المصورة والمصممة اللبنانية نادين قانصو

نادين قانصو وجه معروف في المنطقة بصورها الفوتوغرافية، التي تسبر القضايا الاجتماعية والسياسية من جهة، ومن جهة أخرى بمجموعة مجوهراتها "بالعربي" التي تتألف من تصاميم مصنوعة من الذهب بعيار 18 قيراطاً، وتتخذ شكل الحروف العربية، وتسلط الضوء على الثقافة والتراث العربيين. وبتكليف من "لوي فيتون"Louis Vuitton ، أقامت أخيراً معرضاً تصويرياً تحت عنوان "الماضي الحاضر"، اشتمل على صور تجريدية بالأسود والأبيض تعكس التراث البحري في المنطقة. وستعرض هذه الصور للبيع في مزاد يقام الشهر الجاري، لدعم "مشروع المرجان"، الذي ينفذ برعاية الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، ويهدف إلى زرع المرجان قبالة سواحل دبي، في محاولة لتعزيز التنوع البيولوجي وحماية البيئة في المنطقة. وقد التيقنا نادين قانصو في منزلها ذي اللمسة الفنية المميزة في جميرا صبيحة يوم جميل.

لماذا اخترت التصوير مجالاً للتعبير عن نفسك؟
لطالما أحببت التصوير. لست رسامة، أستطيع الرسم، لكنني لا أبدع فيه. بل أبدع في التصوير والفن التلصيقي. أدرك أنه فن جديد، وليس رائجاً بمعنى إقبال الناس على شراء اللقطات، لكن الأمر يتحسن من هذه الناحية.
في صوري طبقات كثيرة، فإذا نظرت إلى هذه الصورة من مجموعة "ريوايند يا زمان"Rewind Ya Zaman ، تلاحظين أنني ابتكرت ملصقة مقاسها 50 × 50 سم، ثم التقطت الصورة، وكبرتها فصارت بمقاس 3 × 2 متر، وجعلتها بمنزلة الجدار في الصورة. فأصبحت ورق الجدران من الماضي، ولا أعلم ما إذا كان ممكناً القيام بالأمر نفسه في لوحة. لربما استطعت أن أفعلها في لوحة، لكنني أفضل التعبير عما في داخلي من خلال التصوير.

قرأت في سيرتك الذاتية: إن "أعمالك خضعت لتغيير في وجهتها بعد أن تلقيت دعوة في العام 2006 لعرض أعمالك في متحفVictoria & Albert في لندن ضمن معرض جماعي بعنوان Arabize Me ." ما هو هذا التغيير ولماذا حصل؟
قبل هذه الفرصة التي توفرت لي، لم أكن أعتبر نفسي فنانة. كنت أنتج أشياء تجارية، ولم أظن يوماً أنني قادرة على الوصول إلى معايير الفن، لأنني أقسو كثيراً على نفسي. لكن هناك الكثير من الفنانين الذين يبتكرون أي شيء، ويفخرون به ويعتبرونه رائعاً. لا أقول: إن أعمالي رائعة، غير أنني أحتاج إلى الكثير من الوقت لإنتاج القطع الفنية.
في العام 2006، حققت قفزة كبيرة، وأصبحت فنانة من جرائها. أقمت معرضاً في لندن وآخر هنا، لذا صار لدي مجموعة متكاملة تعبر عني. وهنا كان لا بد من التغيير أن يحصل.

معظم الصور التي رأيتها حتى الآن تتضمن الكثير من الأبيض والأسود، الإنسان ينجذب إلى الألوان لسبب معين، لماذا يجذبك هذان اللونان؟
أرى أن الأسود والأبيض ثنائي ينبض بالحنين. لطالما عرفنا فن التصوير بالأسود والأبيض، ورأينا صور أجدادنا بهذين اللونين. لكنني لا أعرف السبب المعين وراء حبي لهما.
تجذبني فعلاً الأفلام الفوتوغرافية. أصور رقمياً لكن أفضل التصوير الفيلمي حين تسنح لي الفرصة، مثلما فعلت في مشروع "لوي فيتون". فهذا النوع من التصوير يلتقط الضوء بطريقة مختلفة، وفيه حساسية محددة لا أجدها في التصوير الرقمي.

ما أهم جانب في كونك مصممة ومصورة في الوقت نفسه؟
الكثير يقول: إنه لا يمكنك أن تكوني الاثنين معاً، لكنني أفعل ما أفعله لأنني أحبه. لست مصممة مجوهرات، بل أفضل أن أعرف كـ"مصممة". فبدأت بالتصميم الغرافيكي حين كنت أدرس فنون الاتصال، حيث يمتزج الأمران ويتصلان. تصميم المجوهرات مجال دخلت فيه حديثاً، والتصوير شغف.
أعبر عن أفكاري وشخصيتي ومزاجي وأحاسيسي من خلالهما.
في المجوهرات الأمر يدور حول الثقافة والتراث، أما الصور، فأعبر من خلالها عن قضايا سياسية واجتماعية لا يمكنني إيصالها من خلال المجوهرات.

