الشابة السعودية رانيا إبراهيم بوبشيت

اختارت رانيا إبراهيم بوبشيت، أول مديرة تنفيذية لأول جمعية في السعودية تحمل اسم "جمعية العمل التطوعي"، (مقرها الدمام، وأعلنت رسمياً من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية قبل أشهر، لتنطلق فعلياً في العام الجديد 2011) أن تكون إطلالتها الإعلامية الأولى من خلال مجلة "هي" وحرصت على استضافتنا في بيتها، حيث تحدثت عن حكاية الجمعية الوليدة، وحياتها الاجتماعية والعملية، وطفرة العمل التطوعي التي يقودها شباب وفتيات سعوديون.. رانيا الشابة البالغة من العمر 24 عاماً هي أصغر مسؤول قيادي في المملكة من الجنسين يتولى للمرة الأولى قيادة جمعية ذات طابع رسمي شبابي.

قبل أن نتحدث عن تفاصيل الخطوة التي تعد الأولى من نوعها في المملكة، دعينا نتحدث عن أسرة رانيا بوبشيت، وطبيعة البيئة الأسرية التي نشأت فيها؟

والدي من موظفي "أرامكو" ووالدتي أيضاً، وهما من أكثر الداعمين لي ولأخواتي، والمتفهمين لميولنا، ونحن ثلاث فتيات لكل منا طموحاتها وأحلامها.. أسرة سعودية، تعرف كيف تقرأ مستقبل طموحات واختيارات بناتها وتمنحنا حرية اختياراتنا المدعمة بالحافز والتشجيع للوصول إلى أهدافنا. وأنا متعلقة بوالدتي كثيراً، وهي تتواجد معي في كل نجاحاتي، ولها بصمة واضحة فيَّ، وربما أخذت منها الصبر، إلا أن العصبية أخذتها من والدي، الذي كان يتصف بها نوعاً ما، كما أن عصبية والدي إيجابية، فهي مقرونة بالحنان، والصبر جعلني أتحكم بالضغوطات من حولي، وأنا في هذه السن الصغيرة في مجال عملي، وخاصة في مجال عملي التطوعي، وأعتقد أن انخراطي في مجالات عدة قريبة من الناس، والتعامل مع نماذج عدة خدماني كثيراً، وأضافا لي المقدرة مبكراً في التغلب على الصعوبات، التي قد تواجهني في عملي ومسؤوليتي الجديدة في الجمعية.

ما طبيعة دراستك وعملك.. فقد تحدثنا قبل الحوار عن كونك عاملة في شركات عدة وطالبة في الوقت نفسه، فما مجال دراستك وعملك؟
أدرس حالياً تخصص علوم حاسب في "جامعة دلمون" بالبحرين، وكنت قبل ترؤسي لـ "جمعية العمل التطوعي" أعمل في الوقت نفسه في إحدى الشركات الكبرى في الشرقية في مجالي التسوق والعلاقات العامة، كما كنت أتولى إدارة تنمية الموارد البشرية. وكنت في كل عمل أتولى مصبا قيادياً وقريباً من الناس، فوجدت نفسي فعلاً أملك هذه الصفة القيادية بالفطرة، متمنية أن تتعزز أكثر مع سنوات العمل والعمر. علما أن التطوع كان بوابتي لتولي مناصب قيادية، حتى قبل "جمعية العمل التطوعي"، ففي القطاع الخاص وجدت فرصاً أكبر للعمل، وفي مواقع إدارية عليا، وأنا في سن صغيرة، وأعتقد أن مفهوم التطوع قد يتغير ويكون أوسع مستقبلاً، فالمملكة تدخل زمناً مغايراً للعمل التطوعي، وتعيش فعلاً طفرة نوعية في هذا المجال.

قلت أن أسرتك دعمتكِ بقوة، ما طبيعة هذا الدعم المعنوي لك شخصياً وأكثر العبارات التي تستخدمها أسرتك لتحمسك؟
عندما أسمع منهم كلمات تدفعني وأخواتي إلى الإمام، وأكثر كلمات تؤثر فيَّ عندما يقولون لي: "نحن فخورون بك"، فأتحمس، وأحاول أن أنجح وأستمر في النجاح، ولو تعثرت في الصعوبات، وواجهت الفشل، وأنا لا أنسى أخطائي، بل أتعلم منها، وأتخطاها مستقبلاً.. ووالداي يعززان شخصيتنا بالاعتماد على الذات.

نحن في مجتمع يريد "الولد" ويتمناه، هل كان لغياب ابن في أسرتكم تأثير؟
أنا شخصياً وانعكاساً مما شعرت به وأحسست به في والدَي، وتحديداً والدي، أشعر أنه لا فرق اليوم بين الشاب والفتاة، إلا بما يحققانه ويضيفانه لأسرتهما، وأبي يفخر كثيراً بكونه أباً لبنات.

