
سيدة "شارع الأعشى" والدراما السعودية الحديثة.. إلهام علي نجمة "هي": أنا عاشقة للفن كارهة للشهرة
في ظل النمو الثقافي والفنّي والسردي الذي تمرّ به صناعة الترفيه في الخليج عموما، والسعودية خصوصا، تبرز الممثلة التلفزيونية والسينمائية والمسرحية اللامعة إلهام علي وجها للدراما السعودية الحديثة. ولا أبالغ عندما أقول إنها "سيدة الدراما السعودية الحديثة"، فعلى مدى أكثر من 13 عاما، سطّرت إلهام، العاشقة لوطنها وجذورها وثقافتها، مسيرة فنّية غنية احتضنت أكثر من 60 عملا. وقدّمت الكثير من الأدوار الراقية والعميقة التي تحدّت بها نفسها، وأظهرت عبرها صورة معاصرة للفنانة الخليجية التي تعرف تماما ماذا تريد وإلى أين تمضي.
حاملة موهبتها الفطرية، وحضورها الآسر، وخياراتها الجريئة، وعزيمتها التي لا تتزعزع، حتى صارت رمزا للتحول الثقافي وازدهار الدراما في المنطقة، من دون أن تفقد دفئها وتواضعها وحبها للناس، كل الناس، من أهل وأصدقاء وزملاء وغرباء.

فستان من "سبورتماكس" Sportmax
وجدت إلهام نفسها في عالم التمثيل وهي لا تزال طفلة، وصقلت موهبتها على مر السنين، في الوقت نفسه الذي نمت خلاله شخصيتها وعاشت رحلة اكتشاف الذات. تصالحت مع نفسها وتجاربها، وأمرت الألم أن يكون دافعا إلى التقدم والانتصار، واختارت الإصرار عنوانا للطريق، باتجاهات واضحة، وإيجابية مشعّة، وأصالة شفافة، تعالوا لنتلمس معا في هذا الحوار المشوّق حكايتها مع التمثيل، والفن، والدراما المحلية والإقليمية، ونتعرف أكثر إلى إلهام الصادقة مع نفسها، والوفية لهويتها، والمؤمنة بالصداقة الحقيقية والمنافسة الصحية، والشغوفة بسرد قصص بيئتها للعالم، والدائمة العطاء في كل خطوة تخطوها.

سترة من "تشاتس باي سي.دام" Chats by C.DAM
نــود أن نـــعـــود مـــعـــك إلى نقــطـــة الـبـــداية، متى شعرت بأن التمثيل ليس مجرد هواية، بل هو قدر كتب لك؟
بـــدأت أحــــب التــمـثــيــــل في الــمــدرســــة. كنـــت طــفــلــــة خــجــولـــة وانطوائية، وكانت والدتي تخاف علي كثيرا، إلى أن قررت في أحد الأيام إشراكي في مسرح المدرسة. كانت المسرحية الأولى التي شاركت فيها تدور حول القضية الفلسطينية، وأدّيت دور جندي صامت أمام طالبات في مرحلة الابتدائي. في الواقع، كنت رافضة تماما للفكرة، إذ لم أكن أستطيع حتى مصادقة زميلاتي في الصف، فكيف لي بالوقوف على المسرح! استمرّت أمّي في تشجيعي وتذكيري بأنني لن أضطر إلى الكلام وأن كل ما علي فعله هو الوقوف على خشبة المسرح في زي عسكري، وإظهار نظرة غضب. وعندما صعدت على المسرح، وسمعت تصفيق الحضور، انكسر الجليد الذي في داخلي! شعرت بأن هذا هو المكان الذي أرى نفسي فيه. وفي تلك اللحظة، اشتعلت شرارة حبي للتمثيل، وشعرت بأنه جزء منّي.
هل شجّعك والداك على التمثيل؟
بعد التخرّج والتفكير جدّيا في احتراف هذا الفن، سعيت لتحقيق ذلك الحلم من خلال دراسة المسرح ودخول عالم التلفزيون في مطلع عام 2009. قوبلت برفض قاطع من والدي، خوفا من المجهول ومما قد أتعرض له، وأنا الآن أستوعب ذلك وأتفهّمه تماما. مع الوقت، وبعد أن رأى والدي ووالدتي مدى حب الناس لي وسيري على الخطى الصحيحة بإذن الله، تغيّرت نظرتهما، واليوم هما من أكبر المشجعين والداعمين لي.
