جريتا جرويج

"جريتا جرويج" نجمة عام 2023.. المُخرجة التي صبغت شاشات العرض باللون الوردي!

إيهاب التركي
19 ديسمبر 2023

في 4 أغسطس الماضي احتفلت "جريتا جرويج" بعيد ميلادها رَقْم 40، وهو رَقْم حساس في حياة أي امرأة؛ فقد انتصف العُمر، وجاء وقت مراجعة مسيرة العقل والقلب، وإنجازات المهنة والحياة. غالبًا لم تجد الوقت الكافي للتأمل في مسيرتها الفنية والشخصية؛ فهي تعيش مُحاطة بضجيج التصفيق، وصخب الاحتفالات، وفرقعات الألعاب النارية المُلونة، وأُختيرت رئيسة الدورة القادمة من مهرجان كان، وتنهال عليها أمطار دولارات الإيرادات حتى الآن.

حققت الكثير قبل أن تبلغ الأربعين؛ رصيدها كمُخرجة أربعة أفلام طويلة فقط، رُشحت أفلامها لعشرة أوسكارات، ثلاثة منها ترشيحات باسمها عن الكتابة والإخراج، ودخلت بفيلمها "باربي" Barbie النادي الملكي للأفلام التي تجاوزت إيراداتها مليار دولار، وفنيًا أصبحت أيقونة سينما المرأة في زمن تُسيطر على ثقافته أجندة نسوية عالية الصوت، وهي واحدة من القلائل اللائي كتبن وأخرجن أفلام تعبر عن شخصيتها وأفكارها، ورؤيتها الخاصة للحياة والأنوثة.

تر

سينما التلقائية والإرتجال!

لم تدرس "جريتا جرويج" السينما بشكل احترافي؛ إذ تخرجت من الجامعة بشهادة في اللغة الإنجليزية والفلسفة، وحاولت دراسة الكتابة المسرحية، ولم تنجح في اجتياز اختبارات الالتحاق بأكاديمية الفنون الابداعية، قسم المسرح، ونصحها البعض بالتمثيل، وحصلت على بعض الأدوار الثانوية في السينما، وأثناء عملها في الاستوديوهات بدأت في متابعة تفاصيل عملية صناعة الفيلم باهتمام شديد، وشاركت في كتابة وإخراج بعض الأفلام المُستقلة، المُنخفضة التكلفة، وأصبحت من أبرز عضوات سينما الـ "Mumblecore"، وهو مذهب فني أمريكي مُشتق من السينما المُستقلة؛ من أبرز ملامحه العفوية وتلقائية الأداء والارتجال، ويُمكن أن نصف الفيلم من هذه النوعية مثل اسكتش الرسام، أو الرسم الأولي للوحة الفنية.

ع

ترفض "جرويج" تصنيفها تحت مظلة هذا الاتجاه الفني؛ فهي تري أفلامها أعمال مُكتملة، على الرغْم من ذلك تؤكد مُشاهدة كواليس تصوير أفلامها أنها أقرب إلى مواصفات سينما الـ "Mumblecore"، وهي تضع أبطال أفلامها أمام الكاميرا وتترك لهم حرية التعبير بتلقائية، فقط عليهم الالتزام بالحوار المكتوب، وتقوم أحيانًا بتوجيه الممثلين بملاحظات لحظية تساير أدائهم، وتتسع ابتسامتها وبهجتها وهي تُراقب على المونيتور ما يصنعه الممثلون، كأنها تُشاهد مشهد تستمتع به وليست مُخرجته.

كثير من ملامح هذا الأسلوب نجدها بوضوح في فيلمها الطويل الأول "ليالي ونهايات الأسبوع" "Nights and Weekends"، وهو قصة حب بين رجل وامرأة، يعيش كل منهما في مدينة بعيدة عن الأخر، ونصف الفيلم تناول طبيعة العَلاقة وسعي الثنائي للحفاظ على دفئها على الرغْم من البعد، والنصف الثاني تدور أحداثه بعد عام، والعلاقة العاطفية تخبو وقرار الانفصال محور الأحداث، وجسدت "جريتا" دور البطلة، وقام "جو سوانبرج" بدور الحبيب، وتشارك البطلان في كتابة السيناريو وإخراج الفيلم، ولإضفاء لمسة واقعية على القصة والشخصيات توقف تصوير الفيلم عام كامل كما في أحداث السيناريو.

تر

النسوية والفوز بالأوسكار!