هل هناك من يدعمك غير أسرتك معنوياً ويؤثر تشجيعه في مسيرتك؟
كثيرون دعموني، وأذكر منهم: نجيب الزامل رئيس مجلس إدارة "جمعية العمل التطوعي"، وهو كاتب إعلامي ومتخصص وعضو في مجلس الشورى السعودي، وأيضاً نائبه محمد البقمي، وهو شاب متطوع وصاحب فكرة الجمعية، التي احتضنها الجميع، وأيدوا انطلاقتها وأعمالها، وأيضاً مستشارتي وصديقتي منال القحطاني مديرة التقييم والمتابعة بالجمعية.

كل من يتعامل معك يلاحظ أن عفوية، فهل كانت هذه الصفة مساعدة، أم أوقعتك في مشكلات؟
عفويتي ساعدتني أكثر على الدخول عالم إلى الآخرين، لكنها سببت لي العديد من المشكلات، خاصة عندما رشحوني للمنصب لأكون أصغر مدير تنفيذي بالمملكة تتولى منصباً قيادياً لمؤسسة، ولكن العفوية والتلقائية قد تكون بوابة لمحبة وارتياح الآخرين للإنسان، وهو ما يعزز سهولة ومرونة العمل معه.

قبل الجمعية متى فكرتِ في الدخول إلى العمل التطوعي؟ وإلى أي الفرق انضممتِ؟
فريق البنات التطوعي في الدمام كان بوابتي الأولى للعمل التطوعي الجماعي المنظم منذ 2009، في ظل وجود 40 فريقاً شبابياً تطوعياً في شرق المملكة وحدها، وقد كان أقدم فريق تطوعي "نادي الشرقية" الحاصل على "جائزة جمعية جود الخيرية لأفضل عمل تطوعي" الشهر الماضي.
والمعروف أن المنطقة الشرقية كانت سباقه في ضخ وولادة فرق تطوعية بقيادة الشباب، لم تكن رسمية إلا أنها كانت بمبادرة حقيقية لشباب وفتيات في مرحلة عمرية معينة تبادر بأعمال تطوعية وفي مختلف المجالات في السنوات الخمس الأخيرة أوجدت فرقاً شبابية تطوعية.
وكما ذكرت أن هذا الكم من الفرق قد تكون له سلبيات، إلا أنني أجد أن التطوع الحقيقي لأولئك الذين تخرج أعمالهم إلى الآخرين قبل أسمائهم.
وبتنا نشهد ظهور هذه الفرق كما الموضة وأكثر من عمل حقيقي، إلا أن شباب الشرقية كانوا الأوائل بثقافة التطوع، ووجود الجمعية اليوم ينظم العمل، وهو المظلة الرسمية المساهمة في نجاح أعمال الفرق.

تحرك "جمعية جود" لرعاية الفرق كيف ترينه؟
كان بادرة أصيلة وطبية من أقدم جمعية نسائية خيرية في المنطقة الشرقية لاحتضان الفرق الشبابية التطوعية، وتلبية احتياجاتها، فالجمعية أخذتنا ضمن جانب من أعمالها، والتي تعد أقدم جمعية خيرية، والأولى التي جمعت الفرق واحتضنتها، لتلبي حاجاتها، وتساندها في الأعمال الاجتماعية، فكرة انضمام بعض الفرق ليكون لهذه الفرق مرجع، لكونها جمعية رسمية تساعدهم وتسهل أعمالهم.
والتوجه الحقيقي اليوم، أن تكون هناك مسؤولية أكبر، وهناك فرق خرجت، ولم تنجح لتنتهي، وولادة "جمعية العمل التطوعي" الأولى من نوعها، وبدعمها اللوجستي، ستكون بمنزلة المظلة الرسمية والحاضنة للفرق، بدأنا بها من الشرقية، ثم المناطق الأخرى مع التدرج خليجياً.

والعمل التطوعي لا يفرق بين امرأة ورجل، وبانضمام الشباب والبنات يقوم كل منهم بعمله، وهناك فرق لا تحب مزج فريقها بالشباب، بل يعملون باستقلال، إلا أنهم مساندون لبعضهم البعض في آخر المطاف، نحن كجمعية لدينا عاملون وعاملات في الجمعية نقود العمل ونديره سوياً.

كيف ترين قبول جيل الشباب لمشاركة الفتيات حالياً؟
الشباب جيل بدا يتقبل الجنس الآخر، ولا يفرق بين أعمال البنات والشباب بل يعتمد على الإنجاز، وشخصياً لا أحب نظرة أو قاعدة أن الفتاة لا تقوم بكل شيء، وأحاول كسر نظرية عجز الفتاة، بحدود الإطار الديني والعادات والتقاليد السليمة للمجتمع، ولم أواجه أي مشكلة في بداية عملي من كل الفئات، بل أشعروني بفخرهم بعملي وجدية عملنا.