كان لبدايتك المسرحية وقع خاص. ما الفرق بين إحساسك عندما تصعدين خشبة المسرح، وبين وقوفك أمام كاميرا المسلسل أو السينما؟
لا أزال تلك الفتاة العاشقة لخشبة المسرح، لأنني أستطيع أن أرى محبة وتفاعل الناس بشكل مباشر من دون تزييف. في المسرح، لا مجال للتلاعب؛ ردة الفعل أمامك مباشرة، سواء كانت محبة أو ناقدة. كما أن المسرح يهذب النفس، ومن خلاله تعلمت الارتجال والتعامل مع الأخطاء بحرفية من دون أن يشعر الجمهور بها، وهو ما أسهم كثيرا في صقل موهبتي وشخصيتي، لذلك أشعر بالانتماء أكثر إليه. لكن لا يعني ذلك أنني لا أحس بروعة تلك المشاعر نفسها في العمل التلفزيوني أو السينمائي، إلا أنني أفتقد فيه رؤية تفاعل الجمهور المباشر.

جاكيت وقميص وتنورة من "تودز" Tod’s
"شارع الأعشى" كان أحد أنجح أعمال رمضان هذا العام. كيف عشت هذه التجربة الاستثنائية؟
أنا سعيدة بنجاح مسلسل "شارع الأعشى"، وخصوصا بعد غيابي عن الشاشة الرمضانية لنحو أربع سنوات، لذلك أشعر بأنني كسبت الرهان بجمهور محب وداعم لي. وقد حرصت على اختيار عمل ذي طابع البطولة الجماعية لتعزيز ثقافة دعم الفن والفنانين، وها نحن نحتفل بوجوه شابة صاعدة من خلال هذا العمل.
ماذا وجدت في شخصية "وضحى"؟ وما الذي جذبك إلى هذا الدور تحديدا؟
"وضحى" شخصية جديدة من بيــــئــــة مختـــلــفـــة عن "إلهام" بجميع تفـــاصيـــلـــهـــا. ودائـــمــــا ما أقــــول إنني أبحث عن الأدوار التي أستطيــــع من خــــلالــــهــــا تــــحدي نـــفـــســـــي والظـــهــور بشكل ولون مختلف عن الأعمال الأخرى. لذلك لم أتردد للحظة بالموافقة والعمل على تحدي نفسي في دور "وضحى".
كل عمل يترك فينا درسا، ما الدرس الذي أخذته "إلهام علي" من "شارع الأعشى"؟
في كل عمل، أخرج بدرس ينعكس على الإنسانة قبل الفنانة، وفي هذا العمل بالتحديد، من أهم الدروس التي تعلّمتها على الصعيد الشخصي أن الفنان كلما ازداد تواضعا، رفعه الله شأنا. أشعر بالسعادة عندما أرى المواهب تتحدث في لقاءاتها عن "إلهام" في كواليس العمل وينقلون مدى امتنانهم وسعادتهم بالاحتواء، وهو شيء سأواصل فعله حتى النهاية.
النجاح الكبير هذا الموسم، كيف ترين تأثيره في خطواتك القادمة؟
في كل نجاح أشعر بأنني في بداية الطريق وما زال في جعبتي الكثير. وأبدأ في حالة من القلق والخوف من الآتي، شعور متعب ومرهق جدا، ولكن في كل جهد يُبذل أحصد المحبة من المحبين، وهو ما يعوضني عن كل الأوقات الصعبة السابقة.
الدراما السعودية تعيش مرحلة ذهبية، كيف تشعرين بانتمائك لهذا التحول الكبير؟
شهدت على هذا التحول، وأتذكر جيدا تصريحاتي السابقة عن أننا قادرون على المنافسة، وسيأتي ذلك اليوم الذي أرى فيه العمل السعودي والفنان السعودي يقف بمصاف أهم النجوم العرب والعالميين. أشعر بالسعادة لأنني أرى ما كان حلما في الماضي يصبح حقيقة اليوم.

سترة من "كريستينا فيديلسكايا" Kristina Fidelskaya
إذا خيروك بين عمل واحد (مسرحية أو فيلم أو مسلسل) تحبين أن يتذكرك به الناس بعد سنوات، فأي عمل تختارين؟ ولماذا؟
لا أستطيع أن أختار، فلكل عمل حالة خاصة في قلبي، ولكن سأقول إنني أريد لعب دور شخصية عربية تاريخية أقدّمها ويتذكرني الجمهور بها يوما ما.
