فرانك كابرا

مهرجان فينيسيا عرض وثائقيًا عن مسيرته..من هو فرانك كابرا صانع كلاسيكيات هوليوود؟

إيهاب التركي
5 سبتمبر 2023

عرض مهرجان فينيسيا قبل أيام الفيلم الوثائقي "Frank Capra: Mr. America" "فرانك كابرا: السيد أمريكا"، وهو عمل يتناول مسيرة واحد من أهم صُناع السينما في التاريخ. وُلد "فرانك كابرا" (18 مايو 1897- 3 سبتمبر 1991) في إيطاليا، بالقرب من باليرمو صقلية، وهاجر بصحبة والديه وعمره 6 سنوات إلى الولايات المُتحدة، تعلم ووصل إلى المرحلة الجامعية، وأصبح واحد من ملايين يعيشون حلم العالم الجديد، وعاصر إحباطات حقبة الكساد الكبير، وشهد بدايات صناعة السينما، ولم يكن يفقه شىء في هذا الصناعة، ولكنه شغف بتفاصيلها، وبدأ تعلمها أثناء قيامه بمهن ثانوية داخل الإستديوهات، وأصبح بعد سنوات التجريب والمعاناة واحد من القلائل الذين يجيدون سرد الحكايات السينمائية، وصاحب رصيد كبير من الأعمال الكلاسيكية المؤثرة في وجدان الأمريكيين ومحبي السينما.

كذبة البداية! 

تخرج من الجامعة، وكان تخصصه الهندسة الكيميائية، وإلتحق بالجيش كمُعلم رياضيات على رتبة ملازم أول، وأصيب بالأنفلونزا الإسبانية، وتم تسريحه من الخدمة، وعاد إلى سان فرانسيسكو حيث تقطن عائلته، وظل عاطلًا عن العمل سنوات طويلة، وكان ينتقل من عمل متواضع إلى أخر، وإنتهى به الأمر بائعًا للكتب في مكتبة، وكانت مهنة مؤقتة ليجد قوت يومه، وقرأ يومًا إعلانًا عن إفتتاح ستوديو سينمائي في سان فرانسيسكو، وإتصل بأصحابه، وأخبرهم أنه حضر مؤخرًا من هوليوود، ويمتلك خبرة جيدة في مجال صناعة الأفلام القصيرة، وكان يكذب؛ فلم يكن - وقتها- يعرف الكثير عن السينما، وتمكن بمُساعدة مصور سينمائي من إنجاز فيلم صامت قصير في خلال يومين.

بدأ "فرانك كابرا" حياته المهنية بكذبة، لكنه كان شغوفًا بالسينما على المستوى الشخصي، وحتى يُثبت أقدامه في المجال الذي دخله بالصدفة أخذ يتنقل بين قطاعات صناعة الإنتاج السينمائي؛ فكان يعمل في تخزين الإكسسورات، وكتابة التيترات، والمونتاج، ومساعد للمخرج، ولاحقًا كان يؤلف النكات لصالح ستديو "هال روش"، وأخرج فيلمه الأول عام 1927 تحت عنوان "For the Love of Mike" ولم يُحقق نجاحًا يُذكر، والفيلم مفقود ولا يوجد له أى أثر.

حدث ذات ليلة! 

كان ستديو هاري كوهن (باراماونت حاليًا) يبحث عن وسيلة إنتاج أفلام تنافس أعمال الإستديوهات الكبيرة في حقبة العشرينيات، وبدأ "كابرا" الشاب الدؤوب في إخراج العديد من الأفلام لصالح كوهن؛ وبسبب خلفيته الهندسية تفهم تقنية الصوت الجديدة وقتها، والتقنيات الحديثة التي كانت الإستديوهات تتردد في إستخدامها، وذلك في مرحلة إنتقال السينما الصامتة إلى الناطقة، ونجحت أفلامه الأولى؛ فقد كانت يمتلك الطموح والجرأة والذكاء والرؤية.

 

عام 1934 صنع واحد من أهم أعماله وهو ""It Happened One Night "حدث ذات ليلة"، بطولة "كلارك جيبل" و"كلوديت كولبير"، وهو عن فتاة ثرية مُدللة تهرب من عائلتها، ويُساعدها شاب جذاب تميل إليه، ولا تعرف أنه مجرد صحفي يبحث عن قصة مثيرة لصالح صحيفته، وفاز الفيلم بخمس جوائز أوسكار؛ منها جائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج وجائزتي أفضل ممثل (جيبل)، وأفضل ممثلة (كولبير).

