الدراما الخليجية، وتتفوق عليها لتنافس مثيلاتها على المستوى العربي إن لم تتفوق عليها في بعض الأحيان. وذلك لأنها تقدم حكاياتها الأصيلة النابعة من نبضها الثقافي والاجتماعي، ولعل ذلك برز جليّا في مسلسلات السنوات الأخيرة، مثل "العاصوف"، و"خيوط المعازيب"، و"شارع الأعشى".

مسلسل شارع الأعشى حقق صدى كبير
مسلسل شارع الأعشى حقق صدى كبير

أجيال جديدة تدخل دائرة المنافسة

فيما يعتقد الفني محمد عبد الرحمن أن الانفتاح في نمط المشاهدة إقليميا وعالميا ولّد رغبات قوية وتشوقا لدى محبي الدراما في الاطلاع على قصص متنوعة من مجتمعات شتى، وهي نقطة استفادت منها الدراما الخليجية بسبب الباع الطويل لصناعها، وكذلك لغنى الأفكار والحكايات. ولكن بالنظر إلى أعمال حققت تأثيرا إقليميا ودوليا في بعض الأوقات فيما يتعلق بتصدر قوائم المشاهدة عبر منصات العرض، وبينها "رشاش" و"الصفقة" و"اختطاف" و"شارع الأعشى" و"المنصة"، و"خريف القلب"، وغيرها، إذ لكل منها طبيعة مختلفة، ولكنها لا تزال تسرد سِيرا وأحداثا وقعت في الحيز الجغرافي ذاته، وهذا يعني أن الدراما الجاذبة ليست اجتماعية فقط.

مسلسل الصفقة بموسميه من أبرز الأعمال الدرامية المهمة في الفترة الأخيرة
مسلسل الصفقة بموسميه من أبرز الأعمال الدرامية المهمة في الفترة الأخيرة

يعود الناقد الفني محمد عبد الرحمن ليؤكد أن هناك أمورا عدة تضافرت معا، لإحداث هذا التأثير إضافة إلى تميز المستوى بالطبع. ومن بينها، وفق رأيه، الابتعاد عن ثيمات تقليدية بعينها، والاقتراب من موضوعات أكثر جرأة وعمقا، وإقدام الصناع على طرق جديدة في التناول والسرد، وحتى على مستوى مواقع التصوير التي كان بعضها مكررا، وكذلك دخول أجيال جديدة إلى دائرة المنافسة، مضيفا أن كل هذا تزامن مع انتشار وسائل عرض أكثر مرونة وأسهل في الوصول، فوجد المشاهد أن هناك بالفعل موضوعات مختلفة وتستحق المتابعة، فزادت نسبة الأعمال ذات الجودة والامتياز، وخاصة أن مستوى ذائقة الجمهور الدرامية أصبحت في تصاعد بسبب تنوع المصادر.

قصص محلية تخاطب مشاهدي العالم

لطالما شكلت الدراما التلفزيونية رافدا مهما بالنسبة للمشاهد العربي، ولكن هذه الثقافة تمر بتحولات كبرى الآن مع كل هذا التطور وكل هذه الوسائط، وبحسب الناقد البحريني طارق البحار يُقدَّر أن أكثر من 400 مليون عربي يقضون ما معدله 19 ساعة أسبوعيا في متابعة المسلسلات العربية، وعلى الرغم من تحفظه على بعض التوجهات الإنتاجية في المنطقة العربية التي لا تزال تدور في فلك الميلودراما، وتتوجه لفئات عمرية أكبر سنا بعكس التوجهات العالمية، فإنه على سبيل المثال يرى أن رمضان 2025 مثّل منعطفا مهمّا في هذا السياق، مع عرض مسلسل "وحوش" الكويتي والذي تناول جرائم واقعية بجرأة وجودة تنفيذ لافتة، حيث جمع العمل في رأيه بين حبكة قوية، وإنتاج فني عالي المستوى، ومواهب شابة أمام الكاميرا وخلفها.

مسلسل خريف القلب جذب جمهور المنصات الإلكترونية
مسلسل خريف القلب جذب جمهور المنصات الإلكترونية

وقد اعتبره كثيرون خطوة نوعية نحو تقديم دراما عربية تواكب تطلعات جمهور اليوم، وتحاكي في جودتها إنتاجات "نتفليكس" العالمية، مشددا أيضا على أن قطاع الإعلام والدراما في المملكة العربية السعودية، يشهد تحولا جذريا مدعوما برؤية طموحة. من أعمال درامية مثل "شارع الأعشى" و"يوميات رجل عانس"، إلى التعاونات مع صناع محتوى عالميين، تبدو السعودية في طليعة هذا التحول، حيث تهدف هذه التحركات إلى تقديم محتوى متنوع، يستهدف جمهورا أوسع، ويمنح الشباب قصصا تمثلهم وتعكس قضاياهم، مشيرا إلى أنه كي تكتب الاستمرارية للتغيير في صناعة الدراما الخليجية، لا بد أن يصاحبه تحول في البنية الإنتاجية ذاتها، وعلى رأسها: الاهتمام بكتّاب السيناريو، لأن بعضهم يعانون من متطلبات شروط الإنتاج في المنطقة العربية بشكل عام، مضيفا: هنا يأتي دور المنصات العالمية في فرض نموذج مختلف. "نتفليكس" مثلا، تمنح مساحة للتطوير المشترك، والمراجعة، والابتكار، وهو ما ينعكس على جودة العمل النهائي. وإذا ما أرادت الشركات الخليجية الكبرى أن تخلق تحولا حقيقيا، فعليها أن تنقل معها إلى المنطقة هذه الممارسات، التي تمكن الكتّاب من التعبير والإبداع من دون قيود، والحقيقة أنه على الرغم من هيمنة المنصات، لا يزال التلفزيون قادرا على التأثير العميق في المجتمع، وخاصة بين فئة الشباب، شرط أن يُصغى إلى أصوات الكتّاب، وأن يُمنحوا الأدوات والفرص التي تليق بمواهبهم، لأن الدراما ليست فقط وسيلة للترفيه، بل هي أيضا مرآة للواقع ومحفز للتغيير.

عوالم أكثر جرأة وعمقا

الناقد الفني السوري عامر فؤاد عامر يشير إلى أن التحول الذي أحدثته المنصات أثر في مستويات الدراما عالميا وعربيا بشكل عام، وليس فقط في منطقة الخليج. وأوضح أن المعايير الجديدة التي فرضتها هذه المعادلة جعلت المسلسلات الخليجية التي تُنتج بتقنيات وتفاصيل تضاهي نظيراتها العالمية في ازدياد، وهو ما رفع السقف أمام المشاهد والمبدع معا.

وإضافة إلى التأكيد على أن المنصات منحت فرصا للمواهب الشابة وأبعدتهم عن شروط الاحتكار التي ربما كانت تفرض عليهم بسبب قلة مؤسسات الإنتاج والعرض، فإن الناقد الفني عامر فؤاد عامر يشير كذلك إلى التغييرات الملحوظة في النمط القصصي الدرامي فابتعدت بعض الأعمال عن النمط التقليدي، وجربت حقولا أخرى لم تكن شائعة من قبل، وبينها "الإثارة، والجريمة النفسية، والسير الذاتية".

المعروف أن القصص المحلية هي الأكثر جذبا فيما يتعلق بالسرد القصصي، حيث يكون لدى الجماهير شغف دائم للغوص في أعمال المجتمعات التي لا تعرفها، ومن هنا يشدد عامر على أن منصات المشاهدة الجديدة بمكتباتها العامرة بالفعل وفّرت نافذة يطل منها المشاهد على الآخر، ليرى كيف يعيش، ويفكر، ويعاني، ويحب. ويتابع: "وهذا يعطي فرصة للعالم حتى يرانا هو بعيونه، بعدستنا العربية، وليس بعدسة غريبة".

واعتبر عامر أن هناك الكثير من المسلسلات الخليجية التي قدمت مؤخرا تميزت بالطرح الذكي للقصة المحلية وإتقانها مع مخاطبة الجانب الإنساني، وهي من ضمن الأعمال التي تسهم في عبور هذه الصناعة نحو جمهورها العربي والعالمي، ومن بين الأعمال التي يجد أن هذه المواصفات تنطبق عليها المسلسل الإماراتي "المنصة" الذي نجح في استقطاب شريحة واسعة من جمهور غير محلي، لأن القصة فيها توتر واستلهام من واقع عربي معاصر في قالب التشويق والدراما الإنسانية، والمسلسل الكويتي "السجين النصاب"، إضافة إلى "دفعة بيروت" و"دفعة القاهرة".

مسلسل دفعة القاهرة أثار جدلا واسعا
مسلسل دفعة القاهرة أثار جدلا واسعا