اليوم العالمي للبقلاوة

طبقاتٌ من السعادة: تاريخ البقلاوة يُفتح من جديد بمناسبة يومها العالمي

جمانة الصباغ
17 نوفمبر 2025

تاريخٌ غني، شكلٌ رائع ومذاقٌ لا يختلف إثنان عليه: إنها البقلاوة يا عزيزتي؛ سفيرة الدول، تتربع على الطاولات والموائد في مختلف المناسبات، السعيدة والحزينة في ذات الوقت، ولا يمكن مقاومة أحجامها الصغيرة التي تُدخل السعادة إلى القلوب.

تُعدّ حلوى البقلاوة جزءًا أساسيًا من هوية المطبخ في العديد من الأماكن، لدرجة أن الناس يشككون أحيانًا في أصلها. فبينما يُفاخر اللبنانيون بانتماء البقلاوة إلى بلدهم الصغير، يُقدم الأتراك أدلةً تاريخية تؤكد أن البقلاوة تركية؛ ولطالما امتهنت عائلة إفكان غولو صناعة البقلاوة لأكثر من خمسة أجيال. غولو، المالك الحالي لمخبز غولو أوغلو بقلاوة، وهو مخبز شهير في غازي عنتاب، تركيا، وله عشرات الفروع حول العالم؛ هو أحدث أجيال طهاة المعجنات الذين بدأوا مسيرتهم مع جده الأكبر، ممن تعلَم صنع هذه الحلويات الرقيقة والهشة لأول مرة أثناء توقفه في مدينتي حلب ودمشق العريقتين في طريق عودته من الحج عام 1871، بحسب ما جاء على موقع مجلة smithsonianmag.com.

تتكون هذه الحلوى من طبقات رقيقة من عجين الفطائر، غالبًا ما تكون محشوة بالمكسرات ومحلاة بالقطر أو العسل. ويقول غولو: "تُصنع البقلاوة بترقيق العجين إلى درجةٍ دقيقة جدًا، ثم وضع 10 أو 11 طبقة فوق بعضها يدويًا. هذه العملية لا تُناسب الأتمتة؛ إنها حرفةٌ حقيقية، ويتطلب فرد عجينة البقلاوة الرقيقة هذه تدريبًا طويلًا."

أصول البقلاوة

تعود أصولها إلى العصور القديمة. ففي حوالي القرن الثامن قبل الميلاد، كان سكان الإمبراطورية الآشورية، التي كانت تمتد عبر أجزاءٍ من العراق وإيران والكويت وسوريا وتركيا حاليًا، يرتَبون الخبز المسطح غير المخمَر على شكل طبقات، مع المكسرات المفرومة بينها، للاستمتاع بها في المناسبات الخاصة. وبعد قرون، ظهرت "كعكة المشيمة" (المشيمة اللاتينية مشتقة من الكلمة اليونانية "بلاكوس" أو "كعكة الجبن") في اليونان القديمة؛ وهي عبارة عن طبقٍ مكوَن من طبقاتٍ عديدة من العجين، محشوة بالجبن والعسل ومُنكهة بورق الغار. ومع ذلك، فإن أقدم أنواع البقلاوة كما نعرفها اليوم ظهرت قبل حوالي 500 عام، في عهد الإمبراطورية العثمانية.

للبقلاوة تاريخٌ قديم توارثه الناس جيلًا بعد جيل
للبقلاوة تاريخٌ قديم توارثه الناس جيلًا بعد جيل

تكتب ماري إيسين، مؤرخة الطعام العثمانية، في كتابها "الشربات والتوابل: القصة الكاملة للحلويات التركية": "أقدم إشارة إلى البقلاوة جاءت في قصيدة للشاعر الصوفي كايغوسوز عبدال، الذي عاش في النصف الأول من القرن الخامس عشر."

تاريخيًا، كانت هذه الحلوى تُحفظ للمناسبات الاحتفالية نظرًا لمهارة صنعها، فضلًا عن ارتفاع أسعار مكوناتها الرئيسية كالعسل والسكر والمكسرات. وفي العصر العثماني، كانت البقلاوة جزءًا "شبه مقدس" من رمضان، كما توضح إيسن في كتابها الذي يُعدَ مرجعًا للبقلاوة. وابتداءً من عام 1520، وخلال هذا الشهر الكريم، كان السلطان العثماني يُهديها بكمياتٍ هائلة إلى جنوده النخبة، الإنكشارية، فيما عُرف بموكب البقلاوة. وتكتب إيسن عن هذا الأمر: "كانت تُخبز مئات الصواني من البقلاوة، واحدة لكل عشرة إنكشاريين، في مطابخ القصر، وتُربط بقطعة قماش لحمايتها من الغبار وتُرتَب في الفناء الثاني. حتى تصفية فيلق الإنكشارية عام 1826، أي بعد شهرٍ ونصف من موكب البقلاوة، ظل هذا الحدث مشهدًا سنويًا شائعًا".

فيما كان المسيحيون العثمانيون يخبزون البقلاوة خلال الصوم الكبير، حيث استخدم بعضهم ما يصل إلى 40 طبقة من عجينة الفيلو لتمثيل أيام الصوم الأربعين، بينما استخدم آخرون 33 طبقة لتمثيل سنوات حياة المسيح الثلاثة والثلاثين.

