الأم حضور لا سيطرة..ما الذي ينتظره أطفالكِ منكِ مع بداية العام؟
مع بداية عام جديد، تميل كثير من الأمهات إلى وضع خطط صارمة لأطفالهن؛ أهداف دراسية أعلى، سلوك أفضل، التزام أكثر، وإنجازات تُشبه ما يُفترض أن يكون عليه الطفل المتفوق. لكن أين الأطفال من كل ذلك؟
هل هم بحاجة فعلًا إلى مزيد من السيطرة، أم إلى حضور أعمق واحتواء أكبر ليشعروا بالأمان وسط الصراع الرقمي والنفسي الذي يعيشونه اليوم؟
في هذا المقال، نتوقف عند ما الذي ينتظره الأطفال من أمهاتهم مع بداية العام الجديد. وهو ليس دعوة للتدليل أو التسيب أو الفوضى، إنما محاولة صادقة للإصغاء والانتباه، ومنح الأطفال فرصة ليكونوا أنفسهم، في ظل مراقبة واعية غير مرهقة ولا ضاغطة. فالأم ليست مجرد موجه، بل مساحة آمنة يتنفس من خلالها الطفل، وقلب حاضر يحتضنه بكل مخاوفه، وصوت حنون يرشده ويُقومه عند الخطأ. الأم قوة حقيقية، وقوتها لا تكمن في الشدة، بل في حنانها، وفي قدرتها على الشعور بأطفالها وفهم احتياجاتهم.

الأم حضور لا سيطرة
يعني ذلك الانتقال من دور المراقِب إلى دور الداعم، ومن فرض القرارات إلى مرافقة الطفل في اتخاذها. الحضور لا يعني الغياب عن التوجيه، بل تقديمه بلطف ووعي، بحيث يشعر الطفل أن له صوتًا ومكانة، لا أنه مشروع يحتاج إلى إصلاح دائم.
السيطرة المفرطة تُشعر الطفل بالخوف أو التمرد، بينما الحضور الواعي يمنحه شعورًا بالأمان، وهو الأساس لأي نمو نفسي سليم مع بداية كل عام دراسي أو عمري جديد.
لماذا يحتاج الأطفال إلى حضور الأم مع بداية العام الجديد؟
سؤال مهم، وخصوصًا في ظل التغيرات الضخمة التي طرأت على البيئة الخارجية للطفل، والمتمثلة في العالم الذي يعيش فيه اليوم.
- إن بداية عام جديد تعني تغيّر الروتين، والمسؤوليات، وربما البيئة الدراسية أو الاجتماعية. هذا التغيير يربك الأطفال، ولسوء الحظ لا يملكون دائمًا القدرة على التعبير عن هذا الارتباك بالكلمات، فيظهر على شكل عناد أو تراجع سلوكي يثير غضب وانفعال الأم. هنا، ما يحتاجه الأطفال هو حضور الأم، وليس مزيدًا من السيطرة.
- عندما يشعر الأطفال أنهم مسموعون ومفهومون، يكونون أكثر استعدادًا للتعلم والالتزام. أما أولئك الذين يعيشون تحت ضغط المقارنة والتوقعات العالية، فالعام الجديد بالنسبة لهم عبء إضافي، وليس فرصة تمنحهم الشعور بالرضا مع تحقيق مطالبهم.
- لأن الثقة تُبنى ولا تُفرض، فعندما تمنح الأم طفلها مساحة للتجربة والخطأ، فهي تزرع داخله الثقة بالنفس، وهي مهارة أساسية يحتاجها طوال حياته، وليس فقط في عامه الجديد.

ما الذي ينتظره الأطفال من أمهاتهم؟
أهم ما ينتظره الأطفال من أمهاتهم ما يلي:
الإصغاء قبل التوجيه
الأطفال بحاجة إلى أم تسمع مخاوفهم الصغيرة قبل أن تُقدّم الحلول. ذلك يشعرهم بأن مشاعرهم مهمة، مهما بدت بسيطة.
الفهم بدل النقد
مع بداية العام الجديد، تكثر الأخطاء والتعثّر. الطفل لا ينتظر نقدًا سلبيًا لتصرفاته أو تعليقًا قاسيًا، بل يريد فهمًا أكبر من الأم، يزرع بداخله التحدي ويزيد رغبته في محاولة الإصلاح.
الاحتواء لا المقارنة
مقارنة الطفل بغيره، خاصة مع بداية مرحلة جديدة، تضعف شخصيته وتُنقص شغفه بالأشياء، وتزرع داخله شعورًا كبيرًا بالنقص. الاحتواء هو ما يحتاجه ليشعر بالأمان، لأن أمه تقبله كما هو
كيف تؤثر السيطرة الزائدة سلبًا على الأطفال؟
رغم أن السيطرة تنبع غالبًا من حرص الأم وخوفها على أطفالها ومستقبلهم، إلا أن نتائجها قد تكون عكسية، لأنها تترك تأثيرات سلبية كبيرة على الأطفال.
أبرز هذه التأثيرات هي:
- تراجع الثقة بالنفس
- الكذب أو العناد كوسيلة دفاع
- ضعف الاستقلالية
- القلق والخوف من الفشل
- ضعف التواصل العاطفي مع الأم
كيف توازن الأم بين الحضور والتوجيه؟
تستطيع الأم الموازنة بين الحضور والتوجيه من خلال تطبيق النصائح التالية، بحسب داليا شيحة، خبيرة أسرية وزوجية:
- وضع حدود واضحة للأطفال دون قسوة أو سيطرة مرهقة، مع شرحها بأسلوب هادئ، ومنحهم الفرصة لفهم سبب وضع هذه الحدود.
- منح الطفل دورًا في التخطيط، فذلك يعزز شعوره بالمسؤولية ويخفف مقاومته لتوجيهات الأم.
- الاعتراف بالمشاعر قبل تعديل السلوك؛ فبدل التركيز على الخطأ، يبدأ الحديث بالاعتراف بمشاعر الأطفال، ثم التوجيه بهدوء.
- تجنب الإجبار، ومنحهم فرصة الاختيار، لأن شعورهم بالاستقلالية يجعلهم يفهمون توجيهات الأم بطريقة سليمة.
- تجنب النقد والسخرية والمقارنة، لتعزيز الشخصية وتقوية العزيمة لديهم.
- استخدام الذكاء العاطفي كأداة للأم العصرية في التعامل مع الأطفال، خصوصًا أطفال اليوم.
- بهذه النصائح، تستطيع الأم التعامل مع أطفالها من خلال الجمع بين الحضور والتوجيه، وتقليل السيطرة.
وختامًا، يبقى حضور الأم هو الأمر الثابت الذي لا خلاف عليه، والذي يحتاجه الطفل. فالأم التي تختار أن تكون مساحة أمان لا سلطة قاسية، تزرع في طفلها قوة داخلية تمكّنه من النمو بشكل سليم، دون سيطرة تُسبب معاناته في الحاضر، ولوقايته من أي رواسب نفسية قد تؤثر عليه في المستقبل.
رسالتي لكل أم:
• لا تجعلي العام الجديد مجرد امتداد لضغوط قديمة يعاني منها أطفالك.
• اجعلي العام الجديد فرصة لنمو سليم وصحي للشخصية.
مع تمنياتي لكم جميعًا بعام جديد سعيد…