قدّمت مجموعة من الأعمال الدرامية الكويتية، وتعاونت أكثر من مرّة مع الفنانة الكبيرة "حياة الفهد". ماذا تحبين أن تقولي لها اليوم؟
"حياة الفهد" إحدى أهم المدارس الفنية التي تعلمت منها، وقد تبنتني بالفعل ودعمتني. أود أن أقول لها: "ماما حياة، شكرا لك. أنت مدرسة بالنسبة لي أتعلم منها وأحاول السير على خطاها". من الدروس التي تعلمتها منها، محبتها للمواهب الجديدة. يوما ما، كنت أنا إحدى هذه المواهب، ومدّت لي يدها وقدمتني في أعمالها، وكان لي معها أكثر من عمل أسهم كثيرا في رصيدي الفني. واليوم، أحاول أن أرث هذه الأخلاق المهنية وأسعى لدعم المواهب الجديدة بدوري. شكرا "ماما حياة"، أحبّك كثيرا، وأدعو الله أن يطيل عمرك.
هل تعتقدين أن الصداقة ممكنة في الوسط الفني؟
أنا أؤمن بوجود الصداقات في المجال الفني. الصداقات والمشكلات موجودة في كل مكان، لكن الأخلاق هي ما يحدد مسار العلاقة، سواء في الفن أو في أي مجال آخر. الشخصية السيئة أو السامّة ليست حكرا على المجال الفني. قد يظن البعض أن وجود الغيرة والتنافس يجعل من المستحيل تكوين صداقة حقيقية، خصوصا إذا كنت تنافس زميلا لك، لكن هذا غير صحيح. لدي صــديـــقـــات من الــــوســــط الفنــــي أحبــــهــــن كثـــيـــــــرا، وأتنافس معــهــــن أيــضـــا. أتــمــنى لـــهــــن النـــجـــاح، تـــمـــامـــــا كما أتمنى لنفسي وأفرح لهن وبإنجازاتهن.
هناك تجربة جميلة سأشاركها للمرة الأولى. كنت أنا والفنانة "عبير أحمد" نصوّر مسلسلا بعنوان "أنيسة الونيسة"، وكنت لا أزال في بداياتي الفنية. كانت "عبير" تؤدي دورا رائعا شدني كثيرا وأسرني، وفي أحد الأيام، ونحن على وشك إنهاء التصوير، ذهبت إليها وقلت لها: "يا عبير، أتمنى أن تفوزي بجائزة عن هذا الدور". ثم أضفت: "وإن شاء الله، العام المقبل، تفوزين بجائزة أخرى مناصفة معي". كان ذلك التعبير نابعا من إعجابي بها ومن إحساس بالمنافسة الإيجابية، التي تصب في التطوير، لا في الحسد أو الحقد. هذه طبيعتي: أؤمن بالصداقات، وبالمشاعر الطيبة، وبالاحترام، وبالوفاء في العلاقات.

قميص من "رابان" Rabanne لدى THAT Concept store
ماذا تعني لك المنافسة؟ ومتى تتحول إلى صراع سلبي يضر الجميع؟
بالنسبة لي، المنافسة صحية جدا، لأنها تدفعنا إلى التطوير. والمنافسة ليست مقتصرة على الأفراد، بل تشمل أيضا القطاعات، والأعمال، والدول. فمن دون تنافس، لا يمكن أن يتحقق التقدم. لكنها تتحول إلى بيئة سامّة حين تتسلل إليها مشاعر الحسد والكره. الحياة بطبيعتها تقوم على التعاون، ولسنا كائنات تعيش منفردة؛ بل نحن دائرة يكمل بعضها بعضا. لذلك، أؤمن بأن التكاتف أجمل وأقوى من التفرد والانعزال، التي أراها فكرة أنانية يمكن أن تدمرنا.
