موسم جديد من "Only Murders In The Building".. كوميديا جذابة عن جرائم القتل العبثية!

موسم جديد من "Only Murders In The Building".. كوميديا جذابة عن جرائم القتل العبثية!

إيهاب التركي
28 أكتوبر 2023

في خلفية أحداث الموسم الثالث من مسلسل الجريمة والكوميديا "جرائم قتل في البناية" "Only Murders In The Building" جريمة قتل على هيئة مسرحية غنائية يُقدمها الأبطال على مسرح برودواي، والجريمة تحدث في بيت داخل فنار على جزيرة مُنعزلة، وشهود القتل ثلاثة أطفال رُضع، والأبطال هم المربية، والمُحقق الذي يُحاول اكتشاف الفاعل، وبعض الحيوانات البحرية التي تظهر في الخلفية كأنهم شهود صامتة على مهزلة بشرية تدور على جزيرة يلفها الضباب والغموض.

على الرغْم من سخافة الفكرة وهزلها والخيال المجنون نُشاهد حالة ابداعية مرحة بالأغاني والاستعراضات المُصاحبة. المسرحية في الخلفية دليل على أن لمسات الإبداع يُمكن أن تصنع من الحكايات البسيطة أشياء جذابة وعميقة ومُضحكة؛ هذه المسرحية إشارة إلى المسلسل نفسه؛ حيث جريمة القتل مُجرد وسيلة للتعبير الساخر عن سخافات البشر وطيشهم وتعقيداتهم النفسية.

من قتل بن؟

انتهى الموسم الثاني من مسلسل الجريمة الكوميدي "جرائم قتل في البناية" بجريمة قتل أخرى، وكانت خارج بناية "أركونيا"، وبدا أن المسلسل لا يستطيع إضافة المزيد من حبكات القتل الغامضة داخل البناية النيويوركية الكلاسيكية؛ فتكرار الجرائم في نفس المكان أمر نمطي وسخيف للغاية، وفي الموسم الثالث الذي عرضته منصتا "ديزني" و"هولو" مؤخرًا تعود جريمة القتل إلى البناية، وهذا إصرار على السخف، أو شيء أخر سنكتشفه مع الثُلاثي: أوليفر بوتنام "مارتن شورت"، وتشارلز هايدن سافج "ستيف مارتن"، ومايبل مورا "سيلينا جوميز"، وهم يمارسون هوايتهم في حل لغز الجريمة، وبث تحليلاتهم للأدلة والوقائع في مدونتهم الصوتية.

ل

لا تقل حبكة الموسم الثالث في غموضها وصعوبة تحديد القاتل عن المواسم السابقة، والقتيل هو الممثل البغيض بن جلينروي "بول رود"، وهو ساكن بالبناية، وبطل المسرحية التي يعود بها أوليفر إلى الإخراج بعد سنوات طويلة أدارت فيها برودواي ظهرها له؛ بعد كارثة وقعت في العرض الأول لأخر مسرحياته، ويُشارك بالتمثيل في مسرحيته الجديدة عدد من الشخصيات المُختلفة الطِباع؛ بينهم جاره المُمثل المعتزل - تقريبًا - تشارلز.

ع

الحبكة من نوعية "من فعلها؟"، وكما في حبكات روايات "أجاثا كريستي" البوليسية تتكشف علاقات الشخصيات المُعقدة بالقتيل؛ مما يجعل لكل شخص بالفريق دوافع قوية لقتل بطل العرض؛ فشخصية بن بغيضة للغاية؛ وهذا يزيد من حالة الكراهيَة التي تُحيطه، كما في الروايات البوليسية الجيدة لا يُمكن تخمين القاتل الحقيقي إلا في الصفحات الأخيرة، وهو غالبًا أكثر شخص بعيد من الشبهات.

حُضور ميريل ستريب!

سيناريو الحَلْقات يضع الحبكة البوليسية داخل تفاصيل ابداعية خاصة، ويتفوق الإخراج وأسلوب السرد في صناعة رواية جذابة للأحداث؛ فمن زاوية، حالة الكوميديا والسخرية حاضرة بشكل كبير، وهى تتميز بالذكاء والتلقائية، وتنمو وتتطور من المشاهد والأحداث، ولا تبدو مُلصقة لمجرد الإضحاك؛ فمخاوف تشارلز على المسرح تتحول إلى فانتازيا كوميديا حين تتحول إلى أحلام يقظة تجعله يتصرف بجنون مؤقت، وينسى كل شيء فعله حين يفيق من أحلامه، ونرى شخصيات الأبطال حاضرة جسديًا داخل مشاهد تخيلهم للجريمة؛ كأنهم يشاهدون فيلمًا وفي الوقت ذاته يقفون وَسْط الممثلين.