ماذا عن فكرة الجمعية؟
الشاب محمد البقمي، وهو نائب رئيس مجلس الإدارة حالياً، أحد الشباب المتطوع في فريق تطوعي أيضاً مارس هذا المجال، هو الذي طرح فكرة الجمعية، التي ولدت أيام انتخابات شباب الأعمال بـ"غرفة الشرقية" وتبلورت الفكرة تدريجياً، وخلال عملنا طرح علينا الفكرة نحن أعضاء الفرق التطوعية، وكانت ولادة الفكرة من عدد بسيط من الشباب والفتيات، وكانوا يعتمدون على خبرتي في العلاقات العامة والتسويق، وعملي في قطاع التنمية البشرية، وكانت فكرة الجمعية احتواء وضم الفرق التطوعية، والآن أنا سعيدة لأنني كنت ضمن الفريق المؤسس. وقتها ورغم حماسي لفكرة زملائي خشيت ألا أجد وقتاً، فقد كنت أعمل في أكثر من قطاع، وأدرس أيضاً، ولكن بعد عملي التطوعي بعمق اتجهت إلى العمل التطوعي، تاركة الأعمال الأخرى، ما عدا دراستي.

كيف تم اختيارك كمدير تنفيذي؟
فاجأني اتصال مؤسس فكرة الجمعية بترشيحي كمديرة، ربما قد تكون خبراتي ساعدتني وانعكست على أدائي خلال مرحلة تأسيس الفكرة، ,وأنا من الأشخاص الذين لا أحب أن أتراجع إذا بدأت بعمل ما، وقد شعروا بجديتي، ولم أكن أضع ضمن خططي خلال مشاركتي أن أحتل منصباً، إنما أن أكون ضمن الفريق التطوعي.

ألم تواجهوا صعوبات عندما بدأتم بتوثيق وعرض الفكرة على الوزارة؟
ستفاجئين عندما أقول لك: إنها كانت بمجهود الشباب التطوعي، هم من قاموا بالتواصل مع وزارة الشؤون الاجتماعية، كان من الشباب إلى الشباب، وسنتوسع تدريجياً في أعمالنا، حالياً نحن نعمل ضمن برنامج تجريبي، إلا أننا سننطلق رسمياً مع بداية هذا العام.
وحماسي للعمل بالجمعية وقيادتها جعلني أحول بوصلة اهتمامي من العمل بالشركة إلى الجمعية، لأني عشت مراحل تأسيس الجمعية، وتعلقت كثيراً بها، وأحببت مجالها، وقررت ترك العمل في القطاع الخاص والتفرغ لها.

يبدوا أنك علَّقتِ طموحك على الجمعية الوليدة التي غيرت مسارك كفتاة تقليدية؟

بعد تفكير وجدت أن الجمعية ستوصلني إلى طموحي، وتحسين وضعي في المجتمع لأكون من بين أبرز سيدات المجتمع والقياديات السعوديات مستقبلاً، ووجدت فرصتي وطموحي وميولي في هذا المجال الذي أتمنى أن أكون فيه بقدر المسؤولية.

ما هي المشاريع المقبلة للجمعية؟
هناك جملة من المشاريع، من بينها شراكة بين مؤسسة الملك خالد الخيرية لإطلاق برامج للشباب، حالياً نعمل على المقر الجديد للجمعية بالدمام.
بدأنا البرنامج التأسيسي، ونعمل على نظام وآلية لانضمام الفرق التطوعية، وأنهينا العمل وفتح المجال لـ40 فريقاً، للانضمام تحت لواء الجمعية.
ويتمثل دور الجمعية في متابعة ودعم مشاريع الفرق، وتأسيسها بشكل رسمي، وتسهيل أعمالها، من دون عقبات تحد من نشاط وأهداف أعمالها.

كيف وجدتِ ردة فعل المجتمع تجاه الجمعية الشبابية الأولى الرسمية وردة افعل تجاه تعيينك؟
شهدت الجمعية قبولاً كبيراً من أفراد المجتمع، وتشجيعاً لأهدافها وأعمالها،
وكذلك لاقى خبر تعييني قبولا رغم صغر سني، وبالنسبة لي أحاول كسب كل من انتقد تعييني وأسعى ليشعر الجميع بأنه شريك في النجاح فالقمة تتسع للجميع. ونخطط لأن يشمل نشاط الجمعية كل الفئات، وقد يتم تخريج فرق تطوعية للأطفال أيضاً.

تم تكريمك خلال "حفل جود"، الذي شهد أول جائزة للأعمال التطوعية الشبابية أمام الأميرة جواهر بنت نايف حرم أمير المنطقة الشرقية، ماذا كان شعورك في تلك اللحظة؟
الأميرة جواهر مثالنا وقدوتنا، وهي السيدة الأولى بالمنطقة الشرقية في مجال الأعمال التطوعية، وهي أيضا داعمة وشريكة نجاح لأي سيدة مجتمع بالشرقية، كان اختياري من قبل القياديات في "جمعية جود" كنموذج شابة تقود عملاً تطوعياً ذا مسؤولية كبيرة، بعون أشخاص أعطوا جزءاً من وقتهم لاستمرار هذا النجاح.