الموضة .. تاريخ العالم الذي نحمله مع إطلالاتنا

عرض:عمرو رضا إذا قال لك أحدهم : أن كل خطوة على منصة عروض الأزياء .. تغير العالم فيجب أن تصدقه وإن لم تفعل فعليك بقراءة هذا المرجع المثير Fashion 150 Years of Couturiers, Designers, Labels للمؤلفة Charlotte Seeling الذي يرصد عبر 500 صفحة وأكثر من 1000 صورة نادرة ، تاريخ نشأة الموضة الحديثة بموازاة صعود الحضارة العالمية وتأثرها وتأثيرها في مجريات السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية للعالم كله. البداية بالطبع من باريس إذ تؤرخ Charlotte نشأة صناعة الموضة الحديثة بأول عرض للهوت كموتور في باريس عام 1900 ، بالرغم من ظهور أغلب بيوت الأزياء الباريسية قبل هذا التاريخ بنصف قرن تقريبا ولكنها تبرر اختيارها بالإشارة إلى أن هذا العرض خرج بصناعة الأزياء من عالم الحياكة المنزلية والأعمال الصغيرة إلى أفق أكبر بكثير. فصناعة الموضة بعد هذا العرض أصبحت خاضعة لمشيئة مصمم الأزياء وليس لأهواء ربات البيوت كما كانت سابقا ،كما جذبت الكثير من الاستثمارات وارتبطت بمصالح خاصة مع صناعة النسيج الضخمة ، وارتبطت بالعديد من الصناعات الأخرى ، فقد نشأت وقتها الحاجة لصناعة صحافة متخصصة في مجال الموضة وبدأت ظاهرة المتاجر الصغيرة في المدن والقرى وظهر عالم الإكسسوارات الحديثة واجتذبت الصناعة العديد من الفنانين التشكيليين للعمل في مجال التصميم ، وأثرت في إطلالات العديد من الفنانين في المسرح أولا ثم على الشاشة الكبيرة وانتقل التأثير فيما بعد إلى عالم السياسة والطبقة الوسطى. ثورة كوكو شانيل كيف بدأ هذا التأثير؟ وهل هو من طرف واحد؟ هذا ما يحاول أن يرصده الكتاب مستعرضا قصة الموضة عبر صناعها الكبار من مصممي الأزياء من ناحية وعبر إطلالات النجمات التي حولت هذه الإبداعات إلى ظاهرة عالمية ،فمع كل صفحة ستقف أمام أحد المصممين الذين اثروا عالم الموضة بثورة في عالم الأزياء مع لوحات تفصيلية لتصميماته تكشف فلسفتها والأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المصاحبة لهذه الفلسفة وصور لمشاهير العالم بهذه التصميمات وكيف انتقلت إلى الطبقة الوسطى لتصبح ظاهرة شعبية والمثال الأبرز هنا ما قدمته السيدة كوكو شانيل من ثورة على مفاهيم الأزياء النسائية لا زالت آثارها حاضرة حتى الآن. يقول إيف سان لوران ، "الأزياء تتلاشى، والأسلوب هو الخالد " وهذا ما يحكم فلسفة الكتاب تقريبا فمنذ الصفحة الأولى يطرح السؤال نفسه كيف غيرت الموضة في صورة العالم نفسه؟ وعبر استعراض مصور سريع لتطور الموضة يمكنك أن تلاحظ بوضوح كيف تغير شكل الإنسان نفسه ، ويكفى أن تراجع عروض شانيل طوال تاريخه لتدرك كم تقدمت الإنسانية وكيف تطورت مفاهيم الجمال والأناقة بموازة تطور تصورات العالم عن دور المرأة وقيمتها . فردريك وورث مصمم الأزياء الأول ورغم أن المؤلفة اعتمدت العام 1900 كبداية رسمية لتاريخ الموضة إلا أنها لم تستطع تجاوز الدور المهم لصانع فكرة الموضة تشارلز فردريك وورث (1826 – 1895) فعند هذا الرجل انتهى تاريخ الحياكة التقليدية وبدا عصر مصممي الأزياء ، فقد كان المصمم الخاص لأزياء الملكة "أوجيني" وكان يصنع القماش بنفسه ويفصله، حتى اكتسب شهرة عالمية في عالم الأزياء والموضة، فأصبح مصمم الأزياء الأول وأول من خطط لبناء (دار الأزياء) في باريس، و كان يتولى تصميم الملابس لدرجة انه أصبح يعلم زبائنه ما ينبغي أن يرتدوه بدلا من إتباع رأيهم فقط مثل ما كانت تفعل الخياطات سابقا. وهو من ألهم بيوت الأزياء في باريس والعالم مفاهيم "صنع _ليلبس " و "صالح للارتداء " وإليه يعود الفضل في مكانة باريس كعاصمة للموضة وحذا حذوه كبار مصممي الأزياء في العالم مثل "ديور" و"بالمان" وغيرهما، بعدها انتشرت صناعة الملابس الجاهزة، وأصبح المصممون العالميون يبتكرون أزياءهم الخاصة في هذا المجال وانتعشـت بالتالي الصحافة التي تروج للموضة والأزياء وظهرت مجلات مهمة مثل "فوج" و"ال" و"ماري كلير" وغيـرها. وتطـور نظام بيوت الأزياء العـالمية، ولم يعد يقتصر فقط على تصميـم وبيع الملابـس، بل امـتد إلى تصـميم وابتكار الإكسسوارات، ومكملات الزينـة و"الإيشـاربات" و"الشرابات" والأحذية، وآلاف المنتجات الأخرى، حتى أصبحت تلك البيوت إمبراطوريات تجارية مستقلة بذاتها. تنتهي المؤلفة إلى الـتأكيد على أن الموضة ليست وليدة عالم الأناقة والجمال فحسب كما هو شائع عنها، ولكنها أولا «صناعة عالمية، تلعب دورا مهما في مجريات الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية لدى الجمهور العالمي المهتم بها». ولا تنسى المؤلفة أن تؤكد أن الموضة تمسّ شرائح متنوعة في مختلف المجتمعات، وتطال المستويات الراقية للفن، ولكن أيضا الثقافات الشعبية التي تسهم في صياغة وعي الجماهير العريضة. وللموضة أيضا، كما يتم تحليلها، دور كبير كذلك في صياغة «المعايير الجمالية» والنافذة التي تفرض نفسها على الذوق العام، بحيث إنه يغدو من الصعب جداً الخروج عنها ، لكن السمة الأساسية التي تؤكدها المؤلفة عن الموضة هي أنها كانت باستمرار ذات خلفية اقتصادية أولاً ثم «فنية» وجماعية ثانياً.