فيلم وش في وش

فيلم "وش في وش".. مُحاكمة منظومة الزواج في كوميديا صاخبة عن سوء التفاهم!

إيهاب التركي
28 أغسطس 2023

"الجحيم هم الأخرون" مقولة لإحدى شخصيات مسرحية "لا مخرج" للكاتب "جان بول سارتر"، وكانت تلك الشخصية محكوم عليها بالعيش القسري مع رجل وإمرأة في غرفة مُغلقة بلا مرايا أو نوافذ، وكان الثلاثة في إنتظار محاكمتهم وتعذيبهم، ولكن لا أحد يأتي لمحاكمتهم، ويكتشفون أن عقابهم هو العيش معًا للأبد، حيث يُحقق كل منهم في تفاصيل حياة الأخر ويحكم على سلوكياته وتصرفاته، وهذا هو الجحيم الذي يعيشونه. شخصيات فيلم "وش في وش" بطولة "محمد ممدوح" و"أمينة خليل" وإخراج "وليد الحلفاوي" تعيش حالة مُشابهة؛ فهم يُحاكمون بعضهم البعض، بعد أن إضطرتهم ظروف قهرية للبقاء ليلة كاملة معًا في منزل واحد، أو في الجحيم!

علاقة زوجية على المحك! 

الفيلم يرصد من خلال قصة زواج على المحك أمراض صعوبة التفاهم بين شخصيات تجمعهم علاقة نسب، وداخل منزل زوجين شابين ينصب الأقارب والأصدقاء مُحاكمة ومراجعة صاخبة وعبثية، وهذا النوع من المُحاكمات العائلية لا يصل إلى حلول غالبًا، وينتهي الأمر في المحاكم من أجل حسم الخلافات. أشهر مُحاكمة زوجية شهدها العالم خلال العام الماضي على أرض الواقع كانت قضية "جوني دب" ضد "آمبر هيرد"، وهى قضية تشهير على خلفية علاقة زوجية سامة بين نجم هوليوود الأشهر وزوجته الممثلة الحسناء الصاعدة، وشهدت وقائع المُحاكمة العديد من الجدل وتبادل الإتهامات، وتفاصيل شجارات يومية سجلتها الزوجة عامدة، وإستغلتها لتشويه صورة زوجها أمام الرأي العام والقضاء.

وش في وش

مشهد المشاجرة بين الزوجين هو المشهد الرئيسي الذي يحرك الأحداث، وعلى طريقة المخرج الياباني "أكيرا كيروساوا" في فيلم "راشومون" يصور "الحلفاوي" المشهد مرتين، وفي كل مرة نستمع إلى رواية مختلفة، من وجهة نظر طرف من الطرفين، وهذا التناقض في الروايات يؤكد أن الحقيقة مُعقدة أكثر مما نتصور، ويجعل الحكم صعبًا على تلك العلاقة، كما يُصعب على المتفرج التحيز لطرف محدد.

قول المثل: "مُعظم النار من مستصغر الشرر"، والشرارة الصغيرة التي تُفجر الأحداث في فيلم "وش في وش" هي حوار حاد بين الزوجين شريف "محمد ممدوح" وداليا "أمينة خليل" حول النفقات اليومية وإيجار الشقة المرتفع، ويتصاعد الشد والجذب في الحوار، وتبدأ التهم المتبادلة تُلقى جزافًا، ويشعر كل منهما أن الطرف الأخر يتعمد إهانته وتلفيق الإتهامات، وينفعل الزوج على طريقة جوني ديب؛ فيحطم بعض الأشياء من حوله، ولم تقم الزوجة بتسجيل هذه التصرفات بالموبايل مثل "آمبر هيرد"، ولكنها تركت – بالصدفة – هاتفها مفتوحًا ووالدتها على الطرف الأخر، وأكملت مُشاجرتها مع الزوج.

وش في وش

 

طبقية وعنصرية وأشياء أخرى! 

تدخل الأهل والأصدقاء في العلاقات الزوجية تيمة قدمتها السينما المصرية كثيرًا، ونجحت أعمال كوميدية كلاسيكية مبنية دراميًا على تدخل الأهل والحموات تحديدًا في خلافات زوجية صغيرة؛ مما يزيدها إشتعالًا، ويختلف سيناريو "وليد الحلفاوي" عن التناول الكلاسيكي لهذه الأفلام، ولكن هناك ملامح مشتركة بين أفلام الماضي وفيلم "وش في وش"؛ مثلًا ثنائية شخصية الحماة الحادة الطبع التي تقدمها "أنوشكا"، والزوج السلبي الجعجاع ضعيف الشخصية التي يُقدمها "سامي مغاوري"، وتأتي هذه الثنائية من تراث طويل قدمته "ماري منيب" و"ميمي شكيب" و"عبد الفتاح القصري" و"حسن فايق" وغيرهم.