تعاونتِ مع نجوم من مختلف الأجيال والأعمار. هل لاحظت اختلافا في التعامل أو التفكير بينهم؟
بالتأكيد هناك اختلاف بين الفنان صاحب الخبرة والفنان الجديد الذي لا يزال يكتشف طريقه. لكنني استفدت من الطرفين. أشعر بأنني محظوظة، لأنني تمكنت من الاستفادة من حكمة وقوة الفنانين القدامى، ومن خبرتهم وثقافتهم وحبهم واحترامهم العميق للفن والإنسانية قبل الموهبة. وفي الوقت نفسه، اكتسبت من الجيل الجديد الشغف، والطموح، والقوة، والشراسة الجميلة في تقديم الذات.
في مشاهد الدراما الخليجية، ما الذي يجعلك تستشعرين واقعية العمل؟ ومتى تحسين أن القصة تمثل مجتمعنا؟
لا أعتبر أن الفن يجب أن "يمثلني" حرفيا لكي أرتبط به. هناك أنواع من الفن، مثل البرامج الواقعية أو الوثائقية، تقدم شخصيات تتحدث مثلا عن بيئتي، لكن الفن بشكل عام، ولا سيما الدراما، هو مساحة للتعبير والترفيه. في الأعمال الأجنبية، هناك مثلا أفلام الأبطال الخارقين أو الفانتازيا والتي لا تمت للواقع بصلة، ومع ذلك نصدقها ونعيشها ونتفاعل معها. لا يشترط أن يشبهني العمل لكي أؤمن به، بل يكفي أن يكون قريبا من الواقع بحيث أستطيع تصديق الإحساس والحالة. الفن يمثلني بالإبداع والطموح والارتقاء بفني إلى العالم، لكن ليس عليه أن يمثلني كمادة.

جميعها من دار "دامياني" Damiani للمجوهرات الفاخرة
سترة بلايزر من "بيتر" Bettter
قميص من "كريستوفر إيسبر" Christopher Esber لدى THAT Concept store
كيف يمكن للسرد الخليجي في الدراما المقتبسة أن يتطور ويحافظ على خصوصيته؟
بصراحة، أنا لست من مدرسة الاقتباس، على الرغم من أنني شاركت في أعمال مقتبسة. أؤمن بأن بيئتنا غنية جدا بالقصص والموضوعات التي يمكننا طرحها بأسلوب ذكي، من دون الحاجة لنسخ تجارب غيرنا. أنا لا أعارض الاقتباس، فالفن فضاء واسع يسمح بالتجريب. لكن عندما نأخذ قصة غربية ونحاول أن "نسعودها" أو نجعلها أقرب إلى واقعنا الخليجي، غالبا ما نشهد خللا معيّنا. لا يكفي فقط أن ننطق الحوار باللكنة السعودية حتى يشبهنا، بل الموضوع أعمق من ذلك بكثير، لأنه يكمن في التفاصيل الصغيرة التي تميز بيئة عن أخرى، مثل المشاعر، والتعبير العاطفي، ولغة الجسد. لدينا خصوصيات ثقافية لا يمكن نقلها بسهولة على الورق من بيئة إلى أخرى. لذلك، أفضّل تقديم قصص من بيئتنا، تعكس ثقافتنا بشكل حقيقي ودقيق.
هل تعتقدين أن القصة الخليجية اليوم، من منظور عام، تحاول أن تلاحق الواقع أم تتجاوزه إلى الخيال؟
إذا ارتبط الفن بالواقع في كل أعماله، فهذه كارثة. الفن هو في الدرجة الأولى خيال؛ لا بد أن يكون لدينا خيال خصب لكي نبدع عملا فنيا مختلفا. حتى عندما أتناول قصة واقعية، فإنني أضيف إليها حبكة وتفاصيل خيالية، ليس بقصد التزييف، وإنما لأربط الأحداث وأشدّ انتباه المشاهد وأشجّعه على التفاعل معها. كما قلت قبل قليل، هناك أعمال معينة مخصصة لنقل الواقع، والخيال ضروري، حتى في الواقع.
ما مواصفات الدور "الجريء" في الدراما الخليجية الذي يتخطى الخطوط الحمراء؟
كل إنسان لديه حدوده الخاصة للجرأة. المسألة تعتمد على مفاهيمنا، وعلى ثقافة كل عائلة ومبادئها. لهذا لا يمكنني الحديث باسم الآخرين أو تحديد ما هي "الخطوط الحمراء" للناس. لكنني أستطيع الحديث عن نفسي: كل ما أقبله وأمارسه في حياتي الخاصة، يمكنني قبوله على الشاشة. أما ما أرفضه في حياتي، فسأرفضه أيضا على الشاشة.