الفيلم كان مُلهما وتم إعادة إنتاجه أكثر من مرة، في السينما والمسرح والراديو في أمريكا، وقد إقتبسته السينما الهندية أكثر من مرة، وأيضًا السينما المصرية قدمت نسخة من نفس الفيلم بعنوان "يوم من عمري" 1961 بطولة "عبد الحليم حافظ" و"زبيدة ثروت" وإخراج "عاطف سالم".

 

الحياة الرائعة! 

في حقبة الثلاثينيات والأربعينيات قدم "كابرا" أهم أعماله، ومنها فيلمه "Mr. Smith Goes to Washington." "السيد سميث يذهب إلى واشنطن" 1939، وهو الفيلم الذي صنع نجومية الممثل "جيمس ستيوارات"، وجسد فيه دور السيناتور الحالم الذي يواجه الفساد السياسي في الكونجرس، وبعد سبع سنوات شارك "جيمس ستيوارت" في بطولة فيلم "فرانك كابرا" الأشهر، وهو فيلم "It's a Wonderful Life" "إنها حياة رائعة"، ويحكي عن جيمس بيلي "ستيوارت"، وهو رجل ضحى بكل شىء من أجل خدمة أهل بلدته، حتى أنه وقف في مواجهة الرأسمالي الجشع هنري بوتر "ليونيل باريمور"، ويتعرض بيلي لعدد من الإخفاقات والإحباطات ويفكر في الإنتحار، لكنه يقابل ملاك يضعه في حياة موازية ليرى بنفسه ماذا سيحدث لو لم يقم بأفعال الخير التي قام بها.

الفيلم يعد من الأعمال التي ترتبط بأعياد الميلاد حتى الآن، ويدعو من خلال سرد سينمائي جذاب إلى الترابط والتعاون وعدم اليأس، وهو من الأعمال التي بلورت أسلوب "كابرا" في السرد السينمائي الساحر، وتطويع تفاصيل الأماكن والأجواء لرواية مواقف عادية كأنها حدوتة خيالية، ويعبر الفيلم عن مقولة "كابرا" الشهيرة: "كنت أظن أن الدراما هى أن يبكي الممثل، لكن وجدت أن الدراما هى أن يبكي المتفرج"؛ وأفلام "كابرا" تحمل لمسات مشاعر دافئة سواء المواقف الحزينة كما قدمها في "إنها حياة رائعة"، أو رومانسية ومرحة كما قدمها في "حدث ذات ليلة"، وكان يمنح الممثلين الفرصة للإرتجال والإبداع، ويعتمد على المونتاح لمنح مشاهد الفيلم إيقاعًا شديد الحيوية.

الكوميديا والبروباجاندا العسكرية! 

من أعماله الهامة دراما الرعب الكوميدي "Arsenic and Old Lace." "الزرنيخ والدانتيلا القديمة"، بطولة "كاري جرانت" و"بريسيلا لين"، وهو كوميديا صاخبة عن كاتب شاب تزوج حديثًا يذهب لزيارة عمتيه قبل رحلة شهر العسل، لكنه يكتشف أنهما تقومان بقتل العزاب رأفة بهم، وهما يقومان بذلك من باب الطيبة ولإنهاء معاناتهم مع الوحدة، ويجد البطل نفسه أمام العديد من المواقف المجنونة، والجرائم التي يحاول التستر عليها، وجنون عائلته الذي يظن أنه سيصيبه يومًا ما.

 

كابرا" قدم أيضًا العديد من أفلام البروباجاندا العسكرية في زمن الحرب العالمية الثانية، وإلتحق بالجيش بعد القصف الياباني للميناء الأمريكي بيرل هاربور، ووصل إلى رتبة كولونيل، وحصل على ميدالية الخدمة المتميزة لقاء مساهماته في وقت الحرب.

 

بالإضافة للإخراج "كابرا" كاتب سيناريو ومنتج، وتقلد العديد من المناصب السينمائية؛ من أبرزها رئيس أكاديمية الأوسكار (1935-1939)، ورئيسًا لنقابة المخرجين ثلاث مرات، وربما كان من أكبر إنجازاته أنه كان من أوائل المخرجين الذي يُكتب إسمه فوق عنوان الفيلم؛ فقد كان سببًا في منح المخرج صاحب الرؤية موقعًا بارزًا في تيتر بداية الفيلم.