يُحاصر الفيلم الشخصيات داخل شقة الزوجين، وهما من الطبقة الوسطى الثرية، والتي بدأت تُعاني الأثار الإقتصادية، ولم يعد الزوج قادرًا على ملاحقة أثار التضخم وزيادة الأسعار، ومن خلال هذه الشرارة تبدأ مواجهة الزوجين، ولكن السيناريو يتخذ من هذا الموقف دافعًا لتسليط الضوء على الشخصيات المُتفاعلة معه.

وش في وش

الفيلم ينتمي لسيناريو المكان الواحد، وهذا القالب تحدي صعب للممثلين والمخرج والمونتاج؛ ورغم الصخب والإيقاع اللاهث للأحداث فالفيلم يرسم الشخصيات بشكل مُكثف وبسيط، ويمنح لكل شخصية خصوصيتها؛ مثل الأخ "أحمد خالد صالح" الذي يميل لتقمص شخصية الشاب العنيف ليخيف من حوله، والصديق البصباص الذي يميل للعبث رغم شهامته "محمد شاهين"، وثنائية السائق "محمود الليثي" والخادمة "دنيا سامي" وهما تمثيل للطبقة الشعبية البسيطة بكل ما تمثله من ثقافة تدين ظاهري ونفاق من أجل لقمة العيش، لكنها تحتقر ثقافة الطبقة الأعلى منها.

وش في وش

دراما المكان الواحد! 

تصوير حدث واحد يستغرق عدة ساعات داخل مكان محدود تحدي كبير، وقد نجح "وليد الحلفاوي" كاتبًا للسيناريو ومُخرجًا في الحفاظ على إيقاع جذاب وحيوي، وركز من خلال الكادرات المتوسطة والقريبة على أن تكون الشخصيات وإنفعالاتها هي أساس الدراما، وساهمت نقلات المونتاج السريعة في تحقيق حالة الصراع والخلاف بين الشخصيات؛ فنحن أمام مُباراة يُشارك فيها فريقين، وكل فرد يُساهم في تطوير الصراع الدرامي، وتدخل أدوات مُعاصرة مثل السوشيال ميديا والفيديو كول في خلاف بسيط؛ مما يحوله إلى فضيحة.

يحرص الجميع على عدم الوصول إلى العنف الصريح؛ فحقيقة أنهم مُحاصرين ولا يستطيعون الخروج من الشقة تجعل كل منهم خائف من إنفلات الخلاف إلى ما لا يحمد عُقباه.

وش في وش

الشخصيات مرسومة بملامح واقعية ولكنها قادرة دراميًا على خلق مواقف ساخرة وكوميدية؛ ثنائية "بيومي فؤاد" و"سلوى محمد علي" ضد ثنائية "سامي مغاوري" و"أنوشكا"، الثنائي الأول يحاول نُصرة الإبنة والوصول إلى صيغة طلاق مُجحفة، والثنائي الثاني يُعارض الأمر ويُحاول فرض شروطه، وتتدخل شخصيات هامشية مثل "محمد شاهين" و"أحمد خالد صالح" و"أسماء جلال" و"خالد كمال"، وهم الأقارب والأصدقاء يزيد إشتعال الأمور، ولكنه يرسم في نفس الوقت المزيد من ملامح شخصيات مُجتمع يعاني من فوضى المنطق، وضعف القدرة على التفاهم وإمتصاص الأزمات.

وش في وش

 

الفيلم كوميديا لطيفة تعرض قصة تقليدية بأدوات سينمائية مُختلفة، ومن عناصر نجاح الفيلم قدرة الممثلين على تجسيد شخصياتهم بلمسات خاصة؛ وربما يكون من الأعمال القليلة التي نستمتع بأداء "بيومي فؤاد"، وهو يؤدي دور الأب بتفاصيل بعيدة عن الإستسهال المعهود، ويمنح ""محمد ممدوح" شخصية الزوج الغاضب لمسة سخرية، وتدور "أمينة خليل" في فلك شخصية الزوجة التي تعيش وقائع طلاق، ولا تُقدم جديد في دورها، ولكنها تنسجم مع باقي شخصيات العمل، وكلهم ملائم للشخصية التي يؤديها.

الصور من حساب الممثل محمد ممدوح علي انستجرام