كثيرا ما يُنظر إلى الأزياء في الأعمال الفنية على أنها مجرد زينة. برأيك، متى تتحول الأزياء إلى "لغة درامية" بحد ذاتها، وتعكس التحولات الاجتماعية؟
من الضروري التأكيد على أن الأزياء ركن أساسي في العمل الفني، وليست مجرد إضافة جمالية أو وسيلة لتقديم زي يشبه ثقافة أو حقبة معينة. يجب أن تكون الأزياء، ولا سيما في المجال الفني، مختصة ومدروسة. في بعض الأحيان، قد تكون قطعة ملابس ثقيلة فتعيق حركة الممثل أو تسبب مشكلات تقنية، مثل التأثير على صوت الميكروفون. وحتى الإكسسوارات قد تؤثر في جودة الصوت إن لم توضع بعناية.
أما من ناحية الشكل والمضمون، فالأزياء، إلى جانب الماكياج، تلعب دورا كبيرا في تجسيد الشخصية ونقل رسالة ثقافية. على سبيل المثال، عندما أرتدي عباءة في عمل درامي، لا أقدّم مجرد زي، بل أنقل معانيها وجذورها وجمالها إلى الخارج، وإلى ناس قد يجهلونها.

جميعها من دار "دامياني" Damiani للمجوهرات الفاخرة
فستان وسترة من "كريستينا فيديلسكايا" Kristina Fidelskaya
بعيدا عن المهرجانات الفنية والسجادة الحمراء، ما أسلوب الأزياء الذي تميلين إليه في حياتك اليومية؟
أصنف نفسي من النساء العمليات جدا. أحب الحياة العملية وأبحث عن الراحة في ملابسي ومظهري. أنا بطبعي بيتوتية، وعندما أخرج من المنزل يكون ذلك غالبا من أجل العمل. لذا أصبح ستايلي كاجوال: أحب ارتداء الجينز مع القمصان أو التيشيرتات. وبما أن تصوير معظم أعمالي يجري داخل بلدي، أرتدي العباءة كثيرا.
كيف تتعاملين مع التناقض بين حاجتك كممثلة إلى التجدّد، ورغبتك في أن تظلي قريبة من ذاتك؟
أخطر ما يمكن أن أقوله هو أنني، حين أدخل في عمل تمثيلي، أنسى نفسي فعليا. أركن "إلهام" جانبا، وأغوص تماما في الشخصية التي أؤديها وأعيش في عالمها. وهذا الاندماج يصعّب عليّ أحيانا الخروج من الدور بعد انتهاء التصوير. أعتمد في تلك اللحظات على من حولي، وأولهم زوجي "خالد"، ليساعدوني على العودة إلى ذاتي. وعلى الرغم من صعوبة هذا الفصل أحيانا، أحب هذه الحالة، وأتمنى أن أبقى على هذا القدر من الإخلاص للفن.
عندما يُعرض عليك دور، ما الشعور الأول الذي يجعلك تقولين: "هذا الدور لي"؟
حين أقرأ الدور، وأتساءل: كيف سأجسّده، أعرف في داخلي أن هذا هو الدور الذي أبحث عنه، لأنني أحب أن أتحدى نفسي. أما إذا شعرت بأن الشخصية تعيدني، حتى لو عن غير قصد، إلى شخصية قد أديتها سابقا، أعلم حينها أن هذا الدور ليس مناسبا. في كل تجربة فنية أعيشها، أكتسب شيئا جديدا، سواء على المستوى الشخصي أو المهني. حتى في الكواليس، وفي التفاعل مع فريق العمل، هناك دائما ما يعلّمني ويضيف إليّ.
ما المبدأ الذي لم تخونيه قط في اختياراتك الفنية ولو كان الثمن دورا مهما؟
هناك خط أحمر واضح لا أساوم عليه: وطني. لا يمكن أن أقبل بأي عمل يحمل، ولو بشكل غير مباشر، إساءة لبلدي. هذا شيء لا يمكن أن أرضى به.