كما أن شهرة البقلاوة كطبق حلوى مهم، تعني أيضًا أنها انتشرت على نطاقٍ واسع من قبل البيروقراطيين على طول طرق التجارة والحج خلال ذروة الإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر. وهذا جعل الحلوى عنصرًا أساسيًا في جميع ثقافات الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، من الجزائر إلى أفغانستان. ونتيجةً لذلك، ظهرت العديد من الاختلافات الإقليمية على مر القرون، والتي غالبًا ما كانت تستند إلى المكونات المتوفرة محليًا. يقول غولو: "غازي عنتاب منطقة مشهورة بالفستق، لذلك استخدم جدي الأكبر الفستق في بقلاوته". وفي جميع أنحاء تركيا، بدأ آخرون في اتباع هذا النهج. من ناحيةً أخرى، وفي اليونان، أصبح الجوز هو نوع المكسرات المُفضلة في إعداد البقلاوة، مع استخدام القرفة لنكهة الحشوة. فيما تُحشى "البقلاوة" الأرمنية بالجوز وتُتبل بالقرفة والقرنفل، وغالبًا ما تستخدم النسخة القبرصية اللوز بالإضافة إلى الجوز.

يختلف الشراب Syrup المستخدم مع البقلاوة، اختلافًا كبيرًا من بلدٍ لآخر. ففي الجزائر، يُنكّه الشراب عادةً بماء زهر البرتقال، بينما يُفضّل في إيران ماء الورد والهيل؛ أما في لبنان، فيُضاف ماء الزهر وماء الورد إلى الشراب أو القطر كما يُطلق عليه. في اليونان، يُعدّ شراب العسل والليمون الخيار الأمثل المرافق لهذه الحلوى.

البقلاوة في الدول العربية

تطورت أشكال وحشوات البقلاوة مع مرور الزمن واختلاف النكهات، مما أدى إلى ظهور أنواعٍ مختلفة من البقلاوة في مناطق مختلفة، وتحديدًا في المنطقة العربية والخليجية.

في لبنان؛ تشتهر البقلاوة بأنواعها الكبيرة واستخدامها للفستق الحلبي عالي الجودة، بالإضافة إلى أنواعٍ خاصة من السمن والشربات التي تمنحها طعماً فريداً. ويبرز إسم "الحلاب" كواحدٍ من أشهر المحلات لصنع وبيع البقلاوة على امتداد هذا الوطن الصغير، وصولًا إلى دول العالم. ويقول أصحاب مطعم "الحلاب" في دبي: "بدأنا كمتجر حلويات عام 1881 في طرابلس شمال لبنان. كان والدنا الكبير يصنع البقلاوة، وتوارثت الأجيال من بعده وصفاته؛ وتتوفر لدينا نكهاتٌ متنوعة من البقلاوة."

يدعو مطعم الحلّاب عشّاق الحلويات في شهر نوفمبر الحالي للاحتفال بالبقلاوة، ضمن تجربةٍ فريدةٍ تجمع بين التراث اللبناني الأصيل واللمسة العصرية المبتكرة. وبدايةً من يوم الإثنين الموافق 3 نوفمبر وحتى نهاية الشهر، ستقدّم فروع الحلّاب الثلاثة في دبي قائمة حلويات خاصة محدودة الإصدار تحت عنوان "مجموعة البقلاوة"، تضم باقةً من الحلويات المستوحاة من البقلاوة اللبنانية الكلاسيكية، إنما بلمسات عصرية ومبتكرة.

البقلاوة بحشواتٍ مختلفة من الحلاب خلال شهر نوفمبر في دبي
البقلاوة بحشواتٍ مختلفة من الحلاب خلال شهر نوفمبر في دبي

يمكن للضيوف الاستمتاع ب "أصابع البقلاوة" الجديدة، وهي طريقة إعداد مبتكرة للبقلاوة التقليدية تتميز بنكهات فاخرة مستوحاة من ذوق دبي العصري، تشمل اللوتس وشوكولاتة دبي والنوتيلا ومبشور الشوكولاتة، في مزيجٍ مذهل يجمع بين هشاشة رقائق العجين الذهبية والحشوات الكريمية الغنية، ليقدّم تجربة حلوى تحتفي بالتقاليد وتواكب روح العصر.

كما يحتفي الحلّاب بهذا اليوم المميز بإطلاق "كوكي البقلاوة"، وهي حلوى يلتقي فيها الشرق بالغرب في لقمةٍ واحدة غنية بالزبدة تجمع بين الأصالة والمذاق الفاخر. ولعشّاق الحلويات الباردة، يقدم الحلّاب "أيس كريم البقلاوة" بطبقاتها الكريمية المقرمشة التي تضيف بُعدًا جديدًا إلى هذه الحلوى الخالدة.

في باقي دول الشام، تُقدم البقلاوة بحشواتٍ مختلفة من الجوز والفستق وتُغطى بالشربات؛ وفي مصر، تُعدَ البقلاوة من الحلويات الشعبية واسعة الانتشار. وهنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، تنتشر البقلاوة بأنواعها المختلفة، بما في ذلك البقلاوة التركية، وتُستخدم فيها حشوات متنوعة من المكسرات مثل الفستق الحلبي والفول السوداني والجوز.

في الختام؛ فإن البقلاوة صنفٌ فاخر ولذيذ المذاق، لا يمكن لنا الاختلاف على نكهته وإن اختلفنا على أصوله وبداياته. يكفينا أن تكون هذه الحلوى، العابرة للقارات والمسافات، جزءًا لا يتجزأ من يومياتنا ومناسباتنا المختلفة، وأن نتوارث تقديمها للضيوف ولأحبتنا في كافة الأوقات، كما يتوارثها من يصنعها منذ مئات السنين حتى اليوم.