كريم محمود عبد العزيز

فيلم "شلبي".. رسب السيناريو ونجح شلبي.. رحلة كوميدية للبحث عن سينما الأطفال المفقودة!

إيهاب التركي
16 يناير 2023

لم يكن فيلم "عائلة زيزي" انتاج 1963 عن قصة "لوسيان لامبير" واخراج "فطين عبد الوهاب" فيلماً للأطفال، ولم يركز على أزمة خاصة بالطفلة زيزي، بل عن حكايات أشقائها الكوميدية عن الحب والزواج والإلتزام وتحمل المسؤولية، وفيلم "شلبي" لا يحكي عن شلبي الدمية بل عن الشاب الذي يحرك الدمية، وطموحه في الفن والحب والحياة، وهناك مُحاولات مضنية من كاتب الفيلم ومخرجه ليبدو الفيلم من عالم سينما الأطفال والعائلة. 

يسعى فيلم "شلبي" لتقديم دراما عائلية خفيفة تجمع بين الكوميديا والمُغامرة والاستعراض والغناء والرسوم المتحركة، ويلجأ الفيلم إلى التناول المرح والخفة لسرد حكاية ميلودرامية؛ فهو ينطلق من الواقع البائس للبطل الشاب، ويحكي الأحداث بروح الحواديت التي تُقدم النصائح واضحة ومباشرة، ويأتي التهريج والتهكم ليُخفف مرارة المواقف المأساوية المُتتالية.

حواديت الخير والشر!

لا يُحاول الفيلم تفسير الأحداث وتطورها من خلال المنطق الواقعي، بل يدفعها دفعاً من فوق أى أرضية مُستقرة نحو أمواج الصخب والمبالغات؛ فالشخصيات الشريرة في الفيلم نمطية لكنها خفيفة الظل وتتحول للخير فجأة، وكأنهم أطفال أشقياء يتراجعون عن سلوكياتهم تأثراً بخطاب عاطفي من شخص كبير، أو من دمية يتخفى خلفها شخص طيب؛ والشخصيات الطيبة قد تلجأ إلى الشر والسرقة ومبررها أنها تفعل ذلك من أجل تحقيق أحلام نبيلة، وقد تلجأ إلى العنف وتحطيم مُقتنيات ثمينة انتقاماً من صاحبها.

الفيلم قصة وسيناريو "مصطفى حمدي" عن فكرة واخراج "بيتر ميمي"، ويحكي قصة صابر، وهو شاب مُهمش ومسحوق يرغب في تقديم عمل استعراضي للأطفال، وترافقه دائماً دُمية يُطلق عليها اسم "شلبي"، ويُجسد "كريم محمود عبد العزيز" دور هذا الشاب المرح الذي يُكافح فقره وظروفه السيئة من أجل تحقيق أحلامه في عالم فن العرائس، ويستخدم دميته أحياناً للتواصل مع من حوله، وخاصه الأطفال.

ب
فيلم شلبي 

عالم صابر هو الفندق المتواضع الذي تُديره أم شابة هى سعدية "روبي"، وهى تقيم فيه بصحبة ابنتها كارما، التي فقدت النطق بعد اختفاء كلبها الصغير قرنفل، ويسعى البطل لاسعاد الطفلة الحزينة أحياناً، ولكن الفيلم في أغلب أحداثه يُركز على الكبار، وأبرزهم شخصيات صابر البطل الشاب الذي يُحاول نشر البهجة حوله رغم تعاسته، وشريف جزرة "حاتم صلاح"، رفيق غرفة صابر، الممثل سىء الحظ الذي يسعى لتحقيق النجومية ، وجارهم في الفندق فؤاد السويسي "بيومي فؤاد"، كاتب روايات الجريمة الفاشل.

لا نستطيع أن نقول أننا أمام فيلم للأطفال، ولكنه فيلم كوميدي تمت صياغته ليبدو كذلك؛ فالأطفال أدوارهما هامشية، والفيلم ليس حكاية اجتماعية أو انسانية ذات خصوصية تتناول عالم الأطفال، والجوائز التي منحها الفيلم للأطفال كانت ظهور الدمية من حين لأخر، واستعراض عرائس غنائي متواضع في أخر دقائق الفيلم.

ب
مشهد من فيلم شلبي 

من أجل شلبي!

الكتابة في الفيلم سطحية للغاية، ورغم جودة الفكرة لم يصنع السيناريو الكثير من أجل بلورتها، ونجح المخرج "بيتر ميمي" في التركيز على نقاط قوة الفيلم المتهافت درامياً، وهى خفة ظل أداء كلا من "كريم محمود عبد العزيز" و"حاتم صلاح"، وكان هناك فارق كبير بين حيوية أدائهما وخفوت أداء "روبي" و"بيومي فؤاد".