هل سبق أن رفضت أداء شخصية شعرت بأنها تسيء لصورة المرأة أو تسهم في ترسيخ صورة نمطية معينة؟
رفضت الكثير من الأدوار، ليس فقط لأنها تسيء، بل لأنها لا تقدّم شيئا. هناك أدوار شعرت فيها بأنه ما من شيء يمكنني قوله، فلم أقبلها. لا يعني ذلك بالضرورة أن هناك خطأ في النص، فقد يناسب غيري، لكنني لست من المدرسة التي تؤدي الأدوار فقط لأنها "مستفزة" أو "لا تُنسى". يجب أن أكون مقتنعة تماما بما أقدمه، وإن كانت الشخصية سلبية؛ لا بد أن أفهم دوافعها جيدا كي أؤديها بصدق.
قصة حبك مع "خالد صقر" بدأت في كواليس فيلم "مشاوير". كيف تصفين تلك المصادفة الجميلة التي جمعتكما؟
في فيلم "مشاوير" كنا متزوجين، ولكن لم نعلن ذلك. تعرفت إلى "خالد" كزميل في 2014، وبدأت قصتي معه في مطلع عام 2018 في الموسم الثاني من مسلسل "بشر"، والذي تم تصويره في جنوب إفريقيا. ودائما أقول له إنني لو كنت أعلم بالمستقبل لقلت له في عام 2014: "ستصبح زوجي، فلنختصر، ونستغل الوقت حتى لا يضيع".
العمل مع شريك الحياة، فيه تحديات كثيرة. ما سر الانسجام بينكما في مكان التصوير وخارجه؟
"خالد" زوج في المنزل وحبيب في جميع الأوقات، ولكنه فنان رائع ومجتهد في التصوير، وهذا ما يميزه. فعندما نبدأ العمل تتحول شخصياتنا لشخصيات مهنية محترفة بعيدة عن الأمور الخاصة، وما يسهم في تعزيز الانسجام هو الحوارات الفنية المستمرة والحديث عن أبعاد الشخصيات في المنزل. لذلك أشعر بالراحة جدا بالعمل معه، وقد يعزز وجود من نحب بالقرب الرغبة في العطاء أكثر.
ما الذي يضيفه "خالد" إلى حياتك؟ وعلى المستوى المهني، هل تستشيران بعضكما في اختياراتكما الفنية؟
"خالد" أضاف إلى "إلهام" الإلهام، وكما قلت، نناقش تفاصيل العمل والشخصيات ونتبادل الآراء.
لنتحدّث عن معاني اسمك: "إلهام". هل تحرصين على أن تكوني مصدر إلهام حقيقيا لمن حولك؟
قلت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مرات عديدة إنني أتمنى أن يكون لي نصيب من اسمي، وأن أكون إلهاما للأجيال. ولا أقصد على الصعيد الفنّي أو المهني فقط، بل أتحدث أيضا عن الجانب الإنساني. أتمنى أن أؤثر في الناس وألهمهم، ولو من خلال صفة واحدة أملكها.

تعرضت للتنمر في طفولتك بسبب عارض صحي دقيق. هل بقي هذا الشعور معك كألم، أم حوّلته إلى مصدر قوة؟
بالطبع كانت تجربة مؤلمة في الطفولة، لأنني لم أملك المنظور الصحيح وأنا في خضمّها، لكن اليوم، بعد أن تجاوزتها، أصبحت أكثر نضجا في رؤيتي لها. هي ليست طاقة ألم، لأنني أحاول تحويل كل المشاعر السلبية التي عشتها في طفولتي واستثمارها لتصب في مصلحتي وفي مشاعري الإيجابية. أصبحت الآن أكثر تفاؤلا وحبا للحياة والناس، فأحب الحياة بشكل كبير وأحب الناس بشكل أكبر. وبالتالي، أعتقد أن ذلك الألم لم يكن حاجزا، بل وقودا دفعني إلى الأمام.
أدّيت دور الأم بشكل مؤثر، وقلت إنك ترغبين في أن تصبحي أمّا يوما ما. هل تحسين بأن الأمهات اليوم يواجهن تحديات مختلفة عن أمهات الأجيال السابقة؟
لا أستطيع أن أفتي في شيء لم أعشه بنفسي. لكنني أعتقد أن مشاعر الأمومة جميلة جدا، ولا يمكن ربطها بشيء سلبي مهما اختلفت الأجيال. من خلال أبناء إخوتي، وكذلك محبة الأطفال لي، أمارس مشاعر الأمومة بشكل أو بآخر. المرأة هي أم بالفطرة، ولو لم يكن الأطفال أبناءها البيولوجيين. أشعر بهذه الأحاسيس وأعيشها بسعادة كبيرة.