تدور أفكار أفلام "جريتا جرويج" حول المرأة بصورة عامة؛ حقيقتها ومشاعرها واكتشافها للعالم من حولها؛ وقد استلهمت شخصيتها الحقيقية في زمن المُراهقة وهي تكتب فيلمها "ليدي بيرد" "Lady Bird"، أعادت في فيلمها صياغة مشاعرها وأفكارها وهي تعبر المرحلة الحساسة بين عالم الطفولة وعالم المراهقة، ونفس الخط الدرامي صاحبها وهي تُعيد صياغة رواية الكاتبة "لويزا ماي ألكوت" في فيلم "نساء صغيرات" "Little Women"، ولكنها في هذا الفيلم توسعت في تصوير عالم المرأة الصغيرة، ورسمت صورة البطلات الصغيرة في إطار عائلة تواجه الحياة في ظل غياب الأبُ، وهذا الفيلم هو عملها السينمائي الأكثر نُضجًا من وجهة نظري.

ع

في زمن صخب النسوية الحديثة جاء فيلم "باربي" وأطاح فكرة الأميرة الجميلة الرومانسية، أو الدمية الفاشونيستا السطحية؛ فالزمن تغير ولم يعد مقبولًا أن يتم حشو خيال الصغيرات بعالم تبدو فيه الأميرة جميلة ورقيقة، ولكنها تحت قيادة ذكورية، وهكذا حرضت "جرويج" دُمى عالم "باربي" على الثورة، وعلى السيطرة على عالمهن شديد الخصوصية، وحولت قصة وردية بسيطة إلى أزمة وجودية رمادية ومُقبضة؛ لم يكن الفيلم ميلودراميًا تمامًا، ولكنه لم يكن مُبهرجًا وورديًا بكل تأكيد.

نجاح فيلم "باربي" له أسباب مُتشعبة وكثيرة، ولكن السبب الأبرز في رأيي هو أنه تماهي مع حالة نسوية تفور داخل هوليوود منذ سنوات؛ وجزء أصيل من هذه الحالة يسعى لتعويض المخرجات عن سنوات التجاهل، ولن تكون مفاجئة لو حصلت "جرويج" على أوسكار الإخراج القادم؛ فقد قدمت الكثير للقضية النسوية، وربحت الكثير من الأموال في شباك التذاكر. هوليوود ممتنة بالتأكيد لجرويج، وجائزتها الذهبية مُرجحة جدًا.

تر

ملكة شباك التذاكر!

هي اليوم واحدة من أهم مخرجات هوليوود، ورغم ميل أعمالها للسينما المُستقلة، وبُعدها عن أنماط السينما التجارية، نجح فيلمها الأخير "باربي" في تحقيق إيرادات بلغت 1,442 مليار دولار عالميًا؛ ووضعها هذا في المركز الأول كأكثر فيلم حقق إيرادات خلال عام 2023، مُتفوقًا على أفلام هوليوودية تُجارية هامة.

الأرقام والإحصاءات تؤكد أن تأثير دمية "جريتا جرويج" الوردية أقوى من قنبلة "أوبنهايمر" "Oppenheimer"، وانطلاقها أسرع من "Fast X". تفوقت دُمية "جريتا جرويج" في شباك التذاكر على أكشن "جون ويك"، وقفزات "سبايدر مان" الخارقة، وأنجزت المهمة المُستحيلة أفضل من "توم كروز"، حتى سردها الخيالي جذب جَمهورًا أكثر عددًا من جَمهور "عروس البحر الصغيرة" The Little Mermaid، و"عُنصري" Elemental، و"الأخوان سوبر ماريو" "The Super Mario Bros.". يُمكنك أن تكره "باربي" كيفما تشاء، ولكنها نجمة عام 2023 سينمائيًا. 

ع

لم تدخل مخرجة امرأة نادي أفلام المليارات من قبل، ربما باستثناء "جينيفر لي"، التي شاركت في إخراج الجزأين الأول والثاني من سلسلة أفلام "Frozen"، ولكن "جرويج" صنعت قفزتها بفيلم كتبته وصاغته وأخرجته بنفسها.

فيلم "باربي" واحد من الأفلام التي ساهمت في إنقاذ هوليوود من الإفلاس، بعد أعوام من غلق دور العرض ووقف الإنتاج؛ بسبب جائحة كورونا التي اجتاحت العالم في عام 2020 وامتدت أثارها الاقتصادية على صناعة السينما، وبدأت الصناعة تتعافى تدريجيًا، وعام 2023 هو العودة الحقيقية لدوران ماكينات العرض، والحضور الجماهيري دون قيود، وساهم "باربي" من بين عدد من الأفلام الأخرى في تحفيز الجُمهور على العود بكثافة إلى دور العرض السينمائي، وبدأت عجلة الإنتاج في الدوران، وضُخت ملايين الدولارات من أجل إنتاج المزيد من الأفلام.

ترالصور من صفحتها على ويكيبيديا وحساب فيلم "باربي" على انستجرام