حاول الفيلم بقدر الإمكان استخلاص البهجة من خلال مواقف مُبعثرة تجمعها خيوط درامية واهية؛ وأكثر مشاهد الفيلم كوميدية وسينمائية كان مغامرة سرقة الكاميرا الأثرية من قصر المليونير الشرير، ومطاردة رجال المليونير التالية لسيارة الأبطال في المزارع، وأضعف مشاهد الفيلم تأثيراً زيارة صابر لعمه الشرير "محمد رضوان" في الصعيد في مُحاولة عبثية لاسترداد إرث والده المنهوب، وهذا المشهد لم يُضف شيئاً للفيلم، ولم يجتهد السيناريو في صناعة أى حبكة تصف خطة البطل للتحايل على عمه للحصول على الإرث.

ب
فيلم شلبي 

استخدام الرسوم المتحركة لسرد حكاية الطفلة كرمة وكلبها المفقود كان لمسة خيال لطيفة تلائم نوعية الفيلم، ولكن الأمر لم يتكرر، ولم يكن هذا التكنيك مضفوراً في سياق العمل، وهذا حال كثير مما يُقدمه "بيتر ميمي" في الفيلم، شىء مختلف ولطيف من هنا وشىء أخر أقل لُطفاً من هناك، دون أن يكون ذلك ضمن أسلوب فني خاص وواضح المعالم، ودون أن تكون هذه الأشياء اللطيفة مُتناغمة ومتناسقة تماماً.

لاشك أن هناك مُحاولة لاستثمار نجاح فيلم "من أجل زيكو" الذي قدمه "بيتر ميمي" العام الماضي، بمشاركة كاتب السيناريو "مصطفى حمدي" وبطولة "كريم محمود عبد العزيز"؛ فكلا الفيلمين يلعب على وتر البطل المُهمش الذي يسعى للنجاح والثروة، والخيط الدرامي الخاص بحكاية الطفلة "كارما" يوازي الخط الدرامي لشخصية "زيكو" في الفيلم السابق.

ب
مشهد من فيلم شلبي 

الساحر الصغير!

يجمع بين الفيلمين عدم القدرة على تجاوز الشكل في صناعة فيلم للأطفال؛ فلم يكن "من أجل زيكو" رحلة حلم طفل بالفوز بمسابقة غناء مثل فيلم Little Miss Sunshine الفيلم الأمريكي الذي أُقتبس عنه الفيلم المصري، ولكنه مغامرة كوميدية عبثية عن عائلة مهمشة، ورغم محاولة "شلبي" في بدايته مُساعدة طفلة على تجاوز أحزانها، لكنه في الحقيقة كان "شلبي" من أجل شلبي، أو من أجل صابر الشاب المهمش، وحاول الفيلم استنساخ تركيبة العائلة غريبة الأطوار من فيلم "من أجل زيكو" من أجل صناعة ضحكات من وحى تناقض وغرابة الشخصيات؛ ولهذا صنع كوكتيل غير متناسق من شخصيات صاحبة فندق متواضع يسكنه ممثل مغمور طيب وساذج، ومُحرك عرائس طموح وغاضب دائماً، وكاتب روايات عجوز مُريب، وكل شخصية لها ملامح يُمكن أن تكون فكرة لعمل درامي مستقل، ولكن السيناريو اكتفى من كل شخصية بإطارها العام فقط، وربماً كان ذلك خشية التطويل وتمسكاً بحالة خفة الفيلم شكلاً ومضموناً.

يقفز الفيلم من مشهد إلى أخر بخفة، ويعتمد على مونتاج سريع حافظ على إيقاع مرح وخفيف بعيد عن الترهل والبطىء، وساهم هذا في الحفاظ على حالة المرح والبهجة، وأخفى الكثير من عيوب الفيلم في القصة والسرد؛ فلا يوجد وقت كافٍ لتأمل منطق الأحداث الضعيف، أو حاجة القصة للتطوير، وحاجة الشخصيات لمزيد من الملامح التي تمنحهم ملامح أكثر وضوحاً؛ فكل شىء موجود في السيناريو ولكن خافت على الشاشة؛ ومثال ذلك قصة الحب بين سعدية وصابر، نراها ولا نشعر بها، وأيضاً قصة العداء بين فؤاد وولده نراها ولا نفهم أبعادها، وربما تكون حكاية الممثل المغمور شريف جزرة هى الأكثر تماسكاً؛ فرغم انها لم تكن مثيرة أو جذابة على مستوى الكتابة، لكن أداء حاتم صلاح منحها جاذبية وألق، ولم يبتذل لحظات حزن واحباط الشخصية رغم أنها مبنية للسخرية والإضحاك.

الصور من التريلر