عندما تكتب لك فتاة: "أنت السبب الذي جعلني أدخل مجال التمثيل"، ما الذي تشعرين به؟
إنه شعور جميل جدا. إن تركت أثرا طيبا في حياة أحدهم أو قدّمت شيئا، ولو بسيطا، للآخرين، فهذا يكفيني ويسعدني. فما بالك إن قالت لي إحداهن إنني كنت السبب في تغيير مسارها أو شجعتها على اتخاذ قرار مصيري؟ هذه نعمة كبيرة.
بعيدا عن الكاميرا والأضواء، كيف هي "إلهام علي" الإنسانة؟ ما الذي يسعدها؟ وما الذي يزعجها؟
أنا إنسانة عاشقة للفن كارهة للشهرة. قد يصعب تصديق ذلك، ولكني إنسانة بسيطة جدا بيومياتي. أطعم كائنا حيا في الطريق، أتواصل مع أسرتي باستمرار، وأعشق المكوث في المنزل والتنظيم والترتيب. ودائما أنزعج من الفوضى العـــارمــــة في المــنـــزل، وأبـــدأ بالتــــوبــيـــــخ والحرص على ترتيب المنزل وتنظيفه.
هناك لحظات مفصلية تغيرنا للأبد. هل تتذكرين لحظة كهذه في حياتك؟
هناك لحظات كثيرة أنعم الله بها علي، إلا أنني لن أنسى أجملها، وهو: تسلم جائزة سعودية على أرضي وفي وطني، وكلام والدي لي عن الفخر والاعتزاز بعد تلك الجائزة. إنها لحظة تسلمي جائزة "جوي أواردز".
ما القيم التي تحرصين عليها مهما تغيّرت الظروف؟
أتمنى أن أبقى إنسانة بسيطة، متواضعة، محبّة للسلام والخير مهما امتلكت في الدنيا. الإنسانية تأتي أولا، وبعدها كل شيء.
بعد هذه المسيرة الحافلة بالأدوار المهمة والمؤثرة، كيف ترين ملامح مشاريعك المستقبلية؟ هل هناك حلم ما زال ينتظر أن يتحقق؟
هناك الكثير من الأعمال التي أريد تقديمها، والكثير من الأفكار التي أرغب في تحقيقها. لكن أود أن أؤكد على نقطة مهمة: الفنان لا يستطيع أن ينجز كل شيء بمفرده. كما قلت سابقا، نحن مجموعة، ولسنا أفرادا منفصلين. يجب أن نتكاتف لصنع المحتوى. يعتقد الجمهور أحيانا أن الفنان الذي يحمل اسما لامعا، يستطيع فرض رؤيته وصنع العمل من الألف إلى الياء. لكن في الحقيقة، العمل الفني هو نتاج تعاون: من القصة، إلى الإخراج، والتصوير، والإضاءة، واختيار الطاقم، والأزياء، والمكياج... أعرف أن لا مثالية في مجالنا، إلا أنني أرغب في أن نصنع عملا متكاملا أتمنى أن أحقق من خلاله أحد أحلامي: أن أقدم عملا وطنيا بامتياز يحمل اسم بلدي ويخرج من منطقتنا إلى العالم وينافس عالمياً.
لو كتبت رسالة إلى "إلهام علي" بعد عشر سنوات، ماذا ستقولين لها؟
شكرا "إلهام" على ذلك الماضي الذي سأعتز به جدا، شكرا لأنك صنعت اسما أفتخر به وإنسانة لم تتغير، حافظي على ذلك، فأنا سعيدة بك وأحمد الله عليك. اجتهدت ونلت ما تمنيت، اليوم أنت اسم كتب في تاريخ فن وطنك، ولن يُنسى باذن الله.
هل من كلمة أخيرة تهدينها لقارئات "هي" وجمهورك الذي يرافقك بكل حبّ ووفاء؟
دائما أقول إلى جميع محبّي "إلهام": أنتم عائلة محبّة ووفية. واليوم تكبر هذه العائلة بوجود مجلتكم "هي"! أنا ممتنة لكم جميعا على أبسط وأجمل وأغلى التفاصيل منكم. سأتمنى دائما أن أبقى تلك الفنانة المحبة والطموحة، سائلة الله أن يجعلني دائما عند حسن الظن، أحبكم جدا.