ع

تُساهم الإحالات الكوميدية إلى أعمال سابقة للممثلين في صُنع نوع من الألفة والمرح، خاصة مع توقيتاتها المثالية، ولغة حوار تتراوح بين البساطة الجادة والهزل.
المسرحية الاستعراضية التي يُخرجها أوليفر في خلفية الأحداث تتقدم إلى الأمام، وتُصور جزء من تطور القصة، وفي لحظات خاصة تتحول بروفات المسرحية إلى جزء من أدوات الإضحاك في المسلسل، خاصة مع ظهور مُتميز للممثل "ماثيو برودريك"، والظهور الشرفي الخاطف للمخرج "ميل بروكس".

ع

تستطيع "ميريل ستريب" خطف الأنظار بهدوء ولطافة ودون صخب وهيستيريا، وهي ضيف شرف المسلسل وتضيف الكثير إلى الخيوط الدرامية المتنوعة؛ فمن ناحية هي إضافة للخط الدرامي الذي يُصور شخصية الممثلة لوريتا وقد وصلت مرحلة الكهولة دون تحقيق حلم النجومية والشهرة، وهناك تاريخ خفي لعلاقتها ببعض شخصيات المسرحية، ويضيف الخط الدرامي العاطفي بينها وبين أوليفر حالة من الرومانسية الساحرة الممزوجة بالهزل، وهذا وجه من أوجه براعة "ميريل ستريب" في تقمص شخصيات متناقضة وترك بصمة في كل أداء.

هناك شخصيات مُساعدة قدمت أداء مرح وجذاب للغاية؛ منهم الجار غريب الأطوار ومُساعد الإخراج هوارد موريس "مايكل كريتون"، والمُحققة المُحبة للغناء الاستعراضي دونا ويليامز "دافين راندولف"، وصديقة تشارلز الماكييرة جوي "آندريا مارتن".

ع

حوارات الغُرف والكواليس!

دور المكان أساسي في تكوين أجواء المشهد؛ فالأحداث مثل المواسم السابقة تدور داخل غرف الشقق، أو في الممرات ومدخل البناية، وبشكل استثنائي في الشوارع والمحال القريبة من البناية، حتى الأحداث حينما تنتقل إلى المسرح تتركز على خشبة المسرح، والكواليس، وغرف الممثلين، وهذا جزء من حالة القصة؛ إذ تظل البناية مركز الحدث، والغرف المحدودة هي مسرح الأحداث، ولا شيء يلفت النظر عن الحِوار وأداء الشخصيات؛ انهم عجوزين وفتاة شابة يحققون في الجرائم دون جلبة ومطاردات ومغامرات خارجية، وهذه الحالة المحدودة لا تقف أمام حيوية المشاهد المُختلفة؛ فيكفي أن يجتمع المخرج النرجسي أوليفر والمُمثل السابق غريب الأطوار حتى تنفجر الشاشة بحوارهما السخيف المُثير للضحك، وتضيف مايبل "سيلينا جوميز" روح الشباب إلى العجوزين.

 

التزم المسلسل بتقديم عمل درامي لا يخلو من المتعة واللحظات الدرامية الخاصة، وهو يسير في خطين دراميين؛ الأول يغوص في تفاصيل إنسانية للشخصيات؛ والثاني عن دوافع وأسباب الجريمة؛ فشخصية أوليفر حائرة بين البقاء بقوة على المسرح، وتقديم عمل مسرحي يُعيد له مجده، وبين السعي وراء هوس حل لغز جريمة القتل، وصحبة تشارلز ومايبل، وبين مشاعره نحو لوريتا وشكه فيها، وهذا النوع من الصراعات الدرامية خلق أجمل لحظات المسلسل، ورغم براعة "ستيف مارتن" في دور الممثل الذي يُعاني نوبات نفسية تعوق قدرته على الأداء بعفوية، لكن كتابة الخيوط الدرامية الخاصة بشخصية أوليفر ولوريتا أكثر دفئًا وجاذبية.

تر

المسلسل مهد للموسم الرابع بجريمة قتل أخرى، في نفس المبنى المنكوب. نعم، انه نفس الأمر السخيف يتكرر مرة أخرى، وكمُشاهد أنتظر المزيد من ثلاثي التحقيقات الأكثر مرحًا وجاذبية.

الصور من حساب المسلسل على تويتر