ما الرسالة التي تعبرين عنها؟
الرسالة التي أحاول إيصالها من خلال المجوهرات والصور الفوتوغرافية هي أن الناس يجب أن يكونوا فخورين بهويتهم. فكثير من الوسائل الإعلامية شوهت صورة العرب خلال الأعوام الأخيرة، وصار العالم ينظر إلى المسلمين بطريقة مختلفة. وإذا ما وضعت حجاباً، فقد تصنفين. أنا شخصياً لا أضعه، لكنني أحترم كثيراً اللواتي يرتدينه، إنه جزء من ثقافتهن.
التمييز ضدنا يشبه ما مر به الأفارقة. أريد محاربته من خلال عملي، وأريد أن يفتخر الناس بارتداء ما هو عربي، والتحدث بالعربية.
أخبرينا عن "الماضي الحاضر" المشروع الفوتوغرافي الذي كلفتك به دار Louis Vuitton .
كان هذا المشروع تحدياً فعلياً. لقد اتصلوا بي بصفتي مصورة، وأعطوني توجيهات محددة جداً، لأن المشروع متعلق بـ"لوي فيتون تروفي"Louis Vuitton Trophy . كان على العمل أن يرتكز على البحر عموماً، والداو خصوصاً. فـ "لوي فيتون" أرادت تسليط الضوء على ثقافة المنطقة وتراثها، من خلال هذا المعرض، وسفن الداو كانت نجمات عملي.
لإضفاء لمسة نادين قانصو وتوقيعها، لم يكن باستطاعتي أن أذهب إلى البحر وآخذ الصور فقط. فالمشروع ليس بوثائقي، بل عمل فني.
التقطت صوراً لسفن الداو بالأسود والأبيض، وتنقلت لتصويرها على اليابسة وأمام منازل الناس. وأكثر ما أثار اهتمامي فيها، وأسرني كان الكلمات التي حفرت عليها. فالكثير منها تزينت بالخط العربي، الذي أيضاً يرتبط بعملي. كما أردت التركيز على الحرفية اليدوية في سفينة الداو التي تصنع كلياً من الخشب والمسامير. وهذا بدوره يذكر بـ "لوي فيتون" نفسها، فمنتجاتها مصنوعة يدوياً أيضاً.

وأخيراً لجعل الصور عصرية، أضفت الفضة على بعض تفاصيلها، لدعم عنصر الحرفية. ولإضفاء الألوان، درزت شرائط فلورية على الصور. فكانت النتيجة صوراً بسيطة جداً، لكن تجريدية وعصرية في الوقت نفسه.
وأجمل ما كان أنني تجولت، وتمكنت من استكشاف شوارع كثيرة لا نراها عادة. وما سأشارككم إياه ليس بحادث، بل هو المرة الأولى التي أقوم فيها بعمل دقيق كهذا باستخدام الفضة والدرز على الصور. كانت تجربة جديدة لي وخطوة مهمة في مهنتي، هذا أكثر ما أحببته في هذا المشروع.

ما الصلة بين الماضي والحاضر بالنسبة إليك على المستوى الشخصي؟
أحاول أن أحمل دائماً بعضاً من الماضي معي، لأنه هو من يصنع الحاضر. إذا لم تحملي معك جزءاً من ماضيك وذكرياتك، فلست متأكدة إن كنت تستطيعين الاستمرار في العطاء والنمو حاضراً ومستقبلاً.
ماذا كنت سأعطي أولادي اليوم لو لم أعرف ماضيَّ؟ كانوا سيشاهدون التلفزيون فقط، من دون يرتبطوا بجذورهم. عليك دائماً إحضار القليل من الماضي إلى الزمن الحالي.

وما الأثر الذي تتركه مشاريعك فيك؟
أنا شخصياً متعلقة دائماً بأعمالي مثل أي فنان، وأنتقدها على الدوام. وفي مشروع "لوي فيتون" خصوصاً، كان علي تقديم مستوى عالٍ جداً، لأن الدار بمنتهى الرقي. كانت فرصة رائعة لي أن أعمل مع هذا الاسم الأسطوري. من لا يحلم بالعمل معهم؟
ويا لها من خطوة جميلة أن تنظر هذه الأسماء الراقية إلى هذا الجزء من العالم، وتتعاون وتنسق مع فنانين محليين، فتشجعهم على ابتكار الجديد والمختلف. كانت واجهة مهمة لي، على أمل أن تتوفر لفنانين آخرين. "لوي فيتون" لم تأتِ إلينا فقط، لأن سكان المنطقة يملكون المال، ويشترون الأغراض الفاخرة، بل لأنها تنفذ رسالة، وتبحث عن طرق مختلفة لرد الجميل لمجتمعنا.

عرضت مجوهراتك في مزاد في "كريستيز"Christies ، لكنها المرة الأولى التي تعرض صورك في مزاد، ما هي توقعاتك؟

ليس لدي توقعات حين يتعلق الأمر بالمزادات. حضرت المزاد الأول فقط، وكان اختباراً متلفاً للأعصاب. آمل أن ينجح هذا المزاد، لأنه يخدم هدفاً سامياً.

ما الذي يبقيك مندفعة؟
بؤس العالم، حين تنظرين إلى العراق وغزة، حيث يخسر الناس هويتهم ويعذبون يومياً، تفكرين وتتأملين وتتشجعين على القيام بشيء ما. هذه القضايا تدعم أفكاري. وأكثر الصور التي ألتقطها خارجية، فلست من محبي التصوير في الاستوديو، لأن الضوء يهمني كثيراً. الظلال رائعة في النور الطبيعي، وهو ما يمكنك الحصول عليه في الاستوديو لكن التأثير يختلف. حساسية الضوء متميزة دائماً عن الضوء الطبيعي، وبعض أعمالي تتطلب قراءة، فحين يراها الناس يهتمون بها، ويريدون معرفة المزيد عنها، أما حين يقرؤون عن المفهوم وراءها، سيجدونها مثيرة للاهتمام أكثر.