خاص "هي" مهرجان كان 2024ـ فيلم The Second Act"..الذكاء الاصطناعي في مواجهة الصوابية السياسية!

المتابع لأفلام المخرج الفرنسي كوينتن ديبيو، يدرك جيدًا الحس الكوميدي المُميِّز لأعماله المختلفة، كما يدرك أيضًا الأفكار الغريبة التي يقدمها، التي قد تنتمي إلى الفانتازيا بشكل واضح كما في "Incredible But True" (غريب ولكن حقيقي)، أو تقدم شخصيات موغلة في الغرابة مثلما في "Deerskin" (جلد الغزال).

فيلم The Second Act"

في أحدث أفلامه "The Second Act" (الفصل الثاني)، فيلم افتتاح مهرجان كان في دورته السابعة والسبعين، لا يبتعد المخرج غزير الإنتاج عن هذه الغرابة، بداية من الموضوعين الذين يطرحهما في فيلمه، واللذين يبدوان بعيدان عن بعضهما، لكنه بطريقة ما يضعهما في سياق الفيلم: الصوابية السياسية، والذكاء الاصطناعي.

يبدأ الفيلم بشخص يبدو عليه الاضطراب (مانويل غويّو) يتجه إلى مطعم وبار مغلق، ليفتحه ويضيء لافتته التي تحمل اسم "الفصل الثاني". في اختيار هذا الشخص تحديدًا سخرية لا ندركها إلا مع منتصف الفيلم، فعكس المعتاد في الأفلام، فإن هذا الشخص الذي يفتتح الفيلم ليس بطلًا رئيسيًا أو ممثلًا ثانويًا، ولكنه كومبارس، ولا نعني كومبارس مجازًا بل حرفيًا، إذ يلعب داخل أحداث الفيلم دور كومبارس.

فيلم The Second Act"

وهنا نأتي لأولى مفاجآت الفيلم، إذ بعد أن نتعرف على الصديقين ديفيد (لوي غاريل) وويلي (رافاييل كونار)، من خلال حوار طويل ممتد بينهما، نفاجئ أن الأول يحذر الأخير من أن يتمادى في الكلام أو يخرج عن النص لأن ما يقوله قد يعرضهما للإقصاء تمامًا من المجتمع، ومن العمل أيضًا. هكذا نستنتج أن ما نشاهده هو عملية تصوير لفيلم، وهي فكرة ليست جديدة بالتأكيد، بل شاهدناها في افتتاح كان تحديدًا منذ عامين في فيلم "Final Cut" (النسخة النهائية)، ولكن المختلف هو أننا لا ندرك فعليًا أين يبدأ وأين ينتهي الخط الفاصل بين الفيلم الداخلي وبين الفيلم نفسه، فالحوار ممتد بصورة طويلة، وحتى عندما يقاطع ديفيد ويلي، فإننا لا نشاهدهما يعيدان المشهد بل يواصلان حوارهما.

يوظف ديبيو هذا الحوار بشكل ذكي، وربما يكون صادمًا للمشاهدين حاليًا، ليسخر من الكثير من الخطوط الحمراء، سواء في الالتزام بشكل مَرَضي بالصوابية السياسية، أو في السخرية من طبيعة الأفلام وتقديرها، وحتى من السينما الفرنسية مقارنة بهوليوود. لا يتوقف الأمر عند الحوار فقط بل يوظف الموسيقى أيضًا كأداة للسخرية من المشاهد التمثيلية للفيلم الداخلي الذي يشارك فيه أبطال الفيلم، إذ تدافع فلورانس (ليا سيدو) عن أدائها السيئ في أحد المشاهد قائلة إن هذا الأداء سيُعالج لاحقًا من خلال المونتاج وإضافة الموسيقى، لتصبح الموسيقى كلما ظهرت لاحقًا، بمثابة إشارة إلى أن ما نشاهده هو أمر ساذج وتقليدي.

فيلم The Second Act"

لا يتوقف المخرج الفرنسي عند الصوابية السياسية، بل يقدم مفاجأة أخرى عندما نعرف أن الفيلم من تأليف وإخراج الذكاء الاصطناعي، الذي يقيّم المادة المصورة بناءً على مقاييسه الخاصة، ليصل إلى أفضل نسبة ممكنة. وبينما نرى كمشاهدين أن ما يُقدمه هؤلاء الممثلين في الفيلم الداخلي هو أداء سطحي وحوار ساذج، فإن الذكاء الاصطناعي يشيد بما صوره بالفعل، وكأن المخرج يطمئن نفسه وزملائه في المهنة، أن لا بديل للبشر في هذا المجال الإبداعي. يأتي هذا بالطبع بعد فترة صعبة شهدتها صناعة السينما في أمريكا نتيجة إضراب المؤلفين للمطالبة بحقوقهم، ومنها عدم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريوهات!

رغم قصر مدة الفيلم نسبيًا (ساعة وعشرون دقيقة) فإنه لا يخلو من بعض الملل خاصة في الفصل الثاني، والذي يتكرر فيه أحد المشاهد للكومبارس سابق الذكر وهو يفشل في أداء مشهد بسيط وهو يصب الخمر، لكن الوقوف عند هذا المشهد مدة طويلة، يفقده بريقه الكوميدي تدريجيًا، ولكن هذا في النهاية أحد الأساليب المعتادة لدى ديبيو، تطوير الكثير من الحوارات التي تنطلق من موقف واحد.

فيلم "الفصل الثاني" هو فيلم افتتاح جيد، لديه الكثير من اللحظات الكوميدية، لكنه بالتأكيد ليس أفضل أفلام ديبيو، وربما لن يكون من أفضل هذه الدورة أيضًأ.

 

الصور من الحساب الرسمي لموقع مهرجان كان السينمائي