فيلم مملكة القصب

خاص "هي" رسالة مهرجان كان 2025- فيلم "مملكة القصب" عن كعكة تساوي الحياة

أندرو محسن
19 مايو 2025

مجرد قراءة قصة فيلم "مملكة القصب" للمخرج حسن هادي، تجعلنا متشوقين لمشاهدته. الفيلم الذي تدور أحداثه في عام 1990 يتابع الطفلة لميعة (بنين أحمد نايف) التي تُكلَّف من المدرسة بصناعة كعكة للاحتفال بعيد ميلاد الرئيس صدام حسين، هذا الذي كان قد أمر جميع المواطنين بالاحتفال بعيد ميلاده رغم ما تعاني منه البلاد من فقر بعد العقوبات التي فرضت عليها نتيجة غزو العراق للكويت.  من هذه الفكرة الجذابة والحزينة في الآن ذاته ينطلق الفيلم ويأخذنا في أسلوب سردي ينتمي لنوع فيلم الطريق Road Films لنلقي نظرة واسعة على عراق بداية التسعينيات.

أول ما يلفت النظر للفيلم هو الطبيعة اللونية المميزة الي يستخدمها المخرج والتي تجعلنا نشعر كأننا نشاهد الفيلم على شريط فيديو قديم، وهو ما يجعل الانغماس في هذه المرحلة سريعًا وسلسًا. يضيف إلى ذلك الشعور ما جرأة المخرج في اختيار الكثير من أماكن التصوير الخارجية، والجرأة هنا تنبع من قدرته على استجلاب الزمن الماضي من خلال الديكورات  أو الأماكن الحقيقية التي صور فيها، والتي يصعب على من لم يذهب إلى العراق من قبل أن يشك للحظة أنها بالفعل الشوارع نفسها وقت وقوع أحداث الفيلم.

فيلم "مملكة القصب" للمخرج حسن هادي
فيلم "مملكة القصب" للمخرج حسن هادي

بدأنا بالحديث عن الديكورات لأن عالم الفيلم هو أحد أبطاله، عنوان الفيلم نفسه، يشير إلى بيوت القصب التي كانت تُبنى على السواحل ويتحرك أهلها إلى المدينة باستخدام القوارب. يبدو الأمر ممتعًا وأشبه بمدينة البندقية (فينيسيا) في العراق، لكن بمجرد الاقتراب من هذه البيوت، فإننا سنشاهد الفقر يطل منها بوقاحة. وهو أول ما يستعرضه الفيلم، مؤسسًا شخصيته الرئيسية لميعة التي تعيش مع جدتها العجوز فقط، وهي كل من تبقى لها من الأسرة. رغم ملامحها البريئة وسنها الذي لم يتجاوز التسع سنوات، فإن ملامح لميعة تحمل همًا واضحًا، ربما لشعورها بالوحدة، وغالبًا للفقر المحيط بها من كل جهة، والذي يعبر عنه المخرج بصريًا ومن خلال السيناريو أيضًا عندما نشاهد الجدة لا تقدر على شراء كل ما تريده من خضراوات. وسط كل هذا يُطلب من لميعة أن تصنع الكعكة!

بطلة فيلم "مملكة القصب" للمخرج حسن هادي
بطلة فيلم "مملكة القصب" للمخرج حسن هادي

من خلال محطات مختلفة لجمع مكونات الكعكة تصطحب الفتاة زميلها في المدرسة سعيد (ساجد محمد قاسم) في سباق مع الزمن، إذ المدة المتاحة هي يوم واحد، وفي صراع مع الفقر الذي لا يجعل الكعكة في متناول اليد، وأخيرًا في مواجهة مع المواطنين الذين يحمل كل منهم همومه الخاصة. كما هي العادة في أفلام الطريق، فإن الشخصية الرئيسية تمر بعدة محطات لحين الوصول إلى غايتها، ومن خلال هذه المحطات تتغير الأحداث ومعها الشخصية أيضًا. في الحقيقة نجح المخرج وكاتب السيناريو حسن هادي في جعلنا منجذبين تمامًا إلى محطات رحلة لميعة، بين الدكاكين القديمة، والأزقة الشاحبة، بين من يرغب في مساعدتها ومن يفكر في استغلالها، المتعة والانجذاب كانا حاضرين.

بطلة فيلم "مملكة القصب" للمخرج حسن هادي
فيلم "مملكة القصب"

 أما ما لم يكن على نفس القدر من القوة هو طبيعة هذه المحطات نفسها، إذ يبدو في عدة مشاهد أن المخرج اهتم بالأكثر باستعراض مواقف مختلفة أكثر مما اهتم بمدى منطقيتها أو ملائمتها للإطار العام للفيلم، فجاءت بعض المشاهد وكأنها مكتوبة لملء الفراغ، أو -وهو الأسوأ- لاستدرار مشاعر بعينها لم يكن المخرج يحتاج إلى دفعنا إليها إذ كانت الكثير من المشاعر حاضرة في الفيلم بالفعل، فيكفي أن نشاهد المظاهرات في حب صدام في الوقت الذي يعاني فيه الطفلين لاستكمال مكونات الكعكة لنشعر بكل شيء يود الفيلم أن يقوله. وفي هذا يجب أن نذكر القدرة الملحوظة للمخرج في التحكم بشكل دقيق في المجمايع الكبيرة، وإخراجه لأداء شديد الصدق من الطفلين.

فيلم "مملكة القصب"
مخرج فيلم "مملكة القصب"

لكن كل ما في الفيلم في كفة، وتتابعات النهاية في كفة أخرى. تقدم أفلام الطريق في نهايتها نظرة أخيرة على الشخصية الرئيسية وما آلت إليه بعد الرحلة التي كانت في الفيلم، لكن نظرًا لأن لميعة كانت تخوض رحلة مؤلمة لا ترغبها، فإن النهاية جاءت مالت إلى الواقعية الحزينة، وخاصة مع الاستخدام الذكي للقطات الأرشيفية من تلك الفترة.

فيلم "مملكة القصب" هو عمل أول متماسك لمخرجه، يمكن قراءته بما يحمله عن زمن التسعينيات في العراق، كما يمكن قراءته بما يقدمه من نظرة على الأحوال في البلاد المشابهة، بعيدًا